كورونا ضربة موجعة لقطاع الطاقة

تتصاعد المخاوف في العالم من انتشار عدوى فايروس كورونا في العديد من الدول لا فقط في علاقة بتأثيراته الصحية التي قد تؤدي إلى وفاة المصابين به وهو ما حصل فعلا بعد بلوغ حصيلة الوفيات في الصين إلى أكثر من 1000 حالة، بل أيضا بتداعيات هذا الوباء على الاقتصاد العالمي.

ويثير اتساع رقعة انتشار هذا الفايروس القاتل، مخاوف كثيرة لدى الخبراء من أن تكون له تأثيرات وخيمة على سوق النفط في العالم ومنها تراجع الطلب على الطاقة.

وحذرت إيلين فالد خبيرة أسواق الطاقة الأميركية من تداعيات انتشار فايروس كورونا على الدول المنتجة للبترول بسبب المخاوف من تراجع الطلب على الطاقة وخاصة في الصين الأشد تضررا من الفايروس والأكثر استيرادا للنفط على مستوى العالم.

وقالت فالد في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن المخاوف من التداعيات الاقتصادية لأزمة فايروس كورونا، دفعت أسعار النفط العالمية إلى أقل مستوياتها منذ أكثر من عام، رغم خفض الدول المنتجة لإنتاجها في وقت سابق، وهو ما يهدد بصدمات اقتصادية للدول النفطية، تفتح الباب أمام اضطرابات سياسية وإقليمية في هذه الدول.

وكانت الإدارة العامة للجمارك الصينية قد ذكرت أن واردات الصين من النفط خلال العام الماضي بلغت حوالي 11 مليون برميل يوميا لتصبح أكبر مستورد للنفط في العالم وبفارق كبير عن المركز الثاني، في حين أن السعودية وروسيا هما أكبر مصدرين للنفط إلى الصين. ومع عدم القدرة على احتواء فايروس كورونا الجديد حتى الآن، تقول مصادر صينية مطلعة إن الطلب على النفط في البلاد تراجع بمقدار 3 ملايين برميل يوميا أي بما يعادل 20 في المئة من إجمالي الاستهلاك تقريبا.

وتقول إيلين فالد في تقريرها، “إننا لا نعرف حتى الآن التأثير الكامل لانتشار الفايروس على الطلب العالمي على الطاقة، وبخاصة إذا انتقل التباطؤ الاقتصادي من الصين إلى بقية دول العالم، حيث تشير تقديرات العديد من الجهات من شركة الطاقة البريطانية بريتش بتروليوم (بي.بي) إلى منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى تراجع الطلب العالمي بما بين 200 و600 ألف برميل يوميا. ومع تعثر محاولات احتواء الفايروس، وتشديد إجراءات الحجر الصحي سواء في الصين أو في دول العالم، يتعين توقع السيناريو الأسوأ بالنسبة إلى تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى سوق الطاقة بشكل خاص”.

خبراء يتوقّعون السيناريو الأسوأ لتداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد العالمي عموما وعلى سوق الطاقة خصوصا

وأضافت “يمكن أن يتمثل السيناريو الكارثي لصناعة النفط في تراجع أسعاره إلى ما بين 30 و35 دولارا للبرميل من خام برنت القياسي واستمرار هذه الأسعار المنخفضة لعدة أشهر.

وسيمثل هذا الموقف مشكلة وتهديدا بالنسبة إلى الدول المنتجة للنفط والتي ستكون أكثر حدة من تلك التي واجهها منتجو النفط عندما انخفضت الأسعار إلى 40 دولارا أو 35 دولارا للبرميل عامي 2015 و2016. ففي تلك الفترة كانت أسعار النفط قد تراجعت نتيجة زيادة إنتاج الدول النفطية إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. لكن إذا انخفضت الأسعار هذه الأيام بسبب فايروس كورونا، فإن هذا سيحدث في حين أن أغلب الدول المنتجة خفضت إنتاجها”.

وأشارت إلى أنه “منذ 2018 اتفقت دول أوبك والدول الحليفة في تجمع ‘أوبك بلس’ على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا ثم زيادة حجم الخفض إلى 2.1 مليون برميل يوميا بهدف السيطرة على الأسعار، في حين تفكّر هذه الدول في خفض جديد للإنتاج لمواجهة التراجع الحاد في الطلب. لذلك فإنه في ظل سيناريو فايروس كورونا المخيف، ستواجه الدول النفطية الكبرى، انخفاض الأسعار مع انخفاض الإنتاج وهو ما يعني تراجعا حادا في إيراداتها العامة. على سبيل المثال إذا انخفضت صادرات السعودية من النفط إلى 6.85 مليون برميل يوميا كما حدث في يناير الماضي وفقا لبيانات موقع ‘تانكر تراكر دوت كوم’ المعني بمتابعة سوق النفط العالمية، ومع انخفاض السعر بمقدار 20 دولارا للبرميل من خام برنت مقارنة بالأسعار الحالية، فإن شركة أرامكو السعودية للنفط، ستخسر حوالي 137 مليون دولار يوميا بما يعادل 4.2 مليار دولار شهريا”.

وقالت فالد “حدوث سيناريو انخفاض الطلب مع انخفاض الإنتاج، يعني تراجع إيرادات الدول النفطية، وبالتالي ارتفاع العجز في ميزانيتها، وهو ما يعني تراجع الخدمات العامة التي توفّرها حكومات هذه الدول لمواطنيها. فإذا استمر هذا الوضع لفترة طويلة نسبيا، فقد تشهد هذه الدول تداعيات سياسية واجتماعية للأزمة”.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهي أكبر دولة منتجة للنفط في العالم حاليا، ترى إيلين فالد أن “أميركا ستعاني من تداعيات كورونا أيضا ولكن بشكل مختلف. فعلى عكس دول ‘أوبك بلس’، وصل إنتاج شركات النفط في الولايات المتحدة وخاصة من الزيت الصخري إلى أعلى مستوياته تقريبا. فإذا تراجعت الأسعار، ومع ارتفاع تكاليف الإنتاج في الولايات المتحدة وخاصة الزيت الصخري أيضا، واستمر التراجع لفترة طويلة فإن فقاعة قطاع النفط الأميركي ستنفجر لتنطلق موجة إفلاس بين الشركات الأميركية وعمليات تسريح للعمال.

ورغم أن أزمة فايروس كورونا ستؤدي إلى انخفاض أسعار البنزين بالنسبة إلى المستهلكين الأميركيين، فإنها قد تضرّ بالدرجة نفسها بالاقتصاد الأميركي في أحد أنجح قطاعاته”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: