حياد البعثة الأممية في نزاع الصحراء المغربية على المحك

أربكت الوفاة المفاجئة لقائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، قيادة جبهة بوليساريو الانفصالية حيث قامت بتمديد أشغال مؤتمرها الخامس عشر ليومين إضافيين، للتنسيق مع القيادة الجديدة بعد تعيين سعيد شنقريحة رئيسا للأركان بالنيابة خلفا للجنرال قايد صالح.

وأسفرت نتائج المؤتمر الذي اختتم الأربعاء عن تجديد انتخاب إبراهيم غالي أمينا عاما للجبهة بأغلبية مطلقة بعدما ترشح وحيدا لهذا المنصب بـ1808 أصوات من أصل 2101 مؤتمر.

ويعتقد مراقبون أن شنقريحة بارك تنصيب غالي، ما يؤكد تبعية الجبهة الكاملة للعسكر الجزائري وعدم قدرة البوليساريو على المضي ولو نصف خطوة دون إذن الجنرالات المالكين الحقيقيين للجبهة.

ويلاحظ المحلل السياسي نوفل بوعمري أن “التمديد لإبراهيم غالي ليبقى في منصبه مدى الحياة، بعيد عن أي شكل ديمقراطي ومشابه لما يحدث في مختلف التنظيمات الشمولية”.

وتابع بوعمري لـ”أخبارنا الجالية ”، “البوليساريو انتهت كتنظيم، وبات اليوم واضحا أننا كنا وسنظل في صراع مع العسكر الجزائري”.

نوفل بوعمري: البوليساريو انتهت كتنظيم، وبات اليوم واضحا أننا كنا وسنظل في صراع مع العسكر الجزائري

وتعليقا على نتائج المؤتمر الأخير للجبهة الانفصالية، وصف منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي في مخيمات تندوف، المعروف بـ”فورساتين”، إجماع المؤتمرين على تجديد العهدة لإبراهيم غالي أمينا عاما للبوليساريو بـ”الفضيحة التي يتخبط فيها المؤتمرون، الذين اختيروا بعناية فائقة”.

وأشار المنتدى إلى أنه “عاين حالة من الحصار العسكري على محيط المؤتمر، وعسكرة كل الطرق المؤدية إليه، ووقف على منع الزيارات، والتحجج بعدم وجود أسماء الزوار على لوائح معدة مسبقا ممن يسمح لهم بالاقتراب من مكان انعقاد المؤتمر”.

واعتبر المنتدى أن “ما نتج عن المؤتمر أزال القناع عن نفاق المؤتمرين وتملقهم لزعيم البوليساريو، فيما اعتبره سكان المخيمات اتفاقا معلنا بين رموز الفساد وزعيم البوليساريو ينبني على اختياره مقابل حمايتهم وعدم محاربة المفسدين منهم”.

وتقدم إبراهيم غالي بمقترح نقل ما سماه بـ”مقرات السيادة” إلى المناطق العازلة من الصحراء المغربية، مما يعكس رغبة القيادة في خرق اتفاق وقف إطلاق النار، والسعي إلى إعمار مناطق التماس الممنوعة دوليا. وعلى الرغم من خطورة الخطوة التي أقدم عليها غالي، إلا أنها باتت محل انتقاد داخل الجبهة، بعدما رأى فيها الكثيرون مجرد محاولة لامتصاص الغضب بغاية كسب تعاطف انتخابي.

وكان المغرب قد قدم احتجاجا رسميا لدى الأمم المتحدة قبل أيام، ضد مؤتمر البوليساريو الذي نظمته في منطقة تيفاريتي، التي تنتمي إلى المنطقة العازلة من الصحراء المغربية، والتي يشملها اتفاق وقف إطلاق النار.

وأكد المتخصص في شؤون الأمم المتحدة، سمير بنيس، أن صمت الأمم المتحدة وعدم إدانتها لهذه الخطوة الاستفزازية الصادرة عن البوليساريو المتمثلة في عقد مؤتمر في المنطقة العازلة، بل حضور ممثلين عن المينورسو (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في إقليم الصحراء) في هذا المؤتمر، ينم عن تواطؤ المنظمة الأممية مع البوليساريو وعن خروجها عن الحياد الذي ينبغي أن تتقيد به بموجب ميثاقها وبموجب المقتضيات المنظمة لعمل بعثات حفظ السلام الأممية.

ستيفان دوجاريك: الأمم المتحدة لا تزال محايدة تماما في الوفاء بولايتها

وفي سياق متصل، كشفت الأمم المتحدة عن موقفها من حضور المينورسو لمؤتمر جبهة البوليساريو الانفصالية الأخير.

وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن”حضور اثنين من المراقبين الدوليين للمؤتمر لا يعكس موقفا سياسيا من جانب بعثة المينورسو”.

ولفت دوجاريك، في رد رسمي وزعه على الصحافيين، إلى أن “مراقبين عسكريين اثنين قررا في الـ19 من الشهر الجاري، وكجزء من المراقبة الروتينية للتطورات في الإقليم، زيارة موقع المؤتمر في منطقة تيفاريتي”.

ولنفي أي نوع من عدم الحياد أوضح دوجاريك أن “وجودهما لفترة وجيزة في هذا الحدث لا يعني أي موقف سياسي من جانبهما أو من جانب بعثة الأمم المتحدة التي لا تزال محايدة تماما في الوفاء بولايتها”.

وفي استفزاز آخر للمغرب، اقترح زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، خلال مؤتمر الجبهة الانفصالية، نقل مقرات الأخيرة للمناطق العازلة، وهو ما يعكس رغبة في خرق اتفاق وقف إطلاق النار.

ويبيّن مراقبون أن قرار المغرب إخلاء المنطقة العازلة في العام 1991، كان بمثابة مرونة سياسية وإعلان حسن النوايا ولعزمه عدم عرقلة الطريق أمام الأمم المتحدة للبدء في عمليتها السياسية ولعب الدور المنوط بها من أجل مساعدة الأطراف على التوصل إلى حل نهائي للنزاع.

وسبق للبوليساريو أن خرقت مقتضيات القرارين 2414 و2440 وروح العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، في يناير 2019، عندما قامت ميليشيات البوليساريو بما أسمته مناورات عسكرية في منطقة المهيريز المتواجدة كذلك في المنطقة العازلة، اعتبرها مراقبون استفزازا حربيا من شأنه أن يؤدي إلى إدخال المنطقة في أتون حرب، ما يهدد استقرارها وأمنها.

ومن شأن استمرار صمت الأممي تجاه الاستفزازات للبوليساريو أن يدق آخر مسمار في نعش العملية السياسية التي تقودها الهيئة الأممية، كما يعتقد سمير بنيس، ذلك أن المغرب سيفقد الثقة في تقيّد هذه الأخيرة بمبدأ الحياد في العملية السياسية التي ترعاها منذ عام 2007.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: