صمت الرئيس الجزائري في أول نشاط رسمي له يعزز مخاوف المعارضة

قام الرئيس الجزائري الجديد عبدالمجيد تبون، الأحد، بافتتاح معرض للمنتجات المحلية في العاصمة، في أول نشاط رسمي له بعد تنصيبه الخميس الماضي، خلفا لعبدالعزيز بوتفليقة، الذي أطاحت به انتفاضة شعبية قبل أشهر.

وينتظر الفاعلون في القطاع الاقتصادي، الرسائل الأولى للرئيس المنتخب حديثا بعد قرابة عام من الركود، بسبب تأثير الاحتجاجات السياسية على الوتيرة الاقتصادية للبلاد.

ويأتي أول نشاط ميداني للرئيس الجديد، وسط لغط شعبي ومخاوف لدى الشارع، من تضارب الخطاب الرسمي مع الممارسات العملية، في ما يتعلق بالحريات وتقليص الهوة مع الحراك الشعبي، وذلك غداة استمرار نفس الممارسات القمعية ضد المتظاهرين والمحتجين على السلطة خلال الأسبوع الأخير.

وفيما أطلق تبون رسائل طمأنة للرأي العام الداخلي وكشف عن تعهدات سياسية، أثناء خطابه الرسمي الأول على هامش حفل التنصيب، استمرت الاعتقالات وأحكام السجن في حق الناشطين.

لا يستبعد أن تضم الحكومة الجديدة التي سيعلن عنها تبون قريبا، أسماء محسوبة على الحراك الشعبي بغية تفكيك موجة الاحتجاجات المستمرة

ورغم أن القضاء الجزائري أمر، الأحد، بالإفراج عن الممثل التلفزيوني عبدالقادر جريو، بعدما جرى اعتقاله الجمعة ببلدة تليلات في ولاية (محافظة) وهران غربي الجزائر، إلا أن توقيفه شكل  صدمة للشارع الجزائري، وزاد من حجم الشكوك حول توجهات السلطة الجديدة في التعاطي مع الوضع الداخلي.

ويأتي ذلك فيما صدر الحكم بعقوبة 18 شهرا سجنا نافذا في حق الناشط والشاعر الشعبي محمد تاجعديت بالعاصمة، وإحالة الطالبة نور الهدى قعايدي إلى السجن المؤقت بتلمسان.

ويتطلع المراقبون في الجزائر إلى بوادر تهدئة من طرف رئيس الجمهورية الجديد، استجابة لنداءات وردت من قطاع عريض من الطبقة الحزبية والمستقلة، تسمح بعودة الاستقرار للشارع الجزائري وتنهي اضطرابات سياسية تقف على عتبة العام من الزمن.

وكان الرئيس الجديد قد باشر عملية ترتيب البيت الداخلي في قصر المرادية، بتعيين اثنين من أعضاء حملته الانتخابية في مناصب هامة بالمؤسسة، ويتعلق الأمر بمدير حملته الانتخابية محمد الأمين مساعيد في منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، ونورالدين عيادي في منصب مدير الديوان.

لكن في المقابل يبدو أن الرجل يريد أخذ الوقت الكافي في مسألة الحكومة الجديدة، حيث عمد إلى قبول استقالتها وتكليفها بالبقاء في مهامها إلى غاية الإعلان عن طاقم جديد، ولو أنه ألمح -من خلال الاستغناء الفوري عن رئيس الوزراء السابق نورالدين بدوي، واستخلافه بوزير الخارجية صبري بوقادوم كوزير أول بالنيابة، والإعلان عن إنهاء مهام وزير الداخلية صلاح الدين دحمون- إلى توجيه رسائل قوية لتيار داخل السلطة كان يدعم المرشح عزالدين ميهوبي، أثناء الحملة الانتخابية.

ومع ذلك تبقى قضية وزير الداخلية تمثل قربانا لتهدئة خواطر الشارع الغاضب، من تصريحات أدلى بها سابقا، ذكر فيها أن “المعارضين للانتخابات الرئاسية هم مثليون وشواذ، عملاء وخونة”، وهو ما ألهب غضب المحتجين وزاد في حجم الاحتجاجات التي تزامنت مع الاستحقاق الرئاسي.

لغط شعبي ومخاوف لدى الشارع من تضارب الخطاب الرسمي مع الممارسات العملية

وكان الرئيس الجزائري الجديد قد تعهد في عدة تصريحات خلال حملته الانتخابية، بأنه “سيعكف على منح المشعل للشباب، وأن حكومته ستكون مطعمة بوزراء شباب في سن قد يقل حتى عن الـ30 عاما “، وهو ما قد يفسر تأخر الرجل في الإعلان عن هوية الحكومة الجديدة، التي لا يستبعد أن تضم أسماء محسوبة على الحراك الشعبي، بغية تفكيك موجة الاحتجاجات المستمرة.

ولم تصدر عن تبون خلال تدشينه وتفقده لمعرض الإنتاج الوطني أية رسالة استثنائية أو سياسية، وكل ما صدر عنه تلميحات مقتضبة عن الشأن الاقتصادي للبلاد، حيث شدد على إيلاء الحكومة الجديدة أهمية كبيرة للاقتصاد الرقمي، ودعا إلى فتح جميع المطارات الداخلية وتنظيم رحلتين على الأقل في الأسبوع من أجل تسهيل عملية التنقل وإعطائها المرونة اللازمة، باعتبارها جزءا أساسيا من اقتصاد البلاد.

ولم تتوقف الانتقادات السياسية للسلطة الجديدة على خلفية عدم تفاعلها السريع مع مطالب التهدئة، خاصة مع استمرار نفس الممارسات منذ تنصيب الرئيس الخميس الماضي، حيث شدد رئيس حزب العدالة والحرية محمد سعيد على ضرورة إطلاق خطوات عملية لتهدئة الأجواء، من أجل إقناع المعارضين بالانخراط في الدعوة إلى الحوار السياسي.

وما زالت قضية سجناء الرأي تتصدر لائحة المطالب المرفوعة من طرف الشارع المعارض، وتعتبر مؤشرا رئيسيا على أي بوادر لحلحلة الأزمة السياسية، حيث ينتظر أن يمثل الأربعاء القادم الناشط السياسي المعارض ورئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي (غير معتمد) كريم طابو، أمام القضاء للنظر في لائحة التهم الموجهة إليه.

كما مثل، الأحد، الناشط والمعارض فوضيل بومالة أمام قضاء العاصمة، في أجواء من التوتر والترقب، لمعرفة توجهات السلطة الجديدة تجاه الفئة المذكورة، ومدى دخول تعهدات الرئيس عبدالمجيد تبون، حول الحريات السياسية والإعلامية، قيد التنفيذ، أو اعتبارها جزءا من خطاب الاستهلاك الإعلامي، الذي يلمح إلى استمرار نفس النظام ونفس السياسات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: