أبناء الريف والنظام المغربي.. صراع عمره ستة عقود.

ستة عقود، هو عمر الصراع بين أبناء الريف والنظام المغربي. صراع كانت بدايته دموية في أواخر خمسينيات القرن الماضي، ما خلف ذكرى أليمة لدى أبناء المنطقة لطالما خيم ظلها على العلاقة بينهم وبين السلطة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

بيد أن تلك العلاقة المتوترة دخلت مرحلة جديدة في عهد الملك الحالي، محمد السادس، الذي عمل على إعادة الاعتبار لـالريف المنبوذفيعهد والده، من خلال زياراته إلى المنطقة، وإطلاق عدد من المشاريع التنموية بمدنها وقراها.

1958.. البداية الدموية

في سنة 1958، شهدت منطقة الريف انتفاضة واجهها ولي العهد آنذاكمولاي الحسن، بشراسة، خلفت جرحا عميقا في نفوس أبناءالمنطقة.

بُعيد الاستقلال بسنتين، اندلعت الانتفاضة بقيادة محمد الحاج سلام أمزيان، لتعبر عن صرخة سكان الريفضد الحيف والتهميش الذييطالهم، فطالبوا بمجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي ووجهت بقمع وحشي على يد قوة عسكرية قادها ولي العهدآنذاكمولاي الحسن“.

مجموعة من المصادر تتحدث عن ما تسميهاالقسوة الشديدة التي قوبلت بها انتفاضة الريف سنة 1958، إذ استعملت الطائرات والأسلحةلإجهاض الانتفاضة، ما خلف عددا كبيرا من القتلى والجرحى والمعتقلين، وأكثر من ذلك كثير من الذكريات الأليمة، التي ما يزال يحتفظ بهامن عايشوا تلك المرحلة إلى اليوم.

1984.. خطابالأوباش

في شهر يناير من سنة 1984، شهدت مجموعة من المدن المغربية مظاهرات انطلقت من المدارس قبل أن يلتحق بها باقي المواطنين، عبروافيها عن احتجاجهم على ما وصلت إليه الأوضاع سواء اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا، ومرة أخرى قوبلت هذه الانتفاضة برد فعل عنيف.

ويتذكر من عاشوا تلك المرحلة الخطاب غير المسبوق، الذي خرج فيه الحسن الثاني مهددا ومتوعدا من شاركوا في الاحتجاجات.

يسترجع أبناء الريف ذلك الخطاب، الذي ذكرهم فيه الحسن الثاني بشكل خاص حين قالالأوباش في الناظور والحسيمة وتطوان والقصرالكبير.. الأوباش العاطلون الذين يعيشون من التهريب والسرقة“.

ولم يتوان الملك الراحل في خطابه ذاك عن استرجاع ذكرى انتفاضة 1958 وهو يتوعد أبناء الريف، بل ولم يتوان عن الاعتراف بإشرافه علىحملة الرد القوي على الحراك الذي شهدته المنطقة، بقولهالناس ديال الشمال عرفوا ولي العهد وأحسن ما يعرفوش الحسن الثاني“.

في عهد الملك محمد السادس، دخلت العلاقة بين الريف والسلطة مرحلة جديدة، وذلك من خلال مسلسلالإنصاف والمصالحةالذي كانتالمنطقة جزءا منه.

حاول الملك محمد السادس التخلص من الإرث الثقيل، الذي ورثه عن والده في علاقة القصر بالريف، وذلك ببناء علاقة جديدة مع المنطقة وأبنائها.

وقد حرص الملك على القيام بعدد من الزيارات إلى المنطقة سواء في إطار عطل شخصية أو لتدشين مشاريع تنموية فيها، أهمها مشروعالحسيمة منارة المتوسط، الذي تم إطلاقه سنة 2015.

بدا أن الأمور تسير على ما يرام قبل أن تنقلب رأسا على عقب، ويعود التوتر إلى العلاقة بين أبناء المنطقة والسلطة بعد مقتل بائع السمك، محسن فكري.

الصورة الصادمة لمحسن فكري، الذي توفي سحقا في حاوية أزبال، وعبارةطحن موالتي رافقت ذلك الحادث، أحيت الجرح النائم وأعادت إلى الأذهان ذكريات ماضيالحكرةوالقمع“.

في الحسيمة وغيرها من المدن المغربية خرج الناس للتظاهر احتجاجا على ما لحق بفكري مطالبين بمحاسبة المسؤولين، وفي الوقت الذيخمدت الاحتجاجات في معظم المناطق التي شهدتها، بدا أن الحسيمة كانت فقط تلتقط أنفاسها لتخوض حراكا أكبر خصوصا بعد صدورأحكام على المتهمين في تلك الحادثة، وصفها محتجون بالمخففة.

2017.. تخوين ومحاولة احتواء

أخذت الاحتجاجات في الحسيمة ونواحيها منحى تصعيديا منذ مقتل محسن فكري في أكتوبر من السنة الماضية، وكانت الأحكام الصادرةفي حق المتهمين، والتي تراوحت بين التبرئة والسجن بضعة أشهر، الشرارة التي أججت غضب أبناء المنطقة من جديد.

خرج الغاضبون في احتجاجات واسعة لتواجههم الحكومة بتهم الانفصال وتلقّي الدعم من الخارج، قبل أن تتراجع عن اتهاماتها وتسارعإلى محاولة احتواء الحراك من خلال وفد وزاري زار المنطقة للاطلاع على مشاكل ومطالب السكان، بموازاة إطلاق مجموعة من مبارياتالتوظيف لصالح أبناء المنطقة.

الاحتجاجات ستستمر وسيزيد منسوب التوتر والغضب بعد صدور أمر باعتقال ناصر الزفزافي، الوجه البارز للحراك، وذلك بعد احتجاجهعلى مضمون خطبة الجمعة في مسجد «ديور الملك» في الحسيمة و الحكم عليه بعشرون سنة .

هذا الصراع الذي نجد له مخلفات و عوامل تجعل ابناء الريف يواجهون السلطة المغربية و منهم من يغادر المغرب بجميع الوسائل القانونية والغير القانونية ، ناهيك عن رجال الاعمال المغاربة من الجهة الريفية و الذين غادروا المغرب هربا من أحكام قضائية غيابية في حقهم في قضايا التهريب و المخدرات ، و الذين يلعبون دورا مهما في حراك الريف بالتمويل و التصعيد و التحريض .

ألم يحن الوقت للمصالحة الوطنية بين ابناء الريف و الوطن الحبيب ، لما لا يصدر أمرًا بالعفو الشامل للمغاربة خارج الوطن و المحكوم عليهم في القضايا الغير الملطخة بالدماء ، عفوا يمكن ان يكون بمتابة بداية حقيقية يمكن من خلالها القضاء على جيوب الحراك و تمويله و بداية لإستثمارات مغاربة العالم المحكوم عليهم بعقوبات حبسية و الذين يشكلون نسبة مهمة من رجال الاعمال في كل من هولندا و بلجيكا و غيرهامن للبلدان الأوروبية .

ألم يحن الوقت لإطلاق سراح قادة الحراك الريفي و تحسين الظروف الاجتماعية و الاقتصادية في أنحاء البلاد ؟

فمقترح قانون العفو العام عن معتقلي الريف، تقدم به برلمانيا فدرالية اليسار، على عدد من الفصول تستند إلى “إطلاق سراح جميع الأشخاص الموقوفين على خلفية الاحتجاجات التي عرفها المغرب منذ 28 أكتوبر2016 إلى 28 يونيو 2018، والتي كان عدد من الأفراد المساهمين فيها موضوع متابعات أو توقيفات أو اعتقالات أو أحكام قضائية، مع إلغاء كل الآثار القانونية المترتبة على الأفعال المرتبطة بذلك، خصوصاً فيما يتعلق بملف معتقلي حراك الريف وحرية الرأي والتعبير”.

ويرتكز مقترح قانون العفو العام على الفصل 71 من الدستور الذي ينص على أن “يختص البرلمان بإصدار القانون، بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور مثل العفو”، في الوقت الذي يتحدث فيه الفصل 58 من الدستور عن حق العفو الذي يختص به الملك بصفته رئيس الدولة.

وأطلق العديد من النشطاء، في هذا السياق، عريضة إلكترونية يطالبون من خلالها البرلمان المغربي بإصدار قانون عفو عام عن المواطنين المدانين في ملف حراك الريف، وفق ما نص عليه الفصل 71 من الدستور المغربي.

عند نقاشنا ل”حراك الريف” بكل موضوعية بعيدا عن لغة “العياشا ” وعن لغة “الانفصال ” معا ،ثم نقوم بتشريح ل”الحراك الريفي “ بكل روية وتأني ،بعيدا عن مختلف المؤثرات السلطوية المرتبطة بالمؤسسات،التي أصلا وجدت لخدمة المواطن والوطن ،ونضع في الاعتبار التراكم التاريخي للمنطقة (الريف ) وعلاقتها المتشنجة نحو النظام ورأسه (عهد الحسن الثاني) وهنا لا يمكن اغفال “سيكولوجية ” الانسان الريفي وتكوينه الثقافي وخطه السياسي المندفع حيث يلاحظ شرود كثير من الخطابات نحو التطرف السياسي الذي قد يسقطنا في دوامة الكفر بالمؤسسات وبالوطن …هنا فقط يمكن للوساطة السياسية ان تنجح لانها تقوم على مبدأ ثابت يراعي الأجزاء الثابتة وهي الثوابت الوطنية التي لاتقبل اي مساومة تحت اي ذريعة والأجزاء المتغيرة التي تخضع للحوار والتنازل والتنازع بين أطراف التفاوض … ان غياب “الوسيط الحقيقي ” ليس فقط في حراك الريف بل من قبله في ملف الصحراء ومختلف ملفات الأزمة التي تصيب الوطن سواء تلك البسيطة المرتبطة بمعاش الناس ومتطلبات العيش الكريم وحقوق الانسان من عدالة وكرامة ،او تلك التي ترمي الى تحسين وتجويد عمل المؤسسات ،يطرح بقوة غياب وحضور الاحزاب السياسية ونسبتها في المشهد العام وفِي تسيير مؤسسات الدولة ومفاصلها المتحكمة في القرار وصناعته،خصوصا ،”العلبة السوداء للداخلية” ، فالأحزاب هي المسؤولة الاولى عن هذا الغياب ،لان هذا دورها الأساسي ووظيفتها الدستورية ولا يمكن الحديث عن الوساطات في الملفات السياسية والاجتماعية ،دون الحديث عن الاحزاب وعن الجدوى من هذه الاعداد وعن الارصدة المالية المخصصة لتمويل الاحزاب من المالية العامة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: