عباس “الحائر”.. استمرار أو قطع العلاقات مع واشنطن وتل أبيب

تخبط كبير يطبع سلوك وتصريحات الرئيس محمود عباس في التعاطي مع الواقع الجديد الذي فرضته الإدارة الأميركية عبر خطتها للسلام المعروفة بصفقة القرن، وسط حيرة فلسطينية هل بهذه “الأيادي المرتعشة” ستتم مواجهة الصفقة التي أتت عمليا على ما تبقى من حلم الدولة.

ألمح الرئيس الفلسطيني محمود عباس الاثنين إلى أن العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة وإسرائيل لا تزال قائمة على الرغم من إعلانه السبت عن قطعها ردا على خطة واشنطن للسلام في الشرق الأوسط.

ووفق البعض، يعكس هذا التخبط وجود ضغوط قوية تمارس على الرئيس عباس (83 عاما)، وسط تساؤلات في الشارع الفلسطيني هل بمثل هذه الأيدي “المرتعشة” ستتم مواجهة “صفقة القرن” المنحازة لإسرائيل؟

وسبق وأن كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن زيارة قامت بها رئيسة الاستخبارات الأميركية جينا هاسبل إلى رام الله في الضفة الغربية المحتلة الخميس الماضي أي بعد يومين فقط من إعلان خطة السلام، ولقائها بمسؤولين أمنيين في السلطة الفلسطينية، فيما التزمت الأخيرة الصمت ما يؤكد حصولها.

ويقول محللون إن تسريب الزيارة “السرية” لهاسبل أحرج كثيرا عباس واضطره على ما يبدو إلى التلميح بأن العلاقات مع الجانب الأميركي مستمرة، فالسلطة الفلسطينية في وضعها الحالي ورغم التصريحات النارية لا تستطيع عمليا قطع العلاقات مع واشنطن خاصة على الصعيد الأمني لما لذلك من تكلفة باهظة تخشى دفعها.

وقال عباس خلال ترؤسه اجتماعا للحكومة الفلسطينية في رام الله “نحن سنتابع ما قلناه، وإذا استمر الأميركان في هذا المشروع فالمقاطعة موجودة (…) قاطعناهم بعد إعلانهم عن القدس عاصمة لإسرائيل”.

وجدد التهديد بقطع العلاقات الأمنية إذ قال “قلنا لن نعمل مع الإدارة الأميركية والبيت الأبيض، وبقيت قناة واحدة وهذه القناة يجب أن تقطع”، مشيرا بذلك إلى العلاقات الأمنية.

وعن العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، صرح الرئيس الفلسطيني “كذلك مع إسرائيل لا توجد الآن أي علاقة إلا الأغراض التي يبيعوننا إياها ونشتريها منهم، والتنسيق الأمني، ونحن نرفض هذا التنسيق إذا استمروا في هذا الخط”.

تساؤلات في الشارع الفلسطيني هل بمثل هذه الأيدي “المرتعشة” ستتم مواجهة “صفقة القرن” المنحازة لإسرائيل

وكان عباس أعلن خلال اجتماع طارئ لجامعة الدولة العربية في العاصمة المصرية القاهرة عن قطع “أي علاقة بما فيها الأمنية” مع إسرائيل والولايات المتحدة مؤكدا تحرره من التزاماته بموجب اتفاقات أوسلو.

ولفت عباس في مداخلته إلى أنه سبق وأن قطع الاتصالات مع إدارة ترامب بعد اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2017، إلا أنه أبقى على العلاقات مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لكونها تتعلق بالتعاون في مكافحة الإرهاب على الصعيدين الدولي والمحلي.

وساد الغضب في الشارع الفلسطيني عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويرى الفلسطينيون أن الخطة أتت على ما تبقى من طموحهم في دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية.

وأعلنت الجامعة العربية في بيان لها السبت رفضها “لصفقة القرن الأميركية – الإسرائيلية”، وانضمت لها منظمة التعاون الإسلامي حيث أعلنت عقب اجتماع الاثنين في مدينة جدة السعودية عن رفضها للصفقة، ودعت أعضاءها إلى عدم التعامل معها أو التعاون مع الإدارة الأميركية لتنفيذها.

ووفق محللين، يعتبر التنسيق الأمني عنصرا مهمّا للحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية المحتلة حيث تحظى حكومة عباس بحكم ذاتي محدود في المدن الكبرى. ولطالما هدد الفلسطينيون بقطع العلاقات مع إسرائيل لكنّ شيئا لم ينفذ.

وقال مدير مركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية عوزي رابي في وقت سابق “بالنسبة لعباس، التنسيق الأمني يمنع دخول حماس إلى الضفة الغربية”.

وتؤكد تصريحات عباس الإثنين وجهة نظر المحلل السياسي الفلسطيني جهاد حرب. ورأى حرب أن إعلان عباس “لا يزال في إطار التهديد”، موضحا أن “وقف التنسيق الأمني يعني وقفا كاملا للعلاقة الأمنية، لكننا لم نر شيئا على الأرض حتى الآن”.

تصريحات عباس الأخيرة تعكس تشبثه باتفاقية أوسلو المنتهية بحكم الأمر الواقع

وأكد الرئيس الفلسطيني خلال اجتماع الحكومة على استمرار عمل السلطة الفلسطينية. وقال “سنستمر في عملنا كما بدأناه بمنتهى الأهمية والاهتمام وعلى الوتيرة نفسها حتى اللحظة الأخيرة”، في تراجع آخر يسجل له.

وأضاف عباس “هذه خدمات لشعبنا ولأهلنا، الجامعات والمدارس والمياه، الصحة هذا شيء مفيد لشعبنا سنستمر فيه إلى أن نعجز عن ذلك”، وشبه الخطة الأميركية بالجبنة السويسرية، قائلا “هذه الجبنة السويسرية التي وضعوها لنا هي أمر لا يطاق فعلا، ولا يمكن لإنسان أن يقبله في القرن الحادي والعشرين”.

وتأسست السلطة الفلسطينية استنادا إلى اتفاقية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في البيت الأبيض في العام 1993. وإلغاء الالتزامات التي توجبها اتفاقية أوسلو إنما يعني إنهاء عمل السلطة الفلسطينية.

وسبق وأن دعت قيادات فلسطينية على غرار زعيم التيار الإصلاحي لحركة فتح محمد دحلان الرئيس عباس إلى ضرورة اتخاذ قرارات تاريخية حاسمة لمواجهة صفقة القرن وعلى رأسها التحرر من اتفاقية أوسلو، وإعلان دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية.

وتعكس تصريحات عباس الأخيرة بأنه لا يزال متشبثا باتفاقية أوسلو، التي باتت بحكم الأمر الواقع منتهية، قائلا في هذا الصدد “لا يمكن المقارنة بين اتفاقية أوسلو وهذه الخطة، أوسلو كان مشروعا انتقاليا يعطيني 92 في المئة من الأراضي والباقي يتم التفاوض عليه”. وأضاف “هذا المشروع لا يعطينا إلا 8 في المئة من الضفة الغربية وقطاع غزة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: