سعوديات ينزعن العباءة السوداء ويتدثرن بوشاح الحرية

انطلقت المرأة السعودية في طريق تحرّرها، وحققت بذلك تقدما متسارعا فأصبحت تقود السيارة وتحضر مباريات كرة القدم للرجال كما تسعى اليوم للتخلص من لباس العباءة التي تمثل زيا موحدا للمرأة على اعتبار أنها زيّ محتشم من وجهة النظر المحافظة، في حين يعتبرها البعض طمسا لهوية المرأة.

جذبت امرأة سعودية الأنظار إليها بعدما دخلت من دون عباءة مجمّعا تجاريا في الرياض، عاصمة المملكة المحافظة التي تفرض الثوب الأسود الفضفاض على النساء من ضمن عادات أخرى بدأت تتحرّر منها الواحدة تلو الأخرى.

وينظر إلى العباءة على أنّها رمز للاحتشام، لكن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ألمح العام الماضي إلى تغيير محتمل في مسألة فرض ارتداء العباءة في الأماكن العامة، بعدما قال إنّ احتشام المرأة لا يعني ارتداءها لها.

ويأتي هذا القرار ضمن رؤية 2030 الاقتصادية التي قال عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، “إنها خطة جريئة قابلة للتحقيق لأمّة طموحة، وهي تعبر عن أهدافنا وآمالنا على المدى البعيد، وتستند إلى مكامن القوة والقدرات الفريدة لوطننا. وهي ترسم تطلعاتنا نحو مرحلة تنموية جديدة غايتها إنشاء مجتمع نابض بالحياة يستطيع فيه جميع المواطنين تحقيق أحلامهم وآمالهم وطموحاتهم في اقتصاد وطني مزدهر”.

مع ذلك واصلت النساء في المملكة ارتداءها كونه لم يصدر أي مرسوم حكومي بذلك. واحتجت بعض النساء على هذا القيد، في خطوة نادرة في المملكة، حيث نشرن صورا على وسائل التواصل الاجتماعي وهن يرتدين العباءة بالمقلوب مرفقة بوسم “العباءة المقلوبة”، في حركة للتعبير على احتجاجهن على ارتداء هذا الزي الملزمات به، ولاقَين رفضا من البعض الذين اعتبروا أن ما يحصل ما هو إلا هجوم على القيم والفضيلة.

وتطالب فتيات في المملكة بإسقاط العباءة واستبدالها بلباس آخر ينفتح على العالم، واعتبر البعض أن العباءة هي طمس لهوية المرأة وإلغاء لها ودافعوا عن حريتها من القيود الاجتماعية التي فرضت عليها.

العباءة عُرف وليست مرتبطة بالدين

وكتبت آنذاك الناشطة نورا عبدالكريم في تغريدة على تويتر، “لأن النساء السعوديات يملكن إبداعا بلا حدود، فقد أبدعن شكلا جديدا من الاحتجاج”.

وبدأت سعوديات في السنوات القليلة الماضية في ارتداء عباءات بألوان فاتحة أو زاهية في تناقض صارخ مع الأسود التقليدي. وفي بعض المناطق، عمدت أخريات إلى ترك العباءة المفتوحة من الجهة الأمامية التي توضع على تنّورات طويلة أو على سراويل من الجينز.

يذكر أن الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي، الذي يحظى بتأثير كبير، قال “إنه ليس شرطا أن يكون الأسود لون العباءة”. وتمثل هذه السلوكيات تغيّرا كبيرا خلال الفترة الأخيرة في المملكة، ففي 2016 احتجزت امرأة لخلعها العباءة في شارع رئيسي في الرياض، وذكرت وسائل إعلام محلية وقتها أنها احتجزت عقب بلاغ تلقته هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مشاعل الجالود، توقفت اليوم عن ارتداء العباءة تماما، وهي واحدة من بين عدد محدود من السعوديات فقط أقدمن على ذلك.

وفي مشهد غير مألوف في المملكة، سارت الشابة (33 عاما) في المجمع التجاري في الرياض وهي ترتدي قميصا برتقاليا وسروالا فضفاضا.

وبينما تركزت أنظار الزوار عليها، وبينهم نساء ارتدين العباءة السوداء وغطين رؤوسهن، ظن البعض أنّها فنانة مشهورة، فسألتها امرأة “هل أنتِ مشهورة؟ هل أنتِ عارضة أزياء؟”.

ورغم أن عدم ارتداء العباءة في الأشهر الأخيرة لا يزال أمرا محدودا جدا في المملكة، إلا أنّه يشير إلى رغبة في دفع الحريات الاجتماعية قدما في الوقت الذي تشهد فيه السعودية حملة انفتاح كبرى.

وتقول مناهل العتيبي (25 عاما)، “منذ أربعة أشهر، منذ أن جئت إلى الرياض، وأنا لا أرتدي العباءة”، مضيفة، “أعيش مثلما أريد، أتصرف بحرّية، لست مقيّدة، لا يُفرض عليّ لباس لست مقتنعة به”.

وفي العقود الماضية، فرضت الشرطة الدينية في المملكة، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، العباءة على النساء من السعوديات وغيرهن، ولاحقتهن في الأماكن العامة للتأكد من تقيّدهن بذلك.

ويعود تاريخ العباءة إلى الآلاف من السنين، لكن العقود الأخيرة فقط هي التي كانت شاهدة على فرضها على نساء المملكة. وتقلّصت في السنوات الأخيرة سلطة الشرطة الدينية، لكن الجالود تخشى رغم ذلك أن يثير عدم ارتدائها للعباءة حفيظة متشددين في ظل عدم وجود قوانين حاسمة في هذا الشأن.

وقالت، “ليست هناك قوانين واضحة، ولا حماية. قد أتعرض للخطر أو أتعرض لاعتداء من قبل المتطرفين دينيا لأنني أسير من دون عباءة”. وفي يوليو الماضي، نشرت الشابة تسجيلا مصورا على تويتر، أوضحت فيه أنّ مجمّعا تجاريا آخر في الرياض منعها من الدخول بسبب عدم ارتدائها للعباءة.

وكتبت في تغريدة “تم منعي من دخول (..) بلباس محتشم وشكرا”. وذكرت الشابة التي كانت ترتدي قميصا أبيض وسروالا أسود، أنّها حاولت إقناع الحراس بالسماح لها بالدخول عبر عرض مقابلة للأمير محمد بن سلمان قال فيها إن العباءة ليست فرضا على النساء، لكنهم لم يقتنعوا.

عدم ارتداء العباءة لا يزال أمرا محدودا جدا في المملكة السعودية، إلا أنّ هناك مؤشرات إلى دفع الحريات الاجتماعية قدما

وردّ المجمّع التجاري على تغريدتها بالقول في حسابه بتويتر، “أهلا عزيزتي مشاعل.. نعتذر منك، يمنع دخول المول على المخالفين للآداب العامة وحياك الله بأي وقت”.

واعتبر الأمير سطام بن خالد آل سعود، أن مشاعل “باحثة عن الشهرة”. وكتب في تويتر، “الباحثون عن الشهرة وأمثالها كثيرون. ما حدث (..) من تصرف غير مبرر قامت به إحدى الفتيات بالذهاب إلى المول دون عباءة هو عمل مستفز لا يقبله أحد”.

وأشارت الشابة، إلى أنّها واجهت مضايقة في أحد محلات بيع المواد الغذائية عندما تقدّمت منها امرأة وهددتها بالاتصال بالشرطة. وتصر مشاعل على عدم ارتداء العباءة في الأماكن العامة، لكنّها مضطرة إلى ارتدائها في مكان عملها، نظرا لأن القانون يفرض على الموظفات لباسا معينا.

ومن ضمن “ضوابط عامة لتشغيل النساء” وضعتها وزارة العمل، فإن على الموظفة أن “تلتزم بالحشمة في زيها، وإذا كان للمنشأة زي خاص فيجب أن يكون محتشما وساترا”.

ومنذ تسلم الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في 2017، تحرّرت المملكة من العديد من القيود المتشددة، فسمح للنساء بقيادة السيارات، وبدخول ملاعب كرة القدم، وأعيد فتح دور السينما، وأقيمت حفلات موسيقية عربية وغربية صاخبة.

ويشعر العديد من الشباب السعوديين الراغبين في حريات أكبر، أنهم يخوضون صراعا مع المتشدّدين القلقين من تبعات الإصلاحات التي يرون في بعضها خطوات لا تتلاءم مع تعاليم الإسلام. وقالت مشاعل، “العباءة عُرف وليست مرتبطة بالدين. لو كانت مرتبطة بالدين لكنّا رأينا كل السعوديات خارج المملكة بالعباءة والنقاب”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: