إعانة أم إهانة… “قفة كورونا” الغذائية في المغرب

الفقر في بلدنا أصبح شعارا يستخدمه البعض لكسب المناصب والحصول على الشهرة و الجاه  على ظهور الفقراء .

فما إن بدأ انتشار فيروس كورونا و مع فرض الحجر الصحي بالبلاد ، حتى تفاقمت أوضاع الفقراء و المعوزين من المواطنين المغاربة الذين كانوا يبحثون عن قوتهم بشكل يومي سواء بالبيع و الشراء أو أعمال حرة أخرى  ، حتى لاحظنا تسابق  بعض المحسنين و الفنانين و المشاهير  في رص صفوف الفقراء والمحتاجين أمام منازلهم أو مكاتبهم  بحضور ” الصخافة الوطنية ” في شكل يشكك في أن بلدنا أصبح ضمن البلدان المنكوبة فيقومون بتوزيع بعض الصدقات التي لاتسمن ولا تغني من جوع على هؤلاء .

التقاط هذه الصور لأولئك المساكين ونشرها بين الناس ، مع انتفاء الحاجة الشرعية لذلك ، قد يكون فيه أذى بليغ لهم ؛ وقد قال الله عز وجل : ( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ) البقرة / 263

قال الطبري رحمه الله فيتفسيره” (5 / 520) :

قولٌ جميل ، ودعاءُ الرجل لأخيه المسلم ، وسترٌ منه عليه لما علم من خَلَّته وسوء حالته ، خير عند الله من صدقة يتصدقها عليه ( يتبعها أذى ) ، يعني يشتكيه عليها ، ويؤذيه بسببها

وقال الترمذي رحمه الله فيجامعه” (5/180) :

صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية ، وإنما معنى هذا عند أهل العلم لكي يأمن الرجل من العُجب ؛ لأن الذي يسر العمللا يخاف عليه العجب ما يخاف عليه من علانيته .

لاشك أن هذه الصدقات  التي يتبارى كل هؤلاء في تأديتها فعل حسن يحتاجه الفقراء بعد أن تخلت عنهم الهيئات الرسمية التي ينبغي أن تكون سباقة في هذا المجال رغم انشاء صندوق تدبير جائحة كورونا” الذي تعدى   23.5 مليار درهم لا نعرف هل للفقراء حصة منها أو حصتهم ستكون عبارة عن قفف وصدقات “للمحسنين” المدججين بالكاميرات .

، لكنه من المثير للاستغراب أن أغلب حالات هذه الصدقات تستخدم بطريقة تجعلها حقيقة يراد منها باطل فيتم بها شراء ذمم الفقراء ، فتتحول إلى حملات دعائية يتم الترويج لها إعلاميا مما يجعلها تخرج عن نطاق الصدقة التي يستحب فيها أن تكون سرية وخالصة لوجه الله تعالى بدل المن بها واستغلالها لأغراض دعائية .

غير أن السؤال الذي ينبغي أن يطرح الآن ، هل يحتاج الفقراء إلى صدقاتنا ؟ ولماذا؟

الحقيقة أن جل مواطنينا يعيشون تحت خط الفقر، رغم أنهم ينتسبون إلى بلد غني بإمكاناته وهي نسبة لا يمكن أن تغطيها مثل هذه الصدقات التافهة ، بالإضافة إلى أن معظم هؤلاء لا يسارعون للحصول عليها ، بل يفضلون غلق أبوابهم عليهم لكبريائهم ، في الوقت الذي لا يجدون قوت يومهم ليضمنوا لذويهم حياة أفضل ولاشك أن الصدقات من الممكن أن تطعم أسرة أو عدة أسر بضعة أيام ، أو حتى شهراً كاملاً، لكنها لن تضمن لهم حياة كريمة .

لن تضمن لأبنائهم تعليمًا يؤهلهم لتحسين مستواهم الاجتماعي ، والقيام بدور في بناء وطنهم بعلمهم، مثلما يحاول كل منا بالنسبة لأبنائه.

ولن تضمن الصدقات لهم تكافؤ الفرص الذي يجعل من أحد أبنائهم طبيباً مشهوراً، أو مهندساً ماهرا، أو قاضياً ، أو وزيراً  ، مثلما تحلمون لأبنائكم .

صدقاتكم لن تكفيهم مثلكم شر الخوف من المرض الذي قد يحصدهم وأبناءهم لانعدام وجود رعاية طبية جيدة من خلال شبكة تأمين صحي تساوى بين المواطنين .

صدقاتكم لن تؤمن لهم منزلاً أقل بكثير من منازلكم لكنه يكفل حياة كريمة بين جدرانه الأربعة بما لا يكشف عوراتهم ، بيتاً صحياً لا يتسرب منه البرد والأمطار يضمن تهوية جيدة تجعل من أطفالهم أطفالا أصحاء مثل أبنائكم قادرين على العمل لبناء وطنهم .

ألم يحن الوقت لأن تتحمل السلطات الحاكمة مسؤولياتها في تأمين حياة كريمة لموطني بلدنا بدلا من إهانتهم بهذه الطريقة المخزية ، ألم يحن الوقت لكي نعمل جميعاً من أجل أن يتعلم المواطنون كيف يصطادون بدلاً من أن نمن عليهم بسمكة من ” أموالهم المنهوبة” ؟ ألم يحن الوقت لكي نقف مع هؤلاء كتفاً بكتف كمواطنين أنداد يسعون لبناء وطن عادل ، يحصل فيه كل أبنائه على حقوقهم كاملة ، بدلاً من أن يستمتع كل منا في المناسبات المختلفة بدور المحسن الكريم ؟

أعرف أن تغيير وضع الفقراء سيضر بقوى سياسية اعتادت استغلال عوزهم ، للمن عليهم وتلبية احتياجاتهم اللحظية في المواسم الانتخابية  لضمان أصواتهم أو في زمن الوباء لإسكاتهم ، لكن من يرد لهذا النهج أن يستمر فعليه أن يعلم أن الفقراء لا يحتاجون إلى صدقاتكم ، لأنهم حتماً سيحصلون على حقوقهم في بلد غابت فيه الإحصائيات لمعرفة كل فقير على حدى .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: