رحيل محمد خداد يفقد الجزائرية إحدى ركائز مشروعها داخل جبهة “بوليساريو”

توفي، الأربعاء الماضي، بإسبانيا، محمد خداد، منسق “بوليساريو” مع بعثة “مينورسو”، عن عمر يناهز 67 سنة، بعد صراع طويل مع مرض السرطان، الذي غيبه عن المشهد السياسي، منذ يونيو الماضي، لدرجة عدم قدرته، ولأول مرة، على حضور مؤتمر الحركة، التي ظل عين الجزائر الساهرة عليها، مخططا ومنفذا ومدافعا شرسا عن استمرارها في خدمة أجندات النظام الجزائري في المنطقة، تحت يافطة الدفاع عن حقوق الصحراويين، الذين لم يتردد خداد، ولو للحظة، في تقديمهم حطبا لنار الكراهية العمياء، التي يكنها رفاق بومدين وخلفاؤهم للدولة المغربية.
لم تكن وفاة محمد خداد حدثا عاديا، فبرحيله   المخابرات الجزائرية إحدى ركائز مشروعها داخل جبهة “بوليساريو”، وهو الذي استطاع، من خلال مساندتها المطلقة، أن يبني لنفسه حظوة دفعته إلى واجهة الأحداث رغم انتمائه لقبيلة أولاد موسى، المحسوبة على الساحل الموريتاني، وجعلت منه قطب الرحى في كل الرهانات التي لحقت إنشاء “بوليساريو”، منتصف السبعينات. فبعدما أخضعته لتكوينات مكثفة داخل الجزائر، وكذلك بأكاديمية المخابرات السوفياتية “دجيرزنسكي”، عبدت له الطريق إلى أن أصبح من قادة الصف الأول، إذ اضطلع بأدوار حساسة في توجيه مسار “بوليساريو” لاحقا، من خلال إدارة الملفات السرية والمصيرية.
وبعدما شغل منصب مدير مخابرات “بوليساريو”، نهاية الثمانينات، حيث أوكلت له مهمة طمس ملف الانتهاكات التي ارتكبها رفاقه بمعية ضباط جزائريين ضد الصحراويين والموريتانيين بالمخيمات، تقلد، بأمر من ثكنة بن عكنون، مهام الإشراف وتدبير ملف مسلسل السلام الأممي، منذ انطلاقه بداية التسعينات، لضمان تحكم نظام الجنرالات في جميع تفاصيل ومجريات هذا المسار الأممي، ما مكن خداد من جمع مسؤوليات حساسة أخرى، كان من بينها ملف إحصاء سكان المخيمات، نظرا لارتباطه بمشروع الاستفتاء، وهو الملف الذي لا يمكن فصله عن تدبير ملف الدعم الإنساني الموجه للمخيم، زيادة على فرض هيمنته على “دبلوماسية” الجبهة، مسؤولا عن العلاقات الخارجية للتنظيم، رغم تذمر محمد سالم ولد السالك، الذي لم تجده نفعا شكاياته لإبراهيم غالي من هيمنة خداد أن زعيم “بوليساريو” يعلم جيدا بأمر من يتحرك خداد.
يعتبر خداد آخر أعضاء النواة الصلبة لـ “بوليساريو”، وبوفاته تخسر الجزائر أحد عناصر قوتها في العمل الخارجي ضد المغرب، ولا شك أن رحيله سيذكي صراعات الأجنحة داخل هياكل التنظيم، لما يمنحه موقعه من فرص البروز، وشغل مراكز متقدمة في التنسيق مع الحليف، الذي يتمتع لديه أبي بشرايا البشير بحظوظ وافرة لخلافة خداد في مهامه، خصوصا أن لأبي بشرايا نقاط قوة تجعل منه المرشح الأقرب إلى هوى الجنرالات، خصوصا أن خداد، باعتباره مسؤولا عن العلاقات الخارجية لـ “بوليساريو”، كان يُعده لخلافته تحت أعين رجال المخابرات في الجزائر، من خلال تعيينه ممثلا ببلدان حساسة كجنوب إفريقيا ونيجيريا، قبل أن يدفع به إلى الواجهة الإعلامية في فرنسا، بهدف تلميع صورته داخل المخيم، بعد أن ارتبط اسمه بسرقة أموال الدعم التي كانت توجهها جنوب إفريقيا للجبهة.
ويندرج تعيين محمد خداد، في أيامه الأخيرة لأبي بشرايا ممثلا لدى الاتحاد الأوربي، حيث تلعب “بوليساريو” آخر أوراقها في حربها الدبلوماسية والقانونية على المغرب، بعد توالي هزائمها في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، في إطار تهييء أبي بشرايا لخلافته، لأنه كان في حياته المسؤول الأول عن ملفي الثروات الطبيعية والشؤون القانونية لدى “بوليساريو”، التي لم يتوان زعيمها إبراهيم غالي في تزكية أبي بشرايا، تفاديا لزعزعة التوازنات القبلية الهشة القائمة بالمخيم، بحكم انتماء مرشح خداد للمكون القبلي نفسه لهذا الأخير، وهو ما يضعف حظوظ غريمه محمد عمار ممثل “بوليساريو” بنيويورك في الظفر بالمنصب، بحكم انتسابه لقبيلة الركيبات أولاد الشيخ، بالإضافة إلى قلة خبرته، ونقص تمرسه في تدبير ملفات من حجم تلك التي كان يشرف عليها محمد خداد.
لكن حساسية المهام التي كانت موكولة لمحمد خداد، ونوعيتها، التي تتطلب ولاء أعمى للمخابرات الجزائرية، وكذلك عدم معرفة اللواء شنقريحة بأبي بشرايا عن قرب، قد يدفعه الى تخصيص هذا المنصب لأحد رجالاته بالمربع القيادي للجبهة، ألا وهو إبراهيم أحمد محمود بيد الله، الملقب بـ “كريكاو”، الذي يشغل الآن منصب الأمين العام للرئاسة، خصوصا أن خيارات اللواء باتت ضيقة جدا، بعد تتابع وفيات قادة “بوليساريو”، وفي ظرف وجيز، وبالمرض نفسه، عافانا الله، معلنة نهاية النواة الصلبة والمتحجرة لهذه الحركة، التي ظلت تدور عكس الزمن والمنطق، منذ تأسيسها، وبات الباب مفتوحا، اليوم، أمام جميع الاحتمالات، بما فيها التفكك والذوبان، الذي أصبح يهدد “بوليساريو” أكثر من أي وقت مضى، مع اشتداد وتيرة التطاحنات وصراعات الأجنحة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: