غير المعلن في زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمغرب

قام وزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيو يوم الخميس الماضي بزيارة إلى المغرب، واصفا المغرب بأحد أقوى شركاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ومذكرا بأهمية الشراكة الاقتصادية والأمنية القوية بين البلدين، وبالأدوار الاستراتيجية للمغرب إقليميا ودوليا.
هذه الزيارة تعتبر الأولى من نوعها، يقوم بها مسؤول أمريكي رفيع المستوى للمغرب منذ انتخاب دونالد ترامب سنة 2016. ومنذ منح المغرب صفة الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية خارج حلف «الناتو» سنة 2004 خلال عهدة جورج بوش الابن، لم تراوح العلاقات المغربية الأمريكية مكانها، واقتصرت في الآونة الأخيرة على البعد العسكري/التجاري، من خلال إبرام صفقات سلاح بمبالغ مالية مهمة، وحتى منصب السفير الأمريكي في المغرب، لا يزال شاغرا منذ 2017، ويقتصر التمثيل الأمريكي على قائم بأعمال السفارة.
غير أن مصادر إخبارية متعددة، وعلى رأسها الصحافة الإسرائيلية، ذكرت أن الهدف الرئيسي للزيارة، هو محاولة إقناع المغرب بضرورة تقوية الروابط بين المغرب و»إسرائيل»، وإعادة تطبيع العلاقات بينهما، بعد ما يناهز عقدين من قرار المغرب إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي، عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر/أيلول 2000، وهناك ثلاثة أسباب رئيسية تعزز من صحة هذه الأخبار:
*أولها: إن الدبلوماسية الإسرائيلية حققت خلال الخمس سنوات المنصرمة «اختراقات» تكاد تكون غير مسبوقة على مستوى تطبيع علاقتها بالعالم العربي والإسلامي، خاصة في منطقة الخليج العربي، مستفيدة من الدعم الأمريكي اللامشروط، ومن هشاشة الوضع الجيوسياسي والجيواستراتيجي في المنطقة (التحالف التركي القطري، فشل التحالف السعودي/الإماراتي في اليمن، التهديد الإيراني)، ومن ثم برزت اتصالات سعودية/إسرائيلية لمواجهة إيران وتنسيق إماراتي/إسرائيلي لتأمين الرحلات البحرية الأمريكية في الخليج، ناهيك من العلاقات العلنية الإسرائيلية/العمانية. بهذا تكون «إسرائيل» قد أمنت – إلى حد ما- علاقاتها ضمن المجال الحيوي الخليجي، كما أمنته سابقا في المجال الحيوي الشرق أوسطي عبر مصر والأردن، وتبقى في حاجة إلى إيجاد موطئ قدم لها في المغرب العربي (المجال الحيوي الثالث)، وتعي الولايات المتحدة الأمريكية أن المغرب يبقى الأقرب للاضطلاع بهذه المهمة، لصعوبتها بالنسبة لأقطاب المغرب العربي الأخرى خاصة تونس والجزائر ضمن السياقات والظروف الحالية للبلدين.

يبدو الرهان الأمريكي حول جعل المغرب بوابة للتطبيع العلني والمباشر مع «إسرائيل» في منطقة المغرب العربي خاسرا

*ثاني الأسباب: إنه على الرغم من أن المغرب قطع اتصالاته مع «إسرائيل» منذ عقدين من الزمن، إلا أن بعضا من صور التطبيع «الهادئ» استمرت وتصاعدت خلال الآونة الأخيرة، ضمن مجالات متعددة، اقتصادية وثقافية وفلاحية وسياحية وغيرها، وهو أمر لطالما نبه إليه وكشفه المرصد المغربي لمناهضة التطبيع. وهذا المستوى من التطبيع يشكل أرضية مثالية لمحاولة الدفع بعلاقات مغربية إسرائيلية متقدمة.
*السبب الثالث يتمثل في كون الإدارة الأمريكية مستوعبة جيدا لرمزية المملكة المغربية في الصراع الإسرائيلي بشكل عام، من منطلق ثلاثة محددات أساسية: *الأول هو أن المغرب يجعل من الهوية العبرية أحد مكونات الدولة بالنظر إلى وجود عدد مهم من اليهود المغاربة، سواء كمواطنين في «إسرائيل» أو في مراكز القرار هناك، أو أولئك الذين لا يزالون في المغرب.
*الثاني هو الدور التاريخي للمغرب في الصراع العربي الإسرائيلي.
*الثالث، هو استمرار المغرب في ترؤس لجنة القدس، لذلك فإن موقع المغرب ضمن أجندة الترويج الأمريكي لـ»إسرائيل» يعتبر مهما بالنسبة لكليهما، تحقيقا لهدفين رئيسيين: محاولة هدم رمزية التضامن مع الشعب الفلسطيني، عبر بوابة التطبيع، وانسجاما مع تقاليد السياسة الخارجية الأمريكية، الرامية إلى شرح المواقف والخطوات التي تتخذها الإدارة الأمريكية، ارتباطا بالقرارات الأمريكية الأخيرة حول شرعنة الاستيطان، والاعتراف بالقدس عاصمة لـ»إسرائيل» وصفقة القرن وغيرها.
يبدو الرهان الأمريكي حول جعل المغرب بوابة للتطبيع العلني والمباشر مع «إسرائيل» في منطقة المغرب العربي خاسرا، على الأقل ضمن السياقات الإقليمية الحالية، التي تعرف فيها المنطقة بعد انتخاب رئيس تونسي جديد، وكذا استمرار الحراك الجزائري، فالسياسة الخارجية المغربية باتت أكثر استيعابا وتفاعلا مع التحولات الدولية والإقليمية، كما أن المغرب غير مستعد للتخلي عن أدواره التضامنية مع الشعب الفلسطيني، لأنها أضحت جزءا من التعريف السياسي والأيديولوجي للنظام المغربي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: