“ديربي الحمام” يعلق عيون الشباب المغاربة في السماء

يحمل الكثير من الشباب في المغرب المشعل عن آبائهم وأجدادهم في تربية الحمام الزاجل والمشاركة به في السباقات، غير باحثين عن الربح المادي، بقدر ما يسعون إلى ربط علاقات وثيقة مع طيورهم.

يحظى الحمام الزاجل بإعجاب واسع لدى فئة عريضة من المجتمع المغربي، غالبيتهم من الشباب.

ويعد ذلك إحدى نقاط قوة سباق الحمام في سماء المملكة، ففي أوروبا بدأ هذا النشاط، الذي يتأرجح بين الهواية والقمار، يفقد زخمه ويمارسه أساسا المتقاعدون، في حين ينمو في المغرب بخطى بطيئة ولكنها ثابتة بفضل قاعدة عريضة من الهواة الشباب المتحمسين.

ولا ينظر الشباب المغاربة إلى طيور الحمام باعتبارها مجرد طيور جميلة لكنها جزء من حياتهم اليومية. ويتعامل الكثير منهم مع طيور الحمام كهواية ولا يقبلون مبدأ أن تكون عملا مربحا كما هو الحال في الكثير من الدول.

وعلى الرغم من أن سباقات الحمام تحقق نجاحات باهرة وتجنى من ورائها أموال طائلة والحمام البلجيكي أرماندو الذي بيع مقابل 1.25 مليون أورو في مزاد علني عبر الإنترنت، ليصبح أغلى طائر في العالم، خير مثال على ذلك، فإن المغرب بالكاد يتوفر على سوق من هذا القبيل.

ووفقا لوكالة الأنباء المغربية، قال الحاج حسن، أحد المخضرمين في سباق الحمام، إن “الأمر شبيه ببيع أحد أفراد عائلتك في المزاد العلني. هذا عار!”.

ويبني مربي الحمام علاقة وثيقة وشبه عائلية مع حمامه، عبر مرافقته، ورعايته، وتدريبه ومشاهدته يختفي في كبد السماء ليعود بعدها إلى الحظيرة.وما يميز مربي الحمام المغربي عن غيره هو تبادل المساعدة، فالأمر يتعلق بمجتمع مترابط حيث يتعلم الصغار قواعد الفن من الكبار، إما عن طريق التواصل المباشر أو عبر منتديات المناقشة أو صفحات الفيسبوك التي يتم تحيينها بانتظام أو الفيديوهات الخاصة بالنصائح وطرق الاستعمال (كيفية التعرف على أفضل السلالات، وتحقيق التوازن في النظام الغذائي، وتطوير العضلات، وإعداد برنامج تدريبي ناجح…).

ويتوقف عدد الطيور التي يتم إطلاقها على حجم السباق (على مستوى مدينة أو جهة أو بلد) وعلى موارد الجمعيات المشاركة.

ويتذكر الحاج حسن أنه قبل بضع سنوات، خلال أحد “الديربيات” (نعم، هناك ديربي أيضا في تربية الحمام)، تم إطلاق ما يناهز 38 ألف طائر بضربة واحدة خلال سباق بمدينة الصويرة، وهو رقم قياسي. وأضاف “أمطرت السماء طيورا ذلك اليوم!”، مؤكدا أن “السباقات الأوروبية، على سبيل المثال، بالكاد تصل إلى ذلك العدد”.

ما يميز مربي الحمام المغربي عن غيره هو تبادل المساعدة، فالأمر يتعلق بمجتمع مترابط

وعادة ما تنظم “بطولة” الحمام بين شهري يناير ومايو، وأشار محسن بوزوبع، رئيس الجمعية البيضاوية لهواة الحمام الزاجل، إلى أن “الحمام يخلد للراحة بقية السنة”، ومع ذلك يتوجب على صاحبه أن يسهر على رعايته من حيث التغذية والنظافة والراحة.

ويتطلب كل هذا استثمارا كبيرا من حيث الوقت والمال أيضا، ولا يحصل المربي على مقابل إلا في يوم السباق، إن حالفه الحظ.

ويطلق المتنافسون، الذين يحملون معهم ساعات إيقاف خاصة (الكرونومتر) تسجل وقت الانطلاق، في اليوم الموعود، “لاعبيهم” الاستثنائيين الذين يحملون خواتم تحتوي على رمز شريطي سري، بضربة واحدة من نفس النقطة.

وخلال الأيام التي يجرى فيها السباق يكون المتسابق مشدود الأعصاب، وتكون عيناه شاخصتين في كبد السماء دون أن يتوقف عن ترديد الأدعية سرا على أمل أن يرى “أمراء الغيوم” يبزغون وسط السحب الكثيفة، فإن عاد الطائر تنطلق الأفراح والمسرات وتنهال دموع الفرح، وإن ضل الطريق أو استسلم للمخاطر (الحرارة، والبرد، والإرهاق، والجوع، والطيور المفترسة، والصيد الجائر)، يسود الحزن وتعتصر المربي الآلام والأتراح.

وبالطبع، الأبطال هم من يصلون أولا. إذ يقوم أصحابهم، بكل حماس، بتنبيه مركز نداء مخصص على الفور من خلال إبلاغه بالرمز المكتوب على الخاتم.

ومن بين الآلاف من الطيور التي تبدأ السباق، لا يعود سوى بضع مئات منها إلى ديارها بأمان. وكلما طالت المسافة، قلت فرص رؤية المربي لحمامه.

ويدرك المولعون جيدا هذه الحقيقة ويتحملون المسؤولية كاملة، فالجميع يرى أنها جزء من مخاطر و”سحر” اللعبة وأن المتعة الهائلة التي تمنحها لهم هذه الهواية تستحق كل التضحيات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: