تراجيديا “يرما” الإسبانية باللهجة المغربية في الرباط

مثلت ثلاثية لوركا المسرحية “يرما” و”عرس الدم” و”بيت برناردا ألبا” باللَّهجة المغربية وبأسماء أخرى كـ”بنات لالة منانة” التي قدمتها فرقة طاكون المغربية من إخراج سامية أقريو، وكذلك عرضت “بيت برناردا ألبا” تحت عنوان “أنا وبناتي” من اقتباس وإخراج دنيا بوطازوت، ومؤخرا أعيد تقديم مسرحية “يرما” إخراج يونس بنشقور.

النجاح الكبير الذي حققته مسرحية يرما للكاتب الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا، التي عرضتها فرقة روح في قاعة “سيفيرو أوشوا” في طنجة باللَّهجة المغربية شجعها لعرضها مجددا في “قاعة بهيني” بمعهد سرفانتس بالرباط مؤخرا.

المسرحية من إعداد يونس بنشقرون ومحسن زروال وإخراج يونس بنشقور، وتمثيل خلود محيي، الخنساء الشحموطي، إلياس البوشري، محمد الزين، أسامة لعروسي، جناح سربوتي، وأشرفت على الموسيقى سارة عريش.

تحدثت المسرحية عن معاناة القرويات من التَّقاليد المتخلفة في الأندلس جنوب إسبانيا في الثلاثينات من القرن الماضي. وطرحت مشاهدها، ما كانت تتعرض له النساء من اضطهاد بدني ونفسي في ظل ظروف أعراف بالية قيدت المرأة وجعلتها حبيسة البيت والتَّقاليد.

مسرحية “يرما” هي الجزء الثاني من الثلاثية الريفية للشاعر الإسباني غارثيا لوركا (1898 ــ 1936) فقد أتت بعد “عرس الدم” وتلتها “بيت برناردا ألبا” والثلاثية تتحدث عن الريف الإسباني في فترة سيادة المعتقدات الدينية والخرافات والشعوذة، والنظر للمرأة كجزء مما يملكه الرجل. وأن تخضع تصرفاتها لما تمليه التَّقاليد والأعراف السائدة في الرِّيف، وإلا فيتم اعتبارها امرأة مارقة على زوجها وعلى المتعارف عليه في الرِّيف.

تبدأ أحداث المسرحية بـ”يرما” الزوجة والعاشقة، التي كانت ومازالت مُلهمة للكثيرين ممن نادوا بحرية المرأة من النساء والرجال طوال زهاء تسعين عاما الماضية في إسبانيا والعالم إلى اليوم الحالي.

وتأتي أهمية العرض باللَّهجة المغربية من كونها ناقشت العديد من القضايا التي تهم المرأة المغربية، كزوجة، وعاملة في فلاحة الأرض إلى جانب زوجها، ونظرة المجتمع للنساء العاقرات، والتعامل مع مشكلة عقم الرجل بالخرافة والدجل والأعشاب.

مثلت خلود محيي دور “يرما” السيدة الريفية التي تعيش ضمن تقاليد اجتماعية تفرض عليها أن تعيش ضمن إطارها وعليها أن تقبل قدرها مهما كان سيئا، ومواجهة اختيارها الحر في ما تعيشه، ومن تتعامل معه، وما تلبسه وأي سلوك تسلكه. فهي منبوذة من زوجها خوان، مثل دوره محمد الزين، العقيم والجشع وأهله، وكانت تأمل بطفل يملأ عليهما فراغ حياتهما، لكن الزوج يتظاهر بأنه مشغول دائما بمزرعته وقطيعه لئلا تكتشف زوجته عقمه.

تأخر حمل “يرما” جعلها مدار حديث أهل القرية، ونعت جاراتها لها بالعاقر، وعوملت من قبل أخوات زوجها كأرض جدباء لا نفع يأتي منها.

المسرحية تحكي مأساة “يرما” الزوجة الجميلة، التي تزوجت منذ سنتين وبضعة أيام، لكنها لم تهنأ بيوم سعيد مع زوجها، فهو دائم السهر على الأرض، ويقضي ليله قريبا من مزرعته لئلا تُسرق حصته من المياه. وفي النهار يكون مشغولا بتنمية قطيعه من الأغنام والماعز، ويطمح لامتلاك قطيع جاره “فكتور”، مثل دوره إلياس بوشري، وهو أيضا مصدر غيرة لخوان، لأنه كان صديق طفولة وصبا زوجته. وكان فكتور مثالا للشاب المحب للحياة، الذي يمضي أوقاته في الغناء والفرح، وكان يشعر بالمرارة لأجل يرما، وما تعانيه من إهمال زوجها لها.

مشاهد المسرحية نقلت لنا أحزانا وانفعالات نفسية متكررة لـ”يرما” بين الأمل وفقدانه بالحمل من زوجها بسبب انشغاله عنها، وجشعه في امتلاك المال. وتحاول أن تعزي نفسها بالخياطة والتطريز، لتتناسى تقصير زوجها معها والحديث مع جاراتها والفرح بأطفالهن وحملهن الجديد، معتقدة أن الفتيات اللاتي يترعرعن في الريف مثلها تغلق كل الأبواب دونهن، وكل شيء يصبح نصف كلمات ونصف إشارات. فهي ترى من العار التكلم عما تعانيه كامرأة وتذكر أمام الآخرين إهمال زوجها لها، وعليها ألا تبث شكواها إلى أحد لئلا تعتبر امرأة بلا أخلاق.

 لغة مسرحية خاصة

وتسأل “يرما” عجائز القرية كلما صادفتهن في طرقات القرية، لمعرفة كيف يمكنها جذب زوجها لها، وجعله مهتما بها كباقي الزوجات، لكي تنجب منه الطفل الذي تتمناه، لكن كل واحدة من هاته العجائز تتصرف وكأنها طبيب شحيح يضنُّ بمعلوماته على مريضاته اللاتي يقتلهن العطش للأمومة.

وقدمت خلال العرض مقاطع غنائية من التراث الأندلسي والمغربي من كواليس المسرح من أداء سارة عريش. وساهمت هذه المقاطع الغنائية في إثراء العرض، وقربت بين الجغرافيتين الإسبانية والمغربية، وجعلت الأحداث تبدو وكأنها تقع اليوم في مكان ما من الوطن العربي.

استخدم المخرج الثنائي: الشيطان والملاك، مثلت دور الملاك الخنساء الشحموطي، من خلال حركات الجسد، للتعبيرعن أمنيات الأمومة لدى يرما، وقامت بنثر الحليب على الأرض للتدليل على رغبة يرما بالأمومة. ومثل دور الشيطان أسامة لعروسي، وكان ينشر الغبار الأبيض أمام يرما، معبرا عن آمالها المحبطة، ومشيرا لها بضرورة ارتكابها لجريمتها بقتل خوان العقيم للخلاص من حياة الذل والمعاناة التي تعيشها معه ومع أسرته.

الثنائي الملاك والشيطان كانا في المسرحية رمزين موفقين لصراع الخير والشر في شخصية يرما. ومثّلا ما كان يؤمن به الريفيون في إسبانيا في تلك الفترة التاريخية من التخلف والأزمة الاقتصادية، التي كانت تعاني منها بلادهم في الثلاثينات.

تنتهي مسرحية يرما التراجيدية بخنق الزوجة لزوجها خوان حتى الموت، لتنهي بذلك معاناتها مع ذلك الزوج الذي مثل لها كل ما عاشته من أحزان وإحباط.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: