من يحمي الصحافيين ومؤسساتهم؟

الصحافة يمكن أن تُضطهد ويمكن الاعتداء عليها، والصحافيون يمكن أن يُلاحقوا ويُسجنوا ولن تنفع معهم كلمة PRESS التي يرفعونها ولن تشفع لهم.

بل بالعكس، فالزائر لأغلب البلاد العربية إذا ما سأله ضابط الجوازات عن مهنته وأخبره أنه صحافي يكون قد ارتكب خطأ في حق نفسه. قد يتعرض للتحقيق وقد يدور جواز سفره على الأجهزة الأمنية بكل صنوفها حتى يؤذن له بالدخول.

بالأمس حدثني صديق عن واقعة تتعلق بصحافية أجنبية دخلت بلدا عربيا لقضاء إجازة لكنها قالت إنها صحافية عندما سألها ضابط الجوازات عن مهنتها ليتم نقلها مباشرة إلى قسم أمني لسؤالها العديد من الأسئلة عن مكان عملها وتقاريرها وما إلى ذلك.

وفوق ذلك، لم يسلم الصحافيون من الاعتقال في أغلب البلدان العربية.

لا يكاد سجن عربي لم يمر به صحافي في الأقل.

في تركيا لا فرق بين صحافي تركي أو أجنبي عندما يتعلق الأمر بانتقاد سياسات الحزب الحاكم وزعيمه أو يتعلق بالتعاطف مع فئة في ذلك البلد تتعرض للاضطهاد.

قصة الصحافي الألماني دينيز يوجيل معلومة إذ قبع في السجون التركية لأكثر من عام بتهمة التعامل مع تنظيمات إرهابية والحقيقة أن السبب هو كتابته تقارير عن منطقة ديار بكر ذات الغالبية الكردية وهجمات السلطات عليها.

يوجيل وقفت كل ألمانيا إلى جانبه وصولا إلى الرئيس الألماني ورئيسة الحكومة والبرلمان والرأي العام وتم رفع اسمه في لوحة ضوئية ضخمة اعتلت صحيفة دي فيلت الألمانية التي يعمل فيها يراها القاصي والداني حتى تم الإفراج عنه في مطلع العام الماضي، لكن هنالك العشرات من الصحافيين غيره مازالوا يقبعون في سجون الحكومة التركية.

القصة مختلفة عندما لا يكون هنالك من يقف إلى جانب الصحافي وإلى جانب مؤسسته الإعلامية عندما تتعرض لها أجهزة الحكم من قوات أمنية واستخباراتية.

في العراق مثلا وعشية ما عرف بانتفاضة الأول من أكتوبر تم تسجيل العشرات من الانتهاكات بحق الصحافيين ووسائل الإعلام.

دينيز يوجيل: إردوغان عقبة في طريق الصحافيين 

النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين قالت في بيان لها إنها وثقت أكثر من 40 انتهاكا بحق الصحافيين ووسائل الإعلام التي غطت التظاهرات إعلاميا، لافتة إلى أن النقابة تحتفظ بنسخ تم رصدها لحالات اعتداء واعتقال واقتحام مقار المؤسسات الإعلامية ومصادرة أجهزة البث.

وأضافت النقابة أن الكثير من الصحافيين تركوا العاصمة بغداد وباقي المدن اضطرارا وتوجهوا صوب إقليم كردستان ودول مجاورة خوفا من الملاحقة والاعتقال.

وأوضحت النقابة أن الحال وصل بالصحافي أن يمتنع عن نقل الأحداث الدائرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ساحات التظاهر خوفا من الملاحقة والاعتقال.

أما على صعيد المؤسسات الصحافية والإعلامية فقد تم التعرض للعديد منها وطالها التخريب والحرق وإطلاق الرصاص من أطراف لا تزال مجهولة، لكنها على الغالب جهات ميليشياوية تخشى على مكاسبها وتخشى من اتساع نطاق التظاهرات ومحاسبة الفاسدين ولجم الميليشيات والجماعات المسلحة المنفلتة.

قلنا في البداية أنه بموجب هذا المشهد المأساوي أن الصحافة يمكن أن تُضطهد والصحافيون يمكن أن يُهانوا ويُضربوا بهدف الترهيب ومنعهم من أداء واجبهم المهني.

نقل الحقائق بالصوت والصورة والكلمة وتوثيق الشهادات الحية من أشد ما يوجع الكثير من السلطات ولهذا تجد نفسها في مأزق لا تحسد عليه.

سرعة انتشار الصور والأخبار وتداولها وخاصة تلك التي تفضح أشكالا من القمع وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية ليس في صالح الأنظمة القمعية في أي مكان فكيف وقد صارت كل تلك الأدوات في متناول الجميع وصار توثيق الانتهاكات من أسهل ما يكون؟

لا شك أنه زمن مختلف لم تصمم كثير من الأنظمة نفسها على مقاساته واعتباراته.

لهذا ليس متوقعا أن تتعاطى حكومات بعينها، مع جيل لا يعرف غير لغة منصات التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع فيديو وإشعارات سريعة ونقل حي ومباشر لأبسط ما يشاهده وحيث يغيب الرقيب ويموت هاجس الخوف وهيبة الزعيم السياسي في حضرة جيل يصنع لنفسه عالما خاصا تماما لا تفهمه تلك الأنظمة البالية بمفاهيمها واعتباراتها التي أكل الدهر عليها وشرب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: