الإسلاموفوبيا: حقيقة أم عنصرية وهمية

تعمل الدعاية المغرضة لتيارات الإسلام السياسي إلى الترويج إلى فهم خاطئ للإسلاموفوبيا يتماشى مع طرحها، مفاده عداء المجتمعات الغربية للإسلام والمسلمين في الوقت الذي تحسن فيه هذه الشعوب التفريق بين ما هو روحي وما هو اجتماعي وما هو سياسي. فتكون ردود أفعالها سلبية مع بعض المظاهر الإسلامية التي لا تتوافق مع قيم جمهوريتها.

توظف كلمة إسلاموفوبيا من أجل نشر أطروحة راديكالية تحاول أن تقنع المسلمين بأن الغرب يرفض رفضا شاملا بشكل مرضيّ بل ويجرم هذا الغرب كل ما له علاقة بالدين الإسلامي، والممارسات المتعلقة به وجميع معتنقيه.

لقد تم نحت الكلمة في بداية القرن العشرين وقد استعملت من طرف إثنولوجيين متخصصين في الإسلام في غرب أفريقيا لوصف وانتقاد الإدارة الاستعمارية بالعداء للإسلام، معتبرين أن الإسلام حليف للوجود الاستعماري لا ينبغي معاداته.

وعادت إلى الظهور في بريطانيا مع قضية سلمان رشدي وأعطاها الإسلامويون معنى آخر حاولوا من خلاله منع أي انتقاد لتصورهم المتطرف للإسلام. وازداد استعمالها بعد كارثة 11 سبتمبر 2001، حيث تلقفها الإخوان المسلمون وباتوا يستخدمونها من أجل خدمة مشروعهم الأصولي في فرنسا والغرب كله.

وبدفع من هذه الجماعة الفاشية، نجحت كلمة إسلاموفوبيا التي تعني الخوف المرضيّ من الإسلام أو رهاب الإسلام في التسلل إلى قاعات تحرير الصحف والمجلات وبلاتوهات القنوات في الغرب الأوروبي – الأميركي وفي العالم العربي الإسلامي، واقتحمت حتى بعض المنظمات الدولية كلجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، واعتمدت في الخطاب الرسمي لبلد كتركيا وغيرها من الدول الإسلامية.

وفي عام 2010، اعتمد مجلس أوروبا قرارا يُدين الإسلاموفوبيا. ثم أنشأ الاتحاد الأوروبي في عام 2015 مفوضية أوروبية لمحاربتها.

أما في فرنسا، فقد دخلت القواميس الشهيرة كقاموس لاروس الذي خصّها بتعريف سريع وخاطئ “عداء نحو الإسلام والمسلمين”، في حين أن الكلمة وعلى تزويرها للواقع لا تعني العداء للمسلمين.

أما قاموس روبير الصغير فهو يعمّق من جهته الخطأ فيغامر شارحا “الإسلاموفوبيا شكل خاص من العنصرية موجّهة ضد الإسلام والمسلمين تعلن عن نفسها من خلال أفعال حقد وتمييز إثني ضد المغتربين الوافدين من المغرب العربي”.

وفي تقرير حول المسألة تصف اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان في فرنسا المجتمع الفرنسي بأنه مسكون بالإسلاموفوبيا والتي تعرّفها كالتالي “الخوف الذي يمنع الاتصال والتبادل والحوار ويجعل المسلم، كبش فداء، حاملا لكل علل المجتمع والعالم، والإسلام هادم العقل”.

وفي بلد العلمانية تشكلت دائما عدّة مجموعات وتنظيمات تحت إشراف الإخوان المسلمين أو بإيعاز منهم تدعي مناهضة هذا “الوباء”، أهمها ائتلاف مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا. علاوة على المرصد الوطني لمناهضة الإسلاموفوبيا.

ولكن هل صحيح أن الشعب الفرنسي يُعادي الإسلام والمسلمين، وهل الجمهورية الفرنسية تمارس التمييز ضد الإسلام والمسلمين؟ من يصدق الدعاية الإخوانية، ومن يعيش بعيدا عمّا يجري على أرض الواقع الفرنسي سيظن أن هذا البلد قد تحوّل إلى جهنم بالنسبة للمسلمين في حين أن العكس هو الحاصل تماما، فالمسلمون يتمتّعون بكل حقوقهم المدنية مثلهم مثل أغلبية المواطنين الفرنسيين.

وفي الحقيقة لا الشعب الفرنسي في أغلبيته يُعادي المسلمين ولا الدولة الفرنسية تسنّ قوانين ضدهم. وهذا لا يعني عدم وجود بعض الأحكام المُسبقة حول المسلمين لدى بعض الأفراد والجماعات.

وعموما نجد أن الفرنسيين في دراسات واستمارات رأي كثيرة يحسنون التفريق بين ما هو روحي وما هو اجتماعي وما هو سياسي. فهم لا يستهجنون صلاة وصوم المسلمين مثلا، ولكنهم لا يتقبّلون النقاب والبوركة والفصل بين الذكور والإناث وزواج الصغيرات والزواج العرفي وتعدّد الزوجات.. فردود أفعالهم حول بعض المظاهر الإسلامية التي لا تتوافق مع قيم جمهوريتهم من الطبيعي أن تكون سلبية.

يرى الإخوان المسلمون أن منع الحجاب في المدارس العمومية فعلا إسلاموفوبيّا، وهذا يدل على رغبة هؤلاء في فرض طريقة حياة قروسطية على المجتمع الفرنسي، وهو ما لا يقبله الفرنسيون وحتى المغتربون العقلانيون من أصول مغربية أو جزائرية أو تونسية إلخ. وقد باتت أساليب الإخوان معروفة، فهم يحاولون تحويل الواقع السياسي في كليّته إلى واقع هوياتي والصراع الطبقي والفئوي وغيرهما إلى صراع ديني فقط، إذ يكفي متابعة وسائل التواصل الاجتماعي لنعرف كيف يجنّد الإخوان المسلمون العشرات من المواقع من أجل إذكاء نار الحرب الدينية.

الإسلاموفوبيا، جلباب فضفاض يحمل بداخله أكاذيب ودعايات وتحريض على الانعزال والشعور بالاضطهاد ومقت للعلمانية… بغية تحريف النقاش ونشر البلبلة وإخفاء الحقيقة الراسخة: ليس هناك في فرنسا رفض للإسلام كدين وممارسات دينية، وإنما هناك رفض للإسلام السياسي الذي يريد أن يفرضه الإخوان في هذا البلد العلماني الذي تحترم فيه كل العقائد.

لا يقدّم خطاب الإسلاموفوبيا للمسلمين المُقيمين في فرنسا أدنى خدمة، بل بالعكس هو فخ منصوب لهم من طرف جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها بغية توتير العلاقة بينها وبين المجتمع ومؤسساته.

خطاب أيديولوجي يبعد كل نقاش جادّ قادر على طرح موضوعي لمسألة العلاقة بين الإسلام والجمهورية الفرنسية، والوصول إلى تصور توافقي يضمن اندماجا سلسا للمسلمين في فرنسا.

يحاول الإخوان عبر لفظة الإسلاموفوبيا نشر سيكولوجية الضحيّة بين الشبان المسلمين وتجنيدهم ضد العلمانية والقيم الكونية بتسميم عقولهم بأكذوبة مفادها أن الفرنسيين يكرهون الإسلام، ولا يمكن أن يعتبرونهم مواطنين كاملي الحقوق أبدا لأنهم مسلمون.

وإن لم يجدوا عملا، وإن كان أغلب المساجين مسلمين، وإن مال بعض الشبان إلى الجهاد، فذلك راجع إلى أنهم ضحيّة أفكار مسبقة إسلاموفوبية، وأن سبب كل ذلك عنصرية الدولة الفرنسية.

وهو خطاب يعيق الاندماج والتثاقف لأنه يشيطن الغربيين ويؤمثل المسلمين ويقول لهم ضمنيا: أنتم مكروهون وغير معترف بكم ولن يُعترف بهويتكم الإسلامية.. ولم يبق لكم سوى الانتفاضة والمعارضة وإقامة مجتمع إسلامي مواز، وعلى الخصوص ارفضوا الاندماج والذوبان في هذه المجتمعات الكافرة. ألا نحرم المسلمين من الشعور بمسؤوليتهم حينما نرسّخ في أذهانهم عن طريق كلمة الإسلاموفوبيا أنهم ضحايا في كل الأحوال؟ ألم يولد ذلك الشعور بالاضطهاد الذي تحوّل إلى تطرف ديني ثم إلى إرهاب من رحم هذا الخطاب الإخواني الانعزالي؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: