إدريس لشكر يساري يتحالف مع الإسلاميين متقمصاً شخصية مختلفة لكل مناسبة

يقود إدريس لشكر رئيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هذه الأيام، مبادرة مصالحة داخلية بعدما كان من بين الشخصيات القيادية التي تسببت في وصول الحزب إلى مستويات دنيا في عالم السياسة. زيارته الأخيرة إلى القطب الاتحادي عبدالرحمن اليوسفي وكذلك إلى القيادي النقابي الرئيس الأسبق للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، هي بمثابة بحث عن الحقيقة اليسارية الضائعة بين واقع سياسي يساري متردّ وباعترافه، وبين طموح انتخابي قريب يقول مقربوه إنه مشروع.

لشكر اليوم بين نارين؛ أولا الاعتراف بدوره في تشرذم اليسار وما سيقدمه من أجوبة اجتماعية وسياسية لتجاوز المعضلة، وثانيا قيادته لمصالحة تتطلب أكثر من لقاءات بروتوكولية، وتتجاوزها نحو عقد أخلاقي وسياسي وتربوي مع جرأة في تقييم الأخطاء لتجاوز المطبّات خصوصا وأن الكثير من قيادات وقواعد حزبه تشير إليه بإصبع الاتهام في ما آلت إليه الأوضاع الداخلية.

تدشين دبلوماسية الزيارات هي محاولة لإضفاء شرعية القيادة التاريخية على خطط المصالحة التي يقوم بها لشكر ومكتبه السياسي، وهذا ما عبّر عنه لـ”العرب”، المهدي المزواري، عضو المكتب السياسي للحزب، مؤكدا أنه سبق أن قمنا بزيارة للأستاذ عبدالرحمن اليوسفي، وستكون زيارات من هذا النوع إلى قياديي الحزب الأساسيين كالكاتب العام السابق محمد اليازغي وفتح الله ولعلو محمد الحبابي كقياديين أساسيين أعطوا الكثير للحزب.

الإطاحة بالقيادة

لمُّ شمل الحزب صعب للغاية على مستوى التواصل والممارسة خصوصا عندما يخرج قياديون متسائلين عن الغاية من المصالحة داخل الاتحاد الاشتراكي، ومنهم محمد كرم الذي قال إن “من يريد المصالحة ينبغي أن يقول للناس، لماذا كان الشقاق أولا؟ ولماذا وصل الحزب إلى ما وصل إليه؟”، مبديا معارضته للمبادرة.

في المقابل هناك من دافع عن مسعى لشكر لتعزيز المصالحة بين مختلف أعضائه ومكوناته، والانكباب على الإعداد للانتخابات البرلمانية التي ستجرى في العام 2021، قائلين إن خطاب لشكر خطاب عقلاني واع وهادف يحاصر الشعبوية التي تروم السيطرة على الوجدان بخطاب عاطفي مغالطي والذي تأثيره مؤقت في الزمان والمكان.

وسجل لشكر أن “الاتحاد الاشتراكي معتز بقيادييه الذين لعبوا أدوارا تاريخية كبرى في تحقيق التطور والاستقرار”، وأن “المصالحة ستتم بفضلهم، لكونهم بناة اليسار في المغرب منذ سنة 1959”، وستكون الذكرى الستين لتأسيس للحزب التي سيتم الاحتفال بها هذه السنة 2019، بحضور رموز الاتحاد الأساسيين، حسب المهدي مزواري، هي مدخل أساسي سنجتمع فيه كعائلة اتحادية لاستحضار تاريخ الحزب واستشراف المستقبل، ونحن نراهن على المرحلة المقبلة وللتصالح مع الذات، والاعتراف بأخطاء تراكمت منذ عقود جعلتنا نصل إلى هذه الوضعية لكن الحزب من الصعب موته وألا يكون فاعلا في الغد باعتباره حزبا وطنيا.

جعبة لشكر مليئة بالحيل والمناورات، يستغلها في الوقت المناسب حتى يحقق مراده، وغايته اليوم، ألا ينسحب من المشهد، كما حدث لعدد من قيادات أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية.

تعتبر فكرة الاعتراف بالأخطاء أكثر تبصّرا وحكمة إذا كانت نابعة من ذات صادقة خصوصا مع قياديي الحزب التاريخيين، فمباشرة بعدما أطلق الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش 2019، اسم اليوسفي على فوج هذه السنة من الضباط المتخرجين من مختلف المعاهد والمدارس العسكرية وشبه العسكرية، هرع إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، برفقة أعضاء المكتب السياسي للحزب، إلى القيام بزيارة خاصة لليوسفي.

وبهذه المناسبة قال لشكر إن “اليوسفي يعتبر مدرسة للصبر والتحمل ومواجهة الصعاب بهدوء”، مشيرا إلى أن “المسؤولية التي أبان عنها اليوسفي نفعت البلاد والحزب الذي ظل صامدا وقويا في وقت انهارت فيه أحزاب كبيرة، على المستوى الدولي”.

إنه تصريح تسويقي له دوافعه الآنية سياسية بالدرجة الأولى لا داعي للتفصيل فيها، لكن عندما نعود إلى السيرة السياسية للرجل داخل الحزب نجد أنه لم يكن يُضمر ودا لليوسفي، بل كان من بين المعارضين الشرسين لسياسته وقراراته، وهذا أمر طبيعي يقول لشكر، لأنني “لم أكن أعرفه لأنه كان في المنفى”. ومن يعرف شخصية لشكر لا يستغرب هذا التصريح.

وفي المقابل يقر بأنه يعرف أكثر القيادي محمد اليازغي جيدا، سواء من حيث طريقة التفكير أو تدبير شؤون الحزب، فهو كان الأقرب إليّ في العديد من الأشياء، إذن فكيف تريدني أن أساند اليوسفي، الذي لم تجمعني به أي علاقة نضالية قط، ولم يشاركني حتى في مسيرة.

هكذا إذن تتجلى نفسية لشكر وتتوضح شخصيته المثيرة للجدل والموصوف بالانتهازي والمزاجي، إذ أنه لم يكتشف أن اليوسفي المناضل الكبير ورجل الدولة، حتى أصبح هذا الأخير  الكاتب الأول للحزب.

وعندما قيل لإدريس لشكر إنكم كنتم من بين الأشخاص الذين ساهموا في التضييق على اليوسفي والتآمر عليه وتحميله أخطاء مرحلة تدبير الحزب قبل وبعد حكومة التناوب، ردّ بأنه لا يوجد شخص معصوم من الخطأ.

فتعلّقه باليازغي المنافس لليوسفي جعله يتبوأ مكانة مهمة داخل الحزب ويوصف بذراع اليازغي التنظيمية الضاربة داخل الاتحاد الاشتراكي وخارجه، ليتسلق الشجرة ويصبح عضوا بالمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي منذ 2001.

وحسب أسطورة أوديب، نستنتج أن لشكر قتل أباه الروحي عندما قال إن هذا التقارب، والعطف الذي شمله لسنوات طويلة لا يتعلق بأفضال لليازغي عليّ، أو ما شابه ذلك، ليصنفه بعد تلك المودة بالمسؤول الأول والمباشر عن ضعف حجم حضورنا في الحكومة بعد الإخفاق في انتخابات العام 2007، كون الكاتب الأول هو الذي فاوض عباس الفاسي رئيس حزب الاستقلال.

ولهذا السبب تم نعت لشكر بالإقصائي من طرف الإعلام واليسار واليمين وأعضاء قياديين داخل حزبه، إذ اكتشفوا أنه لا تقف صداقة ولا علاقة إنسانية أمام طموحاته، وفي النهاية انقلب مع عدد من الموالين له على عرّابه اليازغي لإجباره على التنحي عن قيادة الحزب بتقديم استقالته.

سحر السياسة وغدرها لم يسلم منهما عدد كبير من قياديي وقواعد الاتحاد الاشتراكي الذين غادروا الحزب تحت ضغط لشكر وتذكروا كيف كان يجلد اليوسفي باستعمال كلام غير مقبول وغير أخلاقي بتحريض من اليازغي.

زمن التثاؤب

دافع لشكر على موقع تنظيمه السياسي مؤكدا أنه تجاوز مرحلة التراجعات التي عرفتها كافة الأحزاب ذات المرجعية الاشتراكية، وهو يربط استقرار الحزب باشتغال مؤسساته بشكل طبيعي. دون توضيح هذه التخريجة التي يمكن الاختلاف معه حولها سواء على مستوى المردودية السياسية المتراجعة باستمرار منذ سنوات أو من ناحية الحضور داخل المجتمع الذي يمكن القول إنه شبه منعدم.

في كتابه المنشور في العام 2016 تحت عنوان “زمن التناوب الثالث” قال لشكر إنه لا يمكن لمأسسة الحزب وتجميع العائلة الاتحادية ومد اليد لليسار أن تستقيم إلا بركن رابع يتمثل في الحفاظ على الوحدة الداخلية للحزب لتكون بمثابة النواة الصلبة، التي يتم إقامة التنظيم على أساسها.

وعندما تواجهه بحقيقة الحزب في عهده يبادرك بأن الانتقاد صحي وفرصة لمعرفة الاختلالات وتصحيح ما تم التراجع عنه لكن هذا يبقى حسب الكثير من المتابعين مجرد كلام لا أقل ولا أكثر، وكدليل على استعادة الحزب عافيته وموقعه قال لشكر إن الجناح الطلابي الاتحادي طرد من طرف القوى المحافظة في تسعينات القرن الماضي وها هو يستعيد مواقعه، لكنه لم يقدم أي معطيات وأرقام ومؤشرات تعزز ادعاءاته.

لشكر وبعد تحذيره من أن تتحول البلاد إلى سوريا ثانية، إذا حكم الإسلاميون، تحالف مع  العدالة والتنمية ويستعد اليوم للمشاركة في الحكومة الجديدة

الواقع السياسي لا يحتاج إلى تنظير في ما يخص وضعية حزب فَقد ذلك التوهّج الذي كان يتمتع به في زمن مضى، هذا الوهج توقف، وبعد النتائج المخيبة للآمال التي حصدها الاتحاد الاشتراكي في العام 2016، قال لشكر “خسرنا المقاعد وربحنا (الحزب المؤسسة) وهو من مكاسب القيادة الجديدة”، فلسفته للهزيمة، والانحدار الذي عرفه حزبه يفصّلها حسب الزمن والمصلحة المستفادة عندما قال إننا خرجنا من البيضاء في 2003، ومن الرباط وخرجنا من فاس قبل 2003، وخرجنا من وجدة ومدن الشمال، متسائلا بجرأة لماذا تربطون هذه الوضعية بهذه القيادة؟

تدرّج لشكر في مختلف أجهزة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الفرعية والمركزية٬ ومنظماته الموازية ابتداء من الشبيبة الاتحادية حيث تولى منصب مسؤولها الوطني ما بين 1975 و1983، وفي عهده كرئيس للاتحاد الاشتراكي حملت الشبيبة الاتحادية في مؤتمرها في العام 2014، الحجر والكراسي واستعمل هؤلاء الغاز المسيل للدموع ضد بعضهم، كتصريف لصراع لشكر مع القيادية حسناء أبوزيد.

ولا بد من التذكير هنا بأن لشكر ضمن الفئة “المتشككة في النظام”٬ ورفض المشاركة في أي عملية انتخابية٬ عكس عدد من رفاقه، لكنه دشّن بداية التسعينات مرحلة أخرى آمن فيها بضرورة المشاركة الفعلية في الإصلاحات الديمقراطية، وقد استفاد من امتيازات كثيرة ليس آخرها أرض خدام الدولة التي خلقت ضجة كبرى في العام 2016، ودون تراجع اعترف أنه بالفعل يملك تلك الأرض بسعر جد تفضيلي، رغم اتهامات له بالاستفادة من ريع لا يستحقه.

بعد مسيرة سياسية لم تخل من حروب خاضها لشكر في العلن وفي الكواليس وصل إلى هرم الحزب، واحترافه مهنة المحاماة لم يمنعه عن عمله السياسي الذي جرفه بشكل كلي حتى أدمن السياسة تنظيميا وممارسة ليعترف بأنه لم يتحمّل مسؤولية التنظيم في الاتحاد الاشتراكي ترفا، بل لأنه كان يعتبر التنظيم جسرا لإيصال أفكار الحزب إلى الناس.

المشاركة في الحكومة

انتخب المؤتمر الوطني التاسع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لشكر كاتبا أول للحزب خلفا للقيادي عبدالواحد الراضي، وآنذاك خرج بتصريحات غاية في الفخامة عندما أعلن أن ترشيحه يؤسس لمرحلة يكون شعارها “استعادة المبادرة” عبر صياغة أجوبة تتعلق من جهة بهوية الحزب ومهمته التاريخية، ووظيفته السياسية، ومن جهة ثانية بالجانب التنظيمي.

وعد بأنه سيوظف كل طاقة وجهد لفائدة هذا الحزب٬ ويهيّئ لمرحلة انتقالية لا بد أن يتحمل خلالها المسؤولية جيل الربيع الديمقراطي، لكن وبعد بلوغه سن الـ65 ٬ لا ندري هل سيبقى وفيّا لتعهده بعدم المساس بقانون الحزب الداخلي حتى لا يترشح لولاية ثالثة، وتسهيل مأمورية ضخ دماء جديدة وتجديد قيادة الحزب. لكن من يضمن ألا يلتف، كما فعل غيره، على القانون ومنطق الكفاءة بدعم أحد الموالين له.

سيكون المؤتمر المقبل حاسما في اختيار قيادة تتقن التعامل مع المحطات الانتخابية المقبلة، وأكثر من ذلك على لشكر ومكتبه السياسي إقناع الغاضبين بجدوى إعادة الثقة في مستقبل الحزب وقيادته الحالية، خصوصا بعدما قال محمد بن عبدالقادر، وزير الوظيفة العمومية، وعضو المكتب السياسي، إن كل مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي، باستثناء المؤتمر التأسيسي، والمؤتمر الاستثنائي في 1975، كانت “إرضاء الخواطر والتوافقات الفارغة، لدرجة أنها لم تكن تنتج، لا قيادات ولا مشروعا سياسيا أو فكريا”.

والمعروف عن لشكر أن جعبته مليئة بالحيل والمناورات يستغلها في الوقت المناسب حتى يحقق مراده، وغايته ألا ينسحب من المشهد السياسي كما حدث لعدد من قيادات أحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية. فهو يريد البقاء وحتى إن كان هناك توجه من داخل الحزب بوضع نقطة نهاية له على رأس الحزب، فهو يناور لتكون محطة الانتخابات المقبلة مناسبة لإعادة إنتاجه سياسيا حتى وإن ابتعد عن قيادة الحزب. وحتى يتماشى مع الموجة قال “لا يهمّنا من سيكون غدا قائدا للاتحاد، بل السؤال المطروح من سيخدم المشروع المجتمعي الحداثي؟”.

وجّهت العديد من الانتقادات لإدريس لشكر بأنه كان سببا في ما يمر به الحزب من تراجعات والتخلي عن المبادئ الأساسية والسامية التي بني عليها الاتحاد لصالح الأهداف الخاصة وعما كان يؤمن ويدافع عنه، ليجيب متوترا أن المبادئ تصاغ على مستوى المؤتمرات وإنه جزء من مؤسسة الحزب ولا يمكنه التقرير في هكذا أمر دون الرجوع إلى هياكل التنظيم السياسي الذي يمثله.

هناك من اقترح أن يكون لشكر ضمن التشكيلة المرتقبة للحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، بعد التعديل الذي سيطرأ عليها في منتصف ولايتها الانتدابية، لكن هذا مجرد تخمين لن يصمد أمام حسابات هذا السياسي الذي يخطط لما بعد انتخابات 2021، ورفضه المشاركة شخصيا في النسخة الأولى من حكومة سعدالدين العثماني لا يزال مستمرا إلى الآن.

وقد سبق للشكر أن حذر المغاربة من السيناريو السوري إذا ما فاز حزب العدالة والتنمية بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية الأخيرة في العام 2016، لكنه بعد ذلك قبل بدخول حزبه إلى حكومة يقودها الحزب الإسلامي، وهذه تعتبر من بين المفارقات التي تميّز شخصية هذا اليساري الذي يتّبع منهجا خاصا في استقراء الوقائع واستخلاص النتائج.

الواضح أن لشكر لم يهضم وصول الإسلاميين إلى الحكومة في العام 2012، حيث يقول إن حكومة عبدالإله بن كيران مجرد مصادفة تاريخية أتى بها “حراك فبراير”، الذي لم يشارك فيه مناضلو وأبناء بن كيران أو يساهموا في وضع أو ترديد شعاراته، التي تنتمي في أغلبها إلى قاموس اليسار وهي مجرد دورة كرونولوجية ليس إلا، والدليل على ذلك، أن ولايتها الفريدة، لم يعرف عنها أنها فتحت ورشة واحدة، إنها المقابل المضاد لإنجازات حكومة في الانتقال الأول.

وكعادته يعلن لشكر أن مشاركة حزبه في الحكومة، وتحمل مسؤولية بعض القطاعات الوزارية والمؤسسات تعتبر بكل المقاييس تجربة عطاء وتطوّرا إيجابيا، وهو بهذا المسعى يهيّئ حزبه إلى مرحلة أخرى بعد انتخابات 2021، ليكون مشاركا في الحكومة ولا يعنيه من يترأسها بعدما كسّر تابو التحالف مع الإسلاميين وهم يقودون الحكومة الحالية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: