ماذا عن الصمت الجزائري في التدخل التركي في ليبيا

على عكس مواقف الرفض المعلنة من قبل بعض القوى العظمى ومنها روسيا والولايات المتحدة، التزمت دول الجوار الليبي وأهمّها الجزائر وتونس الصمت إزاء الاتفاقية الموقعة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق. ولا يفهم هذا الصمت إن كان تزكية للخطوة التركية أم أنه ترقّب وحذر أملتهما قواعد السياسات الخارجية التقيلدية خاصة في الجزائر التي تشهد بدورها انتقالا سياسيا أفضى إلى انتخاب عبدالمجيد تبّون رئيسا للبلاد رغم وجود تسريبات تؤكد وجود انقسام داخل مربع السلطة الجزائرية حول هذه القضية.

فرض نجاح عبدالمجيد تبّون في الفوز بالرئاسة الجزائرية العديد من الاستفسارات عن مصير علاقات هذا البلد مع دول الجوار وخاصة في ما يتعلق بالملف الليبي الذي يشهد تطورات متسارعة، خاصة بعد توقيع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج اتفاقية مثيرة للجدل ومهددة لأمن المنطقة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويقر الرئيس الجديد بأنه سيُدخل تعديلات جذرية على شكل التعاطي الجزائري مع الملف الليبي بحيث يكون مواكبا للتطورات وقاطعا مع السياسات التقليدية. لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الخطاب الرسمي للدولة الجزائرية لم يحدّد موقفا واضحا من التدخل التركي في ليبيا.

وبينما يفهم البعض من المتابعين أن الصمت والوقوف عند المنتصف لا يعني الحياد، بل يشي بطريقة ضمنية بأن الجزائر ستواصل دعم حكومة السراج، يرى البعض الآخر أن تبّون اختار التعامل بحذر مع هذا الملف.

وتشير بعض التسريبات إلى أن الخطوة التركية الخطيرة أحدثت انقساما داخل الأجهزة الحاكمة بين رافض وبين متشبث بوجوب مواصلة المراهنة على السراج وداعميه من جماعة الإخوان المسلمين.

وألمح خطاب الرئيس الجزائري الجديد، خلال مراسيم حفل التنصيب، إلى أن الجزائر تسرع الخطى من أجل العودة إلى أداء دورها في الملف الليبي، خاصة بعد الجدل الذي أثارته الاتفاقية الموقعة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، وهو ما يثير التساؤل حول شكل وطبيعة العودة المنتظرة، إذا كانت ستبقى وفية لمبادئ الدبلوماسية التقليدية، أم تدخل أوراقا أخرى في العودة على الخط.

عبدالحق بن سعدي: لا جديد في سياسة الجزائر الخارجية مع تبّون

أفرد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، في الخطاب الرسمي الأول الذي ألقاه على هامش مراسيم أداء اليمين الدستورية واستلام المهام من رئيس الدولة المؤقت، حيزا معتبرا للملف الليبي، ولضرورة العودة السريعة لبلاده للمعادلة، في عتاب ضمني للدبلوماسية السابقة وتفريطها في دور الجزائر في أحد أخطر الملفات الشائكة في المنطقة.

ورغم حساسية العلاقات الجزائرية المغربية ودورها في بعث التكتل المغاربي، إلا أن الرجل أبدى اهتماما بتطورات الوضع في ليبيا، ولدور دول الجوار في بلورة حل سياسي للأطراف المتصارعة، ولم يفوت الفرصة ليحذر من الأخطار الأمنية والاستراتجية التي تهدد الجزائر في حدودها الشرقية، خاصة مع تضاريسها الجغرافية الوعرة وامتدادها على نحو ألف كلم.

وفي ظل اللبس الذي اعترى الدبلوماسية السابقة من طرف بعض الجهات في المنطقة وداخل ليبيا، حول ما تراه انحيازا جزائريا لصالح حكومة فايز السراج والفعاليات المحسوبة على التيار الإخواني، فإن الجزائر كانت تعتبر موقفها “محايدا وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف”، حسب تصريحات عديدة لوزير الخارجية السابق عبدالقادر مساهل.

وبقيت الحكومة الجزائرية السابقة، تخفي انزعاجها وتنظر بعين الريبة لدور قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر خاصة في المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية، وعبرت عن ذلك بما كانت تسميه بـ”ضرورة وضع حد لفوضى السلاح في ليبيا بالمقام الأول، ثم التوجه إلى حوار ليبي – ليبي يضم جميع أطراف الصراع “، لكنها لم تفصح عن طبيعة الأطراف المقصودة خاصة ما يتعلق بالميليشيات المسلحة الموالية للحكومة.

وشدّدت آنذاك على “ضرورة وقف تدخل القوى الإقليمية في الملف الليبي، والإحجام عن دعم الفصائل الموالية بالمال والسلاح، من أجل السماح لليبيين ببلورة مصالحة داخلية ترعاها وساطات دول الجوار أو هيئات إقليمية أو دولية “.

ورغم الانتقاد الصريح للدبلوماسية الجزائرية في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة حول دور الجزائر في ليبيا، والعتاب الضمني للرئيس الجديد، حول “تفريط” جزائري في الملف الليبي، فإن الترقب يتوجه إلى طبيعة العودة المنتظرة، إذا كانت ستتم بأوراق ومواقف جديدة، أم ستبقى وفية للمبادئ التقليدية المنتهجة في الدبلوماسية الجزائرية، على غرار عدم التدخل في الشأن الداخلي للآخرين، ودستورية عدم تجاوز الجيش الجزائري لحدوده الإقليمية.

وفي هذا الشأن صرح أستاذ العلوم السياسية عبدالحق بن سعدي، لـ”أخبارنا الجالية ”، بشكل عام “ليس هناك جديد في السياسة الخارجية للرئيس الجديد، لأنه يمثل نفس السلطة وهو امتداد لها، فلا يمكن ترقب تغيير في المبادئ أو المواقف إزاء القضايا الخارجية لنظام سياسي مستمر ولم يحدث بشأنه تغيير أو قطيعة”.

وأضاف “تبّون أكد على مبادئ السياسة الخارجية المعروفة، ولم يقدم جديدا في هذا الشأن، فقد تحدث عن القضية الفلسطينية باعتبارها ثابتا من ثوابت السياسة الخارجية للجزائر، وعن قضية الصحراء المتنازع عليها مع المغرب باعتبارها تتعلق بتصفية الاستعمار، والقضية الليبية التي سُجل فيها تراجع لدور الجزائر، وأعلن أنه سيكون لها دور أكبر، فضلا عن العلاقات الجزائرية المغربية التي يريدها أن تكون بعيدة عن ملف الصحراء”.

أما العقيد المتقاعد من الجيش عبدالحميد العربي شريف، فقد اتهم وزير الخارجية الأسبق عبدالقادر مساهل، بتغييب الجزائر عمّا يحصل في ليبيا، وأن عدم تقدير حقيقة الوضع الأمني في الجارة الشرقية أثناء توليه وزارة الخارجية، ساهم بشكل كبير في إخراج الجزائر عن معادلة حل الأزمة فيها.

التمدد التركي خطر يتهدد المنطقة وليس ليبيا فقط

وفي تلميح إلى تفعيل الدور الجزائري مستقبلا في الأزمة الليبية، ذكر العقيد المتقاعد في تصريح لموقع (سبق براس) المحلي، بأن “خطاب الرئيس المنتخب عبدالمجيد تبّون بشأن الأوضاع في ليبيا، والذي جاء فيه بأن الجزائر لن تقبل بإبعادها عن الحلول المقترحة فيها، بأنه استدراك للأخطاء التي وقع فيها النظام السابق”. وأضاف “الجزائر تم إبعادها بسبب غياب رئيس الجمهورية السابق عن الساحة السياسية وتسيير البلد من قبل شقيقه والخارجية بيد وزير غير كفء، واليوم تغيرت الأوضاع في وجود رئيس منتخب وحكومة من الكفاءات تنتظر التشكيل”.

وبشأن مخاطر دخول أطراف بعيدة جغرافيا عن المنطقة، على غرار تركيا، لفت إلى أن المعادلة الجديدة في الجارة الشرقية أضحت رقما صعبا في المشهد الداخلي، ولذلك يتوجب امتلاك دبلوماسية قوية ومديرية أمن خارجي قوية، لأن الجزائر لديها العديد من الأوراق التي نستطيع توظيفها لحل الأزمة الليبية. وشدد على أن “تحييد الجزائر من دائرة حلحلة الأوضاع في ليبيا، يعتبر شيئا خطيرا جدا على الأمن الوطني واستقرار البلاد”، وأن بلاده “لن تتدخل لتدعم طرف على حساب طرف آخر، لأن همّها جمع المتخاصمين على طاولة حوار لحل مشاكلهم دون تدخل خارجي”.

وهو ما يدعم فرضية عدم تفاعل الجزائر مع دعوة رئيس الحكومة فايز السراج، حكومات دول الجوار، لتفعيل الاتفاقيات الأمنية مع ليبيا، والبناء عليها لصد العمليات العسكرية التي يشنها الماريشال خليفة حفتر على طرابلس.

وخلص المتحدث إلى أن “الصراع الجاري في ليبيا، ودخول أطراف إقليمية عديدة على الخط، لن يحل الأزمة، ولا يوجد طرف بإمكانه حسم المعركة الحربية الميدانية لصالحه، الأمر الذي يحتم الذهاب إلى حوار سياسي دون تدخل خارجي، من أجل بلورة حل توافقي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: