ينشرون غسيلهم على حبال الإنترنت

بات مدهشا اليوم ما وصل إليه التعامل والتفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي، فكثيرون ينشرون غسيلهم على حبال الإنترنت دون خجل. فضائح وأسرار عائلية وزوجية يفترض أن تظل في مربع غرفة النوم وتحل في البيوت. ما معنى أن يقرر اثنان من المشاهير الطلاق وتصبح المسألة محل نقاش وجدل واصطفاف لهذا الجانب أو ذاك على شبكات التواصل الاجتماعي ومنها في وسائل الإعلام؟

الطلاق كما الزواج قرار شخصي وثنائي ينتقل لمرحلة أن يصبح عائليا بعد الاتفاق بين شخصين، كيف يتحول النقاش فيه إلى صفحات التواصل الاجتماعي وبلاتوهات التلفزيون والإذاعة؟

ماذا يهمني أنا كمشاهد ومتابع للشأن العام إن تزوجا أو انفصلا؟ ما هي الإضافة التي يراها صحافي ليطرح هذا الشأن الخاص بل الخاص جدا كمادة إعلامية؟ ماذا سيضيف لي وللمئات من المشاهدين أو المستمعين حديثه مع أحد الطرفين عن علاقته بالآخر؟

التلفزيون وكل من يتصدر شاشاته يدخل بيوتنا دون دعوة منا، وإن غيرت القناة فستجد ما يبث عليها على صفحات التواصل. السؤال عن الهدف من هذه المادة الإعلامية يوجه لوسائل الإعلام والصحافيين ومعدي البرامج. والسؤال عن الاستفادة من ذلك موجه لهم وللجماهير أيضا.

ومن الجماهير التي تجتذبها الفضائح بأنواعها إلى الجماهير الواعية التي تمتعض من هكذا مادة إعلامية تطرح العديد من الأسئلة على أبطال القصة ذاتها؛ ماذا بعد نشر غسيلكم بالنظيف والعفن منه على الملأ؟ هل تنتظرون التفاعل والآراء والتعليقات؟ هل تبحثون عن التأييد أم عن الشفقة؟ وإن حددتم ما تبحثون عنه ولقيتموه، سواء كان تفاعلا أو دعما أو غيره، كيف ستصرفون ذلك في حياتكم اليومية، كيف ستديرون من خلاله دفة أحداث حياتكم؟ وماذا جنيتم بعد أن أدلى كل بدلوه في مشكلاتكم وأموركم الشخصية؟

تقول حكم أجدادنا إن البيوت أسرار، وأن لكل بيت حرمته وقداسته، لكن يبدو أن ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام قطع مع هذه الحكم، واليوم يهتم الكثير من الخبراء والباحثين بدرس سبل الفصل بين الخصوصية ووسائل التواصل والإعلام، وتحاول العديد من الدراسات التحذير من نشر المعطيات الشخصية لكن لا مجال لذلك مع المشاهير العرب وكذلك مع عامة الناس.

ليس الأمر مقتصرا على المشاهير والشخصيات العامة التي تنشر غسيلها وخصوصياتها في الفضاء العام، بل يفعل ذلك المهووسون بمواقع التواصل الاجتماعي، فتجد بعضهم وبعضهن يصور كل خطوة في يومه، داخل البيت، في الفراش، في الصالة، قبل النوم، في الحديقة وخارج البيت في كل مكان بلا دواع ولا أسباب لذلك. تطل عليك منشورات من قبيل أطبخ اليوم سمكا، ذهبت للعطار، في مطعم كذا، مع فلان.. إلى غير ذلك، ألم يتساءل هؤلاء لماذا يفعلون ذلك وما أهميته؟

المشكلة أن الهوس بهذه السلوكيات يمتد وتتسع رقعته ليس فقط بين الشخصيات العامة والمشاهير بل إنه يشمل عامة الناس ومن مختلف الفئات والأعمار، وما يجعل الأمر مشكلة أن يقتدي الأطفال والمراهقون بالكبار فيه، فيعرضون أنفسهم للعديد من المخاطر من دون وعي أو قدرة على حماية أنفسهم.

وفي الكثير من الحالات لا تعي الأسر والمربون حدود المخاطر التي يتعرض إليها طفل يتعامل بهذا الأسلوب مع خصوصياته ومع مواقع التواصل الاجتماعي ولا يتم تعريفه على وضع حد لكل شيء والفصل بين الخاص والعام، وهنا تتضاعف المخاطر في حين أنهم لو عادوا إلى البعض من حكم الأجداد ولحرمات الخلق والبيوت لسهلت عليهم هذه المهمة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: