كيف للفساد الحكومي ان يتسبب في الهجرة ؟ الأسباب و الحيتيات.

تمثل إشكالية الهجرة اليوم أحد إشكالات العصر، وكذلك موضوع انشغال ونقاش، بل ومصدرا مثيرا للجدل لدى مختلف الدارسين المنتمين لعدة قطاعات وتيارات، نذكر منهم علماء الجغرافيا البشرية، والاقتصاد والسياسة والتاريخ وعلماء النفس والإحصائيين…أما علم الاجتماع فقد سعى من خلال تبنيه لسوسيولوجيا الهجرة إلى بلورة نظرية معينة أي بناء مفاهيمي منظم يسمح بتشخيص المحددات والحوافز المتحكمة في الحركات الهجرية، ومن أهم المفاهيم التي طرحت وشكلت رصيدا سوسيولوجيا عن الهجرة، الاندماج والاستخلاف والاستيعاب والمواطنة والتكيف وكذلك براديغم الهوية الاجتماعية للمهاجرين و يمكن القول أنها شكلت إسهاما علميا وقيمة مضافة لإماطة اللثام عن سوسيولوجيا الهجرة والتحضر.
إذن، ما هي الهجرة؟ ما هي أنواعها؟ وكيف درست العلوم الإنسانية (الجغرافيا، السياسة، الاقتصاد، الديموغرافيا، علماء السكان، الإحصائيين، موضوع الهجرة عامة)، والسوسيولوجيا خاصة؟ إلى أي حد ساهمت مدرسة شيكاغوا بإرثها في تشكيل خلفية سوسيولوجيا لمفهوم الهجرة؟

قبل الغوص في تحديد الإطار المفاهيمي للهجرة لا بد من تقديم الأسباب الحقيقية للهجرة .

تُعدّ الهجرة من أكبر التحديات التي تواجه الدول، إذ إنّها تسبّب العديد من الآثار السلبية التي تؤثر على البلاد وتطورها وسرعة تقدمها، خصوصاً أن الهجرة عادةً تكون نتيجة عوامل عديدة تدفع بالمهاجرين إلى مغادرة أوطانهم والإقامة في دول أخرى بعيدة عن ثقافتهم ومجتمعاتهم، و لذلك عدة دوافع التي تدعو المواطنين إلى الهجرة والمغامرة بترك أهلهم وتراثهم وتاريخهم وكل ما يخصهم والتوجه إلى بلادٍ أخرى، منها إقتصادية و إجتماعية و دينية و جغرافية و سياسية و لكن هناك دوافع أخرى مسكوت عنها و يحاولون عدم التطرق إليها و هي راجعة للفساد الحكومي ، هذا الفساد الذي يجعل من الموظف و المواطن الذي يعيش عيشة كريمة في بلده يغادر هذا الأخير ليس بحثا عن العمل أو المال و لكن بحثا عن وطن يعيش فيه بكل كرامة ، وطن به المساواة بين الأشخاص ، وطن يدرس فيه التعليم الحقيقي وطن للمواطن الحق في العلاج  و يحميه ، كيف يمكنه تحقيق ذلك و السياسي فاسد و الوزير فاسد و المسؤول فاسد و الإمام فاسد ، الكل يستغل الوطن للإسترزاق و تحقيق العيش الكريم فقط لنفسه و لعائلته .

مسؤولون اشتروا كل شيء حتى السلطة الرابعة لكي تزكي كل ما يفعلونه ، لما لا و المحاسبة منعدمة في البلاد ، الكل يأخذ مما آتاه الله حلالا أم حراما ، فالحلال بين و الحرام بين ، حتى و ان كان من المتمسلمين  الذين ينصحون الناس طوال النهار بإتباع التعاليم الدينية .فالكل يعلم أنه  لا يوجد شيئ اسمه بلد فقير. يوجد فقط نظام فاشل في إدارة موارد البلد، حكومة جعلت المواطن ينسى حق المواطنة ، ينسى حب الوطن ، جعلته يفكر فقط في الرحيل و الهجرة و هذه هي السياسة المتبعة ، تسهيل هجرة الأدمغة و الطاقات من خلال الاتفاقيات الدولية و الإستفادة من مراجعها  لتخلو لهم الساحة ليفعلوا ما يشاؤون و يجبروا الباقين للهجرة الغير الشرعية عبر قوارب الموت ، منهم من يصل و منهم من ينتهي به المطاف في مقبرة المتوسط .

و حتى الذي حقق مراده و وصل للضفة الأخرى يبقى مهددا بالترحيل و القمع من دول الإقامة و يجد نفسه مجرمًا لا لأنه إقترف جريمة و لكن لأنه مهاجر سري و غير قانوني يصبح عرضة للسجن في مراكز الترحيل بدون أي حق لأن حكومته صادقت على إتفاقيات توجب من خلالها ترحيله لبلده الأصلي .

فالإحصائيات البلجيكية تؤكد تواجد أزيد من 150 ألف مهاجر سري أغلبهم بمدينة بروكسيل تحاصرهم الحياة الصعبة و المريرة و التهديد بمراكز الترحيل ( فوتم ، بريج ، كاركول، ستينوكيرزيل و ميركبلاس) .

مراكز تحوي العديد من المغاربة لا نعرف عددهم و لا مدة إحتجازهم ، مغاربة ذنبهم الوحيد أنهم غادروا بلدا فشلت حكومته في إدارة موارده .حكومة أجبرته على الرحيل بسبب فشلها و أجبرته على العودة بسبب إتفاقياتها مع دول الإستقبال .

فالمقيمين الشرعيين لم يسلموا من اتفاقيات الحكومة المغربية التي صادقت على اتفاقيات مع دول أوروبية بأن يقضي المتهم مدة عقوبته بالمغرب و بذلك يفقد كل حقوقه ، حقه في وثائق الإقامة ، حقه في التعويضات ، حقه في الضمان الإجتماعي ، كل هذه الحقوق أدى واجبها و ساهم كأي مواطن أصلي ، و في الأخير يضرب كل شيء عرض الحائط باتفاق مصالح بين الدولتين يروح ضحيته أحد أفراد جاليتنا .

و لا ننسى الدور الذي تلعبه الخطوط الملكية المغربية في ترحيل المغاربة قصرا ، فالله شاهد علينا أننا كنا من بين ركابها حينما تعرض مواطن مغربي مرحل من طرف السلطات البلجيكية للضرب و العنف ،يصرخ و يبكي داخل الخطوط الملكية المغربية و لم يحرك اَي موظف ساكنا، الكل يتفرج و ينتظر إقلاع الطائرة لينتهي حلم المهاجر المغربي ،

كيف يمكن للخطوط الملكية المغربية ان تساهم في تعاسة المغاربة ، كيف لربان الطائرة ان يسمح بعذاب مواطن مغربي أمامه دون منع ذلك . فالسلطات البلجيكية تقر بترحيل السنة الماضية أزيد من 10081 شخص ، لكل مهاجر قصته و عذابه.

فالمهاجر المغربي أصبح عرضة لكل الإهانات في بلدان الإقامة ، و لتسوية وضعيته اصبح يعمد لطلب اللجوء السياسي لكي يحقق أمله في العيش بكل كرامة و حرية و لكن حينما تحقق كرامته في بلد الإقامة يفقدها في بلده الأصلي و يصبح مبحوتا عنه و ممنوعا من الدخول للمغرب بسبب اللجوء السياسي ، لما لا يطلبه و هو حله الوحيد لتسوية وضعيته القانونية ، لما لا يطلبه و هو اصبح وحيدًا ، عاريًا حافيا في بلدان الغير دون رحيم او رقيب ، فالعديد من طالبي اللجوء السياسي ليس لهم علاقة بالسياسة و لا بالنظام و لا يعرفون حتى الأحزاب السياسية ، إختاروا هذا الحل لأنه الحل الوحيد أمامهم لتغيير الواقع المرير .

فالمغرب للمغاربة أجمعين و ليس لفئة معينة تعيش رغدا و تمشي مرحًا في جنانه ، لذى نطالب ان تهاجروا انتم و خدوا فسادكم معكم لتحقيق العدل الاجتماعي و المساوات و العيش الكريم .

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: