تطبيقات المواعدة غيرت نظرة الشباب للعلاقات العاطفية

اكتسحت برامج المواعدة والتعارف عبر الهواتف الذكية عالم الشباب المغربي اليوم مثل نظرائه في جل دول العالم. وانتشرت تطبيقات المواعدة بشكل أكبر في السنوات الأخيرة بهدف تسهيل التواصل بين الفتيات والشبان ومن ثمّ إلى غرض ربط علاقة عاطفية، لكن الخروج بالعلاقة الثنائية بين الشاب والفتاة من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي ما زال موضع جدل مستفيض إذ يخضع للعديد من الحيثيات والتفاصيل.

يرى عدد من أطباء علم النفس بالمغرب، أن تطبيقات التعارف ساهمت في تقليص الهوة بين الجنسين وأنها طوّرت عمليات التعارف بين الأشخاص إلى الحدّ الذي محت فيه تلك الحواجز الاجتماعية خصوصا عند تحول الانجذاب العاطفي إلى قرار بالزواج، ويؤكد هؤلاء أن غالبية الشباب الذين يقصدون عياداتهم هم ضحايا الهويات المزيفة والشخصيات السيكوباتية التي تظهر بعد تعميق العلاقة الثنائية.

وسهلت وسائط وتطبيقات التواصل الرقمي على الشباب بناء العلاقات الاجتماعية، من وجهة نظر محمد حيتومي، أستاذ علم الاجتماع، فتطورت بعض العلاقات العاطفية إلى بناء روابط زوجية متينة تحولت من مجرد علاقات رقمية وتواصلية إلى علاقات واقعية، لهذا يمكننا القول إنها لعبت دورا إيجابيا.

وأضاف حيتومي في تصريحه لـ”أخبارنا الجالية ” أن الوسائط الرقمية مكنت من بناء علاقات جلها افتراضي قد يتحول في ما بعد إلى واقعي مباشر، وقد تنجح تلك العلاقات لكن أحيانا يكون مصيرها الفشل لأن الحالة والصورة التي تم البناء على أساسهما غير مطابقتين للواقع.

أما الفئة الثالثة من العلاقات فينتجها العالم الافتراضي ولا تتحول إلى الواقع، وأحيانا لا تستمر بل تنتهي في ذلك العالم الافتراضي ولا يتم اللقاء المباشر، في حين هناك ما يبقى مستمرا رقميا بشكل متقطع ونتحدث عن بعض الممارسات مثل الجنس الرقمي بالوسائط الرقمية.

وبالرغم من الانتقادات الموجهة إليها بسبب تسريب البيانات الشخصية إلى طرف ثالث، فقد تمكنت برامج المواعدة الرقمية من أخذ موقعها داخل برمجة العلاقات الثنائية والجماعية وانتشرت بشكل كبير بين الشباب المغاربة، وعليه فقد تجعل السرعة ومجال الاختيار الواسع بين آلاف المستخدمين الشباب إلى جانب الصورة من بعض تطبيقات التعارف مجالا لربط علاقات ثنائية أو أكثر، كما أن العلاقات العابرة تزيد من جذب الكثيرين، من الجنسين على حد السواء.

ولفت حيتومي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عبدالمالك السعدي، إلى أنه لا يمكن تأكيد أن وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة عن عدم ميل الشباب إلى الزواج، ولهذا فالنموذج الذي تم بناؤه وفق شروط اجتماعية وثقافية وجغرافية ودينية ونفسية وغيرها، أصبح غير قادر على تلبية الحاجات وتطلعات الشاب المعاصر، والتجأ البعض إلى الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق هدف العيش المشترك بين الجنسين.

تطبيقات التعارف ساهمت في تقليص الهوة بين الجنسين وطورت عملية التواصل

وأكد ناثان شارب، المدير المسؤول عن الخدمة المجانية الجديدة التي أطلقها فيسبوك والتي تدعى “مواعدة فيسبوك”، أن “العثور على شريك الحياة أمر شخصي للغاية. لهذا السبب تأكدنا من أن التواصل بين الطرفين يتمّ بشكل سري، مشددا على أن الأمن والخصوصية هما من أهم الأشياء في المنتج الجديد”.

وانسجاما مع الحسم في انتقال المواعدة بين الشباب من الرقمي الافتراضي إلى الواقعي وبناء الأسر، أكدت دراسات أوروبية أن نسبة الزواج في بلدان العالم عبر المواعدة الإلكترونية، ومن بينها المغرب، بلغت في العام 2000 حوالي 15 بالمئة من المستخدمين للإنترنت، قبل أن تقفز إلى 17 في المئة في 2015، وهذه الزيادة تزامنت مع ظهور تطبيقات المواعدة الإلكترونية مثل تطبيق “تيندر”.

ويملك الشباب المغربي أحدث أنواع الهواتف الذكية ما يؤهله للانفتاح على عوالم تواصل متطورة عبر شبكات التواصل الاجتماعي فتصبح معها المواعدة داخل الشبكة أكثر يسرا، وأشار تقرير الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات للعام 2019، إلى أن 8 بالمئة من الأفارقة المتواجدين بمنصات التواصل الاجتماعي هم مغاربة، حيث يبلغ عددهم 17 مليونا يترددون على هذه المواقع، وبالأخص فيسبوك وإنستغرام، بنسبة تغلغل تقدّر بـ47 بالمئة مقارنة مع 17 بالمئة كمتوسط في القارة الأفريقية.

ومن بين 17 مليون مستخدم مغربي، يتصل 15 مليونا بالفيسبوك عبر الهاتف المحمول، وحوالي الثلثين من الذكور أعمار 64 في المئة منهم تتراوح بين 18 و34 سنة.

ويعمل بعض الشباب المغربي على تحويل المواعدة الرقمية عبر التواصل الشبكي إلى الواقع، حسبما أكد محمد حيتومي، لـ”العرب”، لكنه يطرح إشكالات على اعتبار أنه على المستوى الشبكي يمكن أن تفتح عدة علاقات رقمية في ذات الوقت، في حين لا يمكن تحويلها كلها إلى الواقع، وفي ذات الوقت فإن الإمكانات التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي لا يتيحها الواقع.

السرعة ومجال الاختيار الواسع بين آلاف المستخدمين الشباب إلى جانب الصورة، تجعل تطبيقات التعارف تجذب الكثيرين، من الجنسين على حد السواء

وفي دردشة مع “اخبارنا الجالية ”، أكد حميد وهو شاب في الواحد والعشرين من عمره طالب في كلية العلوم القانونية بالرباط، أنه يملك حسابا في تطبيق “تيندر”، منذ سنة وقد تعرف إلى عدد كبير من الفتيات ودخل في علاقة رقمية معهن لم تثمر أيّ لقاء خارج شاشة هاتفه.

فيما أشار سفيان زميله في الكلية نفسها إلى أنه لم ينفتح على هذا التطبيق إلا قبل شهر واحد وبواسطته استطاع مواعدة 4 فتيات لا يبعدن عن مكان إقامته سوى بضعة كيلومترات، وأكد أنه كان في الأول يبحث عن علاقة جدية تفضي إلى الزواج، لكنه دخل في علاقات حميمية مع بعض الفتيات.

وتقول سكينة التي تعمل في أحد المحلات التجارية وتتابع دراستها في ذات الكلية، “أنشط كثيرا في فيسبوك ولي علاقات رقمية كثيرة توجت بصداقات وألتقي حاليا بشاب تعرفت عليه عبر فيسبوك لكن ليس كل العلاقات الافتراضية تتطور لتصبح واقعية”.

ويؤكد الأستاذ محمد حيتومي، أنه بإمكان الشباب المغربي بناء علاقات رقمية بسهولة لكن في الحياة العملية يصبحون مطالبين بالزواج، وهذا ما يشكل الصعوبة ففي العالم الرقمي تكون العلاقات سهلة وغير مكلفة.

ونظرا للتحول الرقمي الذي يعرفه المغرب أسوة بعدد من المجتمعات شرقا وغربا، فقد أثر في تشكيل طريقة التفكير لدى فئة الشباب على مستوى طريقة التعرف على الآخر خصوصا، وفي طريقة سير الزواج أيضا، وإذا كانت المواعدة على الإنترنت تخلق المزيد من الزيجات المختلطة بين الجنسيات والأعراق، فهذا ما عرفته العديد من العلاقات بين مغاربة وجنسيات أخرى بمعدل متطور عمّا كان عليه، ورغم أنه ليست هناك إحصائيات تؤيّد هذا الحكم إلا أن المعاينات الشخصية تؤكد نجاح عدد من تلك العلاقات ووصولها إلى الزواج.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: