كورونا ينقذ النظام الأحادي في الجزائر

في الوقت الذي نزل فيه فايروس كورونا كالصاعقة على كل بلدان العالم، يبدو أن النظام في الجزائر استقبله كهدية نزلت عليه من السماء، إذ تبيّن كل الدلائل أنه وجد فيه فرصة ذهبية يستغلها للقضاء على ثورة الابتسامة. فهل تكون ضحية وباء كورونا تلك الثورة التي علق عليها معظم الجزائريين آمالا كبارا في تغيير النظام والشروع في بناء جزائر أخرى جديدة وإحداث القطيعة مع طريقة التسيير والحكم المستبد منذ الاستقلال سنة 1962؟

هل يعقل أن يستغل نظام كارثة صحية للانقضاض على خصومه السياسيين مثلما يحدث في الجزائر؟ كيف نفسّر ذلك التضييق غير المبرر على حرية التعبير في وقت كان يجب أن تتضافر فيه كل الجهود من أجل مكافحة الوباء وإيصال المعلومة الصحيحة للمواطنين وإقناعهم باحترام الحجر الصحي ونشر جو من الهدنة والطمأنينة عبر وسائل إعلام ذات مصداقية لا منابر دعائية منبطحة كما هو حاصل الآن والتي لا يلتفت لما تقول أحد.

من خلال تصرفاته نلاحظ أن النظام يصارع الزمن خوفا من أن ينتهي الوباء ويعود الحراك كما كان عليه وربما بأكثر قوة وخاصة بعد الفشل الذي أظهره هذا النظام في التصدي للوباء.. وفي مواصلته لمطاردة شباب الحراك والزج بهم في السجون في الوقت الذي تطلق حكومات كثيرة عبر العالم سراح المساجين تجنبا لإصابتهم بالفايروس.

وفي انتهاك صارخ للمادة 50 من الدستور الجزائري التي تنصّ أن “حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية مضمونة ولا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية”، تفرض السلطة الرقابة على الموقعين الإخباريين مغرب إيمرجنت وراديو أم أنفو. ولم يجد وزير الإعلام عمار بلحيمر ما يبرر به هذا الحجب سوى إخراج تهمة مستهلكة هي اعتماد الموقعين على تمويل أجنبي. وقد دحض ناشرهما ادعاءاته في بيان مفصل.

ويظهر ضعف الحجة الحكومية في تجنب وزير الاتصال المرور عن طريق العدالة في منع الموقعين لأنه يعرف بأن دفاع المنبرين الإعلاميين سينسف حججه بسهولة ويفضحه أمام الرأي العام. وهو ما ينوي اللجوء إليه مدير الموقعين المتضررين الصحافي والمناضل الديمقراطي قاضي إحسان من خلال رفع دعوى قضائية ضد وزير الاتصال. ولئن كان الجميع يعرف أن هذا الوزير الصحافي مجرد موظف ينفذ الأوامر الآتية من السلطة الفعلية المستترة، فإنه لم يتردد في تهديد الصحافي إحسان القاضي بالسجن وإلحاقه بزميله خالد درارني المسجون منذ 3 أسابيع وذلك في خرق واضح للقانون الخاص الذي يمنع منعا باتا سجن الصحافيين بسبب كتاباتهم.

وما يثبت عزم النظام على انتهاج الأحادية الإعلامية والفكرية والسياسية هو تنصيب ذلك الرجل الآتي من الماضي محند أوسعيد بلعيد كوزير مستشار للاتصال، وناطقا رسميا لرئاسة الجمهورية، والذي أصبحت خرجاته الإعلامية مضحكة لا علاقة لها بعالم اليوم، كان آخرها قوله إن الحراك هو سبب انتشار كوفيد – 19 جراء خروج الجزائريين في مظاهرات الجمعة والثلاثاء!

من يتابع القنوات الجزائرية العمومية أو الخاصة على حد سواء يخيل إليه أن كل الجزائريين يسبحون بحمد النظام ولا حديث عن محاكمات الناشطين والزج بهم في السجون.. علاوة على مئات المواقع الإلكترونية والحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي التي نذرها النظام لتشويه الحراك وخصومه عامة، فمعظم القنوات والصحف والإذاعات انضمت إلى أوركسترا الأحادية لأنها مخيرة بين أمرين: إما الانصياع أو السقوط في الإفلاس بالحرمان من مداخيل الإعلان والغلق المباشر لأن النظام سمح لأغلبها بالبث دون أن يمنح لها الصفة القانونية كقنوات جزائرية بل تركها مجرد مكاتب لقنوات أجنبية مسجلة بالخارج ليبتزها وقت الحاجة وقد أهانها إهانة كبيرة حينما منعها من تغطية الحراك الذي غطته كل قنوات العالم. ولم يتوقف الأمر عند الأحادية السياسية فحسب بل هناك تشجيع للقنوات من أجل نشر الشعبوية الدينية ومحاربة الرأي العقلاني المخالف.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: