ألمانيا تتسلح بإجراءات لدرء خطر اليمين المتطرف

تسعى ألمانيا إلى تعزيز خططها لمواجهة تنظيمات اليمين المتطرف التي برزت خلال السنوات الأخيرة، وتسببت في العديد من الحوادث الإرهابية وفقا للسلطات في برلين التي تدفع بإجراءات أمنية وبتشريعات جديدة بهدف وضع حد لتنامي أخطار النازيين الجدد الذين يشكلون اليوم قوة سياسية لا يُستهان بها.

تتجه ألمانيا التي شهدت في السنوات الأخيرة صعود نجم اليمين المتطرف نحو تشديد إجراءاتها بغية الحد من أخطاره لاسيما أنه كان يقف وراء جل الهجمات الإرهابية التي عرفتها البلاد في العام 2018، وكذلك يبشر بعودة النازية من جديد بعد مرور 75 سنة على سقوطها.

هذا الوضع دفع بسلطات برلين إلى التحرك لمواجهة النازيين الجدد من خلال إجراءات أمنية وتشريعات يرى مهندسوها أنها كفيلة بإيقاف هذا المد اليميني الذي يهدد بضرب مؤسسات الاتحاد الأوروبي ويرفع شعارات مناهضة لقيم المجتمع الألماني ورافضة للاختلاف الديني والهجرة وغيرهما.

فمنذ سنوات لم يعد اليمين المتطرف مجرد شبح يهدد باختراق الحياة السياسية في ألمانيا، خاصة بعد أن حقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” اختراقا لا مثيل له في انتخابات 2017 وحقق نتائج مثلت مفاجأة للجميع وأهلته لأن يصبح أكبر أحزاب المعارضة في بلد لا زال يعمل على عدم إنتاج نازية جديدة.

لم يقف اليمين المتطرف عند المشاركة في الانتخابات في برلين ورفع شعارات معادية للسامية وللهجرة وللمسلمين فحسب، بل تعدى ذلك إلى تنفيذ اغتيالات طالت قيادات من الائتلاف الحاكم.

فكانت الصدمة كبيرة في يونيو الماضي باغتيال القيادي في الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، فالتر لوبكه في مدينة كاسل وهو المعروف بدعمه للمهاجرين واللاجئين. كما تعرض معبد يهودي في مدينة هاله إلى هجوم هذا العام أوقع قتيلين وتسبب في جرح آخرين، وتبين في ما بعد أن منفذه من أنصار اليمين المتطرف وأنه يحمل فكرا معاديا للسامية.

32200 شخص أصبحوا من اليمين المتطرف هذا العام بعدما كانوا في 2018 أكثر من 24 ألفا

وبالرغم من أن “النيونازيين” كما يحلو للبعض أن تسميتهم، لم يتمكنوا من الوصول إلى مواقع القرار ورسم سياسات ألمانيا المُسالمة منذ سقوط أدولف هتلر، إلا أن السلطات تعمل على تحجيم دور هؤلاء بقدر الإمكان وبما أتيحت من إمكانيات.

فبادر وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر بتدشين حملة الدفاع عن ألمانيا المتسامحة من خلال كشفه النقاب في نوفمبر الماضي عن خطة جديدة تهدف لإعادة تنظيم الهيئات الأمنية في البلاد في إطار مكافحة التطرف اليميني وردعه.

خطوة الوزير الألماني سبقها تمهيد من البرلمان ’’بوندستاغ” الذي صادق على توفير 600 وظيفة جديدة لدى أجهزة الأمن في نوفمبر.

ومن شأن هذه الوظائف أن تجعل الاستخبارات الداخلية وهيئة مكافحة الجريمة قادرتين على إيلاء المزيد من الاهتمام بالخطر الصادر عن التيار اليميني المتطرف.

لم تتوقف السلطات الألمانية عند تشديد الإجراءات الأمنية لمنع حدوث هجمات إرهابية يُتهم النيونازيون بالقيام بها فقط، بل تعول أيضا على التشريعات الجديدة التي تنظم عملية بيع الأسلحة التي يتم استخدامها عادة في هجمات إرهابية.

من جانبه وافق مجلس الولايات الألماني (بوندسرات) في العشرين من هذا الشهر على تشديد قانون حيازة السلاح، وذلك عقب أسبوع على موافقة البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) عليه.

تشديد الإجراءات الأمنية لمنع حدوث هجمات إرهابية 

ومن المنتظر أن يدخل الجزء الأكبر من التعديلات على القانون حيز التنفيذ بحلول منتصف عام 2020، وينص القانون المعدل على توسيع السجل الوطني للسلاح، لتسهيل تتبع كافة الأسلحة النارية.

كما يحد القانون المعدل، الذي أثار احتجاجات نفذتها اتحادات القناصة والصيادين، من مساحة خزينة السلاح في أنواع معينة من الأسلحة النارية، لكي يجعل من الصعب استخدامها في هجمات إرهابية.

ولا تعد هذه الإجراءات الجديدة، التي دفعت بها السلطات الألمانية في العام 2019 الذي يحزم أمتعته لمغادرتنا، بمعزل عن قرارات “جريئة” أخرى على غرار استحداث خط ساخن لتمكين المواطنين من الإبلاغ عن أية تهديدات أو إشارات عنف من قبل النازيين الجدد لتحليل مضمونها وتتبع مسارات مطلقيها ومساعدة الأفراد الذين يتم تهديدهم.

من الصائب القول إن هذه الإجراءات تعد خطوات متقدمة لتقليم أظافر اليمين المتطرف في ألمانيا غير أن قطار الأخير لم يتوقف عند هذه الإشارات حيث تشير الأرقام إلى تزايد كبير في أعداد اليمينيين.

فمن جهتها أكدت الهيئة الاتحادية لحماية الدستور وهي تمثل الاستخبارات الداخلية في ألمانيا أن أعداد المتطرفين اليمينيين ارتفع في 2019 إلى ما يقارب 32200 شخص بعدما كانوا في 2018 أكثر من 24 ألف شخص أي بزيادة قدرها الثلث.

استحداث خط ساخن للإبلاغ عن أية تهديدات أو إشارات عنف من قبل النازيين الجدد 

تزايد أعداد أنصار اليمين المتطرف والمتأثرين بشعاراته ترجم في محطات سياسية هامة في ألمانيا في العام 2019 حيث حققت الأحزاب اليمينية قفزة نوعية وبات ظهورها لافتا للانتباه.

فقبل 2017 لم يكن هناك حضور للنازيين الجدد على الساحة السياسية الألمانية، غير أن حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي تم تأسيسه سنة 2013 وفتح الباب بمصراعيه لولادة أحزاب جديدة تحمل أفكارا مشابهة، تمكن من حصد 12.6 بالمئة من الأصوات لتجعله هذه النسبة يتبوأ مرتبة ثالث أكبر كتلة برلمانية.

وعاد الحزب اليميني ليحصد في سبتمبر الماضي 27.5 بالمئة من الأصوات في انتخابات محلية في ولايتي ساكسونيا وبراندنبورغ، شرقي ألمانيا، ليحتل بذلك المرتبة الثانية خلف الحزب الديمقراطي المسيحي.

بالرغم من جهود الألمان الحثيثة لوضع حد للخطر اليميني المتطرف الذي يتربص ببلادهم، فإن هذا المد الأيديولوجي لن يتوقف إلا بتوفر أسباب خارجية كذلك حيث تزدهر في كافة أنحاء أوروبا الحركات الشعبوية على غرار حزب الحرية النمساوي وحركة النجوم الخمس في إيطاليا وغيرهما وهو ما يزيد من حظوظ اليمينيين المتطرفين الألمان في البقاء وتحصيل مكاسب سياسية أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: