المتشددون يقابلون الانفتاح الاجتماعي في السعودية بالإشاعة والتخويف

تلاقي سياسة الانفتاح التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ 2017 ترحيبا واسعا خاصة في صفوف الشباب كما أيدها رجال دين بارزون، لكنها مازالت تثير مخاوف فئات محافظة بسبب الحفلات والاختلاط غير المسبوق بين الذكور والإناث الذي تشهده المملكة منذ أشهر.

لكن متابعين للشأن السعودي يقولون إن هناك جهات تعمد إلى التشويه ونشر الإشاعات وتغذية الخوف من الانفتاح لحسابات سياسية، أو خوفا من خسارة نفوذ خاصة لمن عملوا مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأجرت الرياض تغييرات اجتماعيّة كبيرة وإصلاحات اقتصاديّة يقودها ولي العهد، فسُمح للنساء بقيادة السيارات، وبدخول ملاعب كرة القدم، وأعيد فتح دور السينما وسمح بإقامة حفلات غنائية صاخبة. وهناك غض نظر عن إبقاء المتاجر أبوابها مفتوحة في أوقات الصلاة.

في الوقت ذاته، يبدو وكأن الحظر على الاختلاط بين الرجال والنساء انتهى، إذ يمكن رؤية نساء ورجال جنبا إلى جنب في المطاعم والأماكن العامة. ولو أن هذه التغييرات تُجْرَى تباعا من دون ضجة أو إعلان مسبق.

وتم الحد من دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت بمثابة شرطة دينية في البلاد. وبات انتشار عناصرها محدودا بل حتى معدوما، ما سمح لبعض النساء بالسير دون عباءة أو غطاء للرأس خصوصا الأجنبيات.

ويقول إبراهيم -وهو مدرس لغة عربية يبلغ 55 عاما- “ما يحدث من حفلات صاخبة واختلاط وتساهل في ملابس النساء بل والسماح لهن بالتدخين علنا لا يجوز في بلاد الحرمين”.

ويضيف الرجل الملتحي وهو يهز رأسه مستنكرا فيما كانت فتاتان ترتديان عباءتين تكشفان عن بنطالي جينز ضيقين تمران قربه “مشكلتي ليست مع الحرية، مشكلتي أنّها حرية بلا ضوابط وبلا قيود”، مشيرا إلى أن “التغيير يحدث سريعا”.

ويتابع “سألت علماء دين عما يحدث وقالوا إننا يجب أن نطيع الله ورسوله وأولي الأمر. لذا أنا متقبل الأمر الواقع فهم مسؤولون عنا”، في إشارة إلى الحكومة السعوديّة.

وقال أكثر من خمسة سعوديين في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية إنهم متحفظون على الانفتاح المصحوب بتغييرات اجتماعية سريعة “تتنافى مع القيم التي نشأنا عليها”.

لكن الشاب البالغ 26 عاما يقبل على مضض بالأمر الواقع، قائلا إن “الكبت بين الشباب لعقود أدى إلى حدوث تجاوزات مع تطبيق الانفتاح”.

وقال مسؤول حكومي فضّل عدم ذكر اسمه، لأنه ليس مخولا له التصريح، إنّ الإصلاحات الأخيرة “يحتاج إليها السعوديون كي يشعروا أنهم يعيشون حياة طبيعية”.

واستضافت الرياض نهاية العام الفائت مهرجان “ميدل بيست” الذي اعتبر أكبر حفل تستضيفه المملكة التي لطالما اعتبرت متشدّدة في تطبيقها للشريعة الإسلامية.

وعلى غرار مهرجان وودستوك الشهير، ضجت الموسيقى لساعات متواصلة خلال ثلاثة أيام في أرجاء الموقع الذي بني خصيصا للحفل في الصحراء قرب الرياض، ورقصت نساء بعضهن دون عباءاتهن وأغطية رؤوسهنّ، مع الرجال في الهواء الطلق.

كما أقيمت حفلات غنائية عربية وغربية في عدة مدن أخرى شهدت حضور جمهور مختلط في شكل غير مسبوق.

ويقول متابعون للشأن السعودي إن الانفتاح شامل ويسير بشكل هادئ وغير مستفز، لكن الصورة القديمة القائمة على سيطرة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مازالت تسيطر على الأذهان وخصوصا ما كان يعرف بقلاع التشدد، وكل خروج جزئي عليها يبدو للمحافظين وكأنه صادم ومخيف، وهو أمر تغذيه الإشاعات والتأويلات المغرضة للتيارات المتشددة في المملكة، وخاصة أنصار جماعة الإخوان الذين مازالوا منتشرين في مواقع حيوية بالمملكة تحت عناوين دينية وتعليمية وإعلامية.

ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن التغيير في السلوك والأفكار يحتاج إلى وقت ليتعود عليه الناس ويندمجوا فيه بشكل تدريجي، وأن غضب المحافظين سيتراجع مع مرور الوقت، خاصة أن غالبية السعوديين باتت مرتاحة بعد التخلص من سيطرة الهيئة ونفوذها غير المحدود، مع توقع أن تستمر الإشاعات وردود الفعل الغاضبة لبعض الوقت.

ونشرت تقارير صحافية في الإعلام المحلي خلال الأشهر الأخيرة تقارير حول حرق سيارات نساء في عدد من مدن السعودية، وقد اتهم بعضهن رجالا بحرق السيارات احتجاجا على مبدأ قيادة المرأة للسيارات.

وتسعى الرياض إلى جذب نحو مئة مليون سائح في السنوات المقبلة، وهو ما يثير مخاوف لدى البعض من تطبيق المزيد من الانفتاح لتلبية رغبات الزائرين.

وفي ما بدا مبادرة لطمأنة المتحفظين، أعلنت السلطات نهاية الشهر الفائت توقيف أكثر من 200 شخص بينهم عشرات النساء وأصدرت عقوبات بحقهم، على خلفية ارتداء “ملابس غير لائقة” والقيام بمخالفات “خادشة للحياء” في الرياض.

وقال دبلوماسي أجنبي يعيش في الرياض منذ أكثر من ست سنوات إنّ “هناك تغييرا هائلا لكنّه هش وحساس للغاية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: