المغرب: خلفيات التعديل الحكومي المرتقب

ثمة تساؤلات عديدة حول خلفيات التعديل الحكومي في المغرب المرتقب مع الدخول السياسي الجديد، لاسيما وأن الزمن الذي يفصل هذه الحكومة عن موعد الانتخابات لا يتعدى سنتين، وهي مدة غير كافية بالنسبة لأي وزير حتى تتجمع لديه الخبرة في القطاع الذي يشغله، وبناء استراتيجيته للإصلاح، فضلا عن جني العائدات المرجوة من هذه السياسات الإصلاحية. الخطاب المعلن لأعلى سلطة في البلاد، برر الحاجة لتعديل حكومي، بحاجة البلاد إلى كفاءات عالية تكون في مستوى المخرجات التي ستصدر عن اللجنة الخاصة لبلورة المشروع التنموي الجديد، ورئيس الحكومة ـ حسب بعض تصريحاته- فهم من تعليمات الملك، أن هناك ضرورة لتقليص الحقائب الوزارية في الحكومة، وإنهاء اللاتفاهم بين الوزراء وكتاب الدولة، وتغيير وزراء في بعض القطاعات بسبب عدم ارتياح الملك لأدائهم، وضرورة إقحام كفاءات عالية. ثمة ملاحظتان مهمتان نعتبرهما مفيدتين في هذا التحليل: الأولى، أن ثمة فرقا بين طبيعة التعديل الحكومي المرتقب والتعديل الحكومي الذي عرفته الحكومة خريف السنة ما قبل الماضية (أكتوبر 2017)، فالتعديل الحكومي السابق جاء في سياق إعفاء وزراء من مناصبهم، وجاء النص في بلاغ الديوان الملكي واضحا بضرورة تعويض المناصب الشاغرة بوزراء جدد، في حين لم يتضمن الأمر بالتعديل الحكومي الوراد في خطاب العرش صيف هذه السنة أي وصف تبين طبيعتهّ ؟
الثانية، وتخص سياق طرح التعديل الحكومي، فمع أن التعديلين جاءا عقب تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، إلا أن السابق جاء على خلفية حراك الريف، وتقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص تقييم متابعة الوزراء لتنفيذ مشاريع المشروع الملكي الموسوم بـ«الحسيمة منارة المتوسط» فيما الثاني، جاء عقب تقرير لوالي بنك المغرب، تضمن معطيات سلبية عن المؤشرات الاقتصادية والمالية، دفعت ملك البلاد حد المطالبة بشكل عملي إلى صياغة نموذج تنموي جديد للبلاد، وضرورة أن تواكبه نخب وزارية جديدة قادرة بكفاءتها على ترجمته. تركيب الملاحظتين، أن اختلاف سياق التعديلين وإن كان ظاهرا، إلا أن ما يوحده شيء واحد، هو فشل سياسات، سواء في مشروع معين، أو مشاريع بأكملها، وأن التعديل الحكومي السابق، أو التعديل الحكومي المرتقب مع تعيين لجنة خاصة لبلورة المشروع التنموي الجديد، هو في الجوهر جزء من تصور الدولة للجواب والتعاطي مع هذا الفشل من أجل استدراكه.

عندما تصبح العلاقة بين الرسمي وغير الرسمي خاضعة للاجتهادات والتحيزات، وعندما تنجر سلطات الدولة ومؤسساتها إلى أمزجة الجمهور و«ابتزاز» الشارع، لا يمكن لعاقل أن يحلم بنهاية قريبة لبنية الفساد التي تحكم الدولة، أو لسياسية التغطية على الفساد التي ينتهجها الجميع

لكن تأمل الطريقة التي تم بها التعديل السابق تؤكد بأن الأبعاد السياسية لم تكن غائبة في طريقة تنزيل التعليمات الملكية، وأن ثمة إرادات حرفت مضمونها لجهة استهداف حليف العدالة والتنمية وإخراج قياديين كبيرين من حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة من بينهما الأمين العام للحزب، مع تعويضهما، وإتباع ذلك بإعفاء كاتبة الدولة من نفس الحزب الصيف الموالي (السنة الماضية) دون تعويض. المعطيات المتوفرة لحد الآن عن بدء المشاورات لإجراء التعديل الحكومي جد شحيحة، وما يفسر ذلك هو حساسية الموضوع، فحين يكون القصد هو تقليص عدد الوزراء، والاستغناء عن بعضهم، وتفويض الأمناء العامين للأحزاب بالبحث عن كفاءات من داخل الحزب أو من خارجه، تصبح العملية جد عسيرة، لاعتبارات كثيرة، منها أن السياسي لم ينخرط في الشأن العام لكي يأخذ محله غير السياسي، وأن الأحزاب تبحث عن توسيع سلتها لا تقليص حظوظها، ومنها أن الاستغناء عن رمز من الرموز السياسية، له كلفته المعتبرة، ويمكن أن يؤثر على التوازنات الداخلية للأحزاب.
وهذا ما يفسر معطيين اثنين، أولهما تأخر المشاورات، فرئيس الحكومة فضل لقاء أمناء الأحزاب شكل ثنائي بعيدا عن الأغلبية الحكومية، آخذا بعين الاعتبارات مجمل الإكراهات التي تمت الإشارة إليها، وثانيهما أن الذي تحدث عن التعديل الحكومي هما حزبان فقط، العدالة والتنمية بإجمال في تصريح نائب الأمين العام لحزب عقب لقاء للأمانة العامة، أوضح فيه أن قيادة الحزب «استحضرت الرهانات التي أكد عليها الخطاب الملكي لعيد العرش وتقدمت بأفكار ومقترحات قاربت الهيكلة وشروط تحقيق النجاعة أكثر في العمل الحكومي»، والتقدم والاشتراكية من خلال خروج سياسي قوي وضع فيه مقاربته للتعاطي مع موضوع التعديل الحكومي، واشترط أن يندرج ضمن ضخ نفس ديمقراطي جديد. ومع أن المعطيين المذكورين لا يكفيان لبناء تصور تفصيلي حول طبيعة التعديل الحكومي المرتقب، إلا أنهما يشيران إلى ملامحه الأساسية وخلفياته السياسية. فواضح من خلال تصريح نائب الأمين العام للعدالة والتنمية، أن تقليص حجم الحقائب الوزارية، سيفضي إلى تغيير بنية الحكومة وتركيبتها، على الأقل في البعد الهيكلي، وإن كان الإطار الهيلكي لا ينفصل عن السياسي، وهذا سيتناسب مع بعض التصريحات التي كان رئيس الحكومة أدلى بها حول وجود مشاكل الانسجام بين بعض الوزراء وبين كتاب الدولة، ملمحا بإمكانية التخلي عن كتاب الدولة. لكن الأمر في تقديري قد يتعدى ذلك إلى ما هو أشمل، بحيث يستدعي الإطار الهيكلي تأثيرا جوهريا في بنية الحكومة التحالف الحكومي، لاسيما إن استحضرنا المعطيات الأخرى التي تحدث فيها رئيس الحكومة، وبالأخص حديثه ضعف في أداء بعض الوزراء في بعض القطاعات وعدم ارتياح الجهات العليا لأداء وزارة التربية والوطنية ووزارة الصحة، مما يمكن أن يوتر الأجواء داخل الأغلبية ويفجرها.
وفي هذا السياق يمكن أن نفهم الخروج السياسي للأمين العام للتقدم والاشتراكية، نبيل بن عبد الله، فخلفيات التعديل الحكومي السابق، وإعفاء كاتبة الدولة في الماء وهي قيادية في الحزب، يشير إلى شعوره بنوايا إخراجه من الحكومة، وربما يدرك اليوم أن هذا التعديل الحكومي سيكمل بشكل تكتيكي مسار تفكيك إرث التفاهم الاستراتيجي بين بنكيران الأمين الام السابق للعدالة والتنمية ونبيل بن عبد الله الأمين العام للتقدم والاشتراكية.
مضمون موقف بن عبد الله، أن الحزب لن يتصرف من منطق المترقب، الذي يمتص التكتيكات التي تستهدفه، ولكنه سيتصرف بموقف المبادر، الذي يضع نوايا حليفه السياسي في ميزان مشترطاته الديمقراطية وتعاقداته التحالفية السابقة، وبالأخص مشمولها المركزي الخط الإصلاحي ودعم المسار الديمقراطي، فبن عبد الله، يريد أن يضع رئيس الحكومة، في ورطة الاختيار، بين المحافظة على حكومته بأي ثمن، ولو بالتفريط في حليف حزبه الاستراتيجي التقدم والاشتراكية، وبين العودة لشروط سلفه بنكيران، في وضع المحددات الديمقراطية شرطا لبناء حكومة جديدة قادرة على تنفيذ تطلعات الملك في «مشروع تنموي جديد» ينهض بالبلاد، واقتراح كفاءات سياسية قادرة على مواكبة هذا المشروع وضمان نجاعته.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: