صلاح بوسريف: هناك مشارقة يعتقدون أن المغرب بلا شِعر

الكاتب المغربي يرى أن الشاعر معني بالسياسة وبالمجتمع، في سياقهما الجمالي لا في سياقهما الآني المحدود، والذي ينتهي بمجرد انتهاء مهمة السياسي.

يشتغل الكاتب والشاعر والأكاديمي المغربي صلاح بوسريف في أكثر من مجال بين كتابة الشعر والتنظير له والنقد وحتى العمل الثقافي والأكاديمي، ما وفر له رؤية خاصة في ما يتعلق بواقع العمل الثقافي والإنتاج الشعري وما يكتب كنقد. “العرب” كان لها هذا الحوار معه لاستقصاء رأيه في عدد من القضايا التي تهم الشأن الثقافي.

  رغم انشغال صلاح بوسريف بالكتابات النقدية وإدارته لمجلة “الثقافة المغربية”، إلا أنه يؤكد في حواره مع “العرب” أن الشعر عنده عمل يومي، واشتغال دون انقطاع، لأنه ورش مفتوحة على المجهول والمفاجئ والمدهش.

وبخصوص جديده يؤكد بوسريف أن هناك أعمالا ستظهر مع ما نسميه بالدخول الثقافي، بينها ديوان شعري بعنوان «لا أحد سواي» وعمل آخر في جزأين وهو «مثالب هوميروس»، إلى جانب دراسات نظرية في الشعرية، وكتاب البيانات الشعرية، والجزء الرابع من الأعمال الشعرية.

الحاجة إلى الشعر

دائما ما كانت الحرية في التعبير طريقا شعريا سيارا للبحث عن الجديد والتجدد، وقد تعامل صلاح بوسريف الشاعر مع هذا المعطى كمحدد للإبداع والشعر، فحين تنتفي فيه الحرية حتما ستنتفي فيه الشعرية وينتفي فيه الجمال، والحق في أن تقول ما تريد.

فالشعر بهذا المفهوم الذي يعرفه بوسريف، هو ما يمنح الوجود معناه الأنطولوجي، أي يجعل الإنسان هو من يمسك بزمام هذا الوجود، يخلق ويبتدع كينونته فيه، بمعنى أن الإنسان لا يكون تابعا، أو يمكن التحكم فيه عن بعد.

وإذا كانت الحرية مبتدأ ومنتهى العملية الشعرية فهي مرتبطة بالجمال والشاعر معني بالواقع جماليا، كما يقول صلاح بوسريف، لأن الجمال يجر خلفه الحق والعدل والمساواة، وغيرها من الأمور التي يمكن التعبير عنها في السياسة بلغة مباشرة تخلو من التعبيرات المجازية التي تخترق الجسم والنفس معا، ويكون تأثيرها عميقا، بعكس الخطابات المباشرة، فهي آنية نفعية، وغاياتها محدودة.

حين نصبح أسرى للقواعد والأنساق في الشعر، أو لما هو من ابتكار آخرين سابقين فنحن نلغي وجودنا

ويضيف الشاعر “حين نصبح أسرى للقوانين والقواعد، وللأنساق في الشعر، أو لما هو من ابتكار آخرين سابقين علينا، لهم فكرهم، ولهم خيالهم، ولهم إيقاعاتهم، ولهم زمانهم، فنحن نلغي وجودنا، نصير مجرد ظلال لأشياء أخرى، لوجود آخر جرى أو يجري خارج وجودنا، أي أننا نكون مجرد صدى لهذا الذي ابتدع وابتكر وتخيل وغنى، وهذا في الشعر، وهذا غير مقبول”.

ويتابع “الشعر بهذا التوسع في التجربة الحياتية إلى اليوم، هو الذات الشاعرة، وهي تتنادى وتتصادى مع ماضيها، مع جراحها وخدوشها الشخصية، والآخر، أكيد، حاضر في تعالقه وتشابكه مع هذه الذات الجريحة التي تنْكأ جراحها بقول الشعر، أو بكتابة الشعر، لكن، في سياقه التعبيري الجمالي، دائما”.

وعلى المستوى المغربي توجد تجارب كبرى، وفيها اختراقات، ولهذا يؤكد بوسريف عدم الالتفات إلى قراءات بعض المشارقة الذين اعتقدوا أن المغرب ليس فيه شعر، لأن هؤلاء، أساسا، يرون الشعر هو ما يكتبونه هم، وهذا فيه جناية على الشعر المغربي، وعلى الشعر عموما، موضحا أن هؤلاء يكتبون أمورا لم تعد قادرة على تخطي ماضيها، والمستقبل بالنسبة إليهم هو هذا الماضي الذي استغرقهم.

ولهذا السبب يجد الشاعر المغربي، أنه لا حاجة لنا إلى من يضعون الشعر في قفص ذواتهم، أو في قفص مشرق شاخ وهرم، وبات عليه أن يجدد دمه، ويعتبر الشمس تأتي من أكثر من مكان.

الواقع الثقافي

الشاعر والمثقف دوما ما كانا متفاعلين مع أحداث مجتمعهما وتحولاته، ولهذا نسأل صلاح بوسريف، عن تفاعله مع ما عرفه العالم العربي منذ هبة 2011، التي لا تزال مستمرة في الزمن العربي الحالي، فيقول ، “لقد كنت في قلب تلك العاصفة، وعبرت عن موقفي، وقمت بتحليل ومناقشة ما يجري، وانتصرت لحق الشعوب في الحرية والديمقراطية، وكنت ضد سرقة العسكر للثورات بالقوة، أو سرقة الإسلامويين لها، لأنها جاءت من الشارع، رغبة في التغيير، في أن تعيش الشعوب بكرامة، وأن تخرج من أقفاص الاستعباد والاستبداد”.

ويصر بوسريف على القول إنه كمثقف ليس خارج المجتمع، أو يعيش فيه من خارجه، قائلا “أنا جزء منه، وقلقه هو قلقي، وأنا أعيش نفس الظلم الذي يعيشه جميع الناس، ثم إنني لست مثقفا منطويا على نفسه، فأنا أعيش حياتي بين الناس، رغم ما أرغب فيه من خلوات لأقرأ وأكتب وأتأمل”.

لا حاجة لنا إلى من يضعون الشعر في قفص ذواتهم
لا حاجة لنا إلى من يضعون الشعر في قفص ذواتهم

ولهذا يخلص بوسريف إلى أن الشاعر معني بالسياسة وبالمجتمع، في سياقهما الجمالي، لا في سياقهما الآني المحدود، والذي ينتهي بمجرد انتهاء مهمة السياسي.

يقول بوسريف “المثقف المغربي والعربي، استقال، صمت، انزوى، وقليلون من لا يزالون يقاومون ثقافيا وسياسيا، ويقولون ما ينبغي أن يقال، ويحرجون الأنظمة، ويتأملون ما يجري حولهم، والغالبية، ينتظرون متى يشتعل النور داخل مغارة لا يصلها نور، وهذه من معضلات الثقافة والمثقفين عندنا”.

في هذا السياق وارتباطا بكل ما سبق يبرز التساؤل حول مؤسسة اتحاد كتاب المغرب هل ما زال بإمكانها النهوض بمسؤولياتها مع ما تعرفه من أزمات بنيوية متتالية، وهنا يؤكد بوسريف، بأسف أن اتحاد كتاب المغرب منهار، وهو اليوم مؤسسة فارغة من كل شيء.

ويفسر صلاح بوسريف هذه الوضعية بكون الذين تعاقبوا على هذه المؤسسة منذ أواخر تسعينات القرن الماضي إلى اليوم، أفسدوها، وحولوها إلى غنيمة شخصية، ووكالة  للأسفار والعلاقات العامة، وهم في أغلبهم أشخاص دون سؤال ثقافي ولا إبداعي.

ويراهن صلاح بوسريف على المؤتمر الذي سيُعقد في شهر أكتوبر 2019، فهو إما يحيي هذه المؤسسة ويعيدها إلى مكانها الحقيقي، وإما أن يجري التآمر مرة أخرى بوضع أشخاص في غير مكانهم.

يقر بوسريف أن نقد الشعر لم يبدأ بعد عندنا في الثقافة العربية، أغلب، بل جل ما كُتب من دراسات، وما حُرر من أبحاث وأطاريح جامعية، كان يقرأ الشّعر من خارج الشعر ذاته، مرجحا كون المنهج والمفهوم، هما ما يكون حاضرا في البحث وفي الدراسة، بنوع من التطبيق الحرفي لما تمت ترجمته من كتابات وثقافات شعرها هو غير الشعر العربي، ولغتها هي غير اللغة العربية، وخيالاتها هي غير خيالاتنا، وأيضا إيقاعها ليس بالضرورة هو إيقاع وجودنا.

وعليه فالنقد، كما يقول، يعيش أزمة في ذاته، في رؤيته، في مفاهيمه، في علاقته بالشعر، وفي منظوره الاختزالي، الذي يحكمه الإعلام، لا الجمال، أو ما يجري في الشعر من انقلابات، كما سنحتاج إلى زمن لننتبه إليها، وما فيها من مقترحات جريئة، ولها أفقها التعبيري الجمالي المغاير لما هو معروف وسائد، أو يبدو لنا أنه هو الشعر.

ما نسميه نقدا بقي بعيدا عن جوهر الشعر والشعرية، والسياقات الجمالية للشعر، سواء في الشعر المغربي، أو في الشعر العربي، يقول بوسريف، متابعا هو نقد اكتفى بجغرافيات وأسماء محددة تتكرر إعلاميا، وأكاديميا، وفي ما ينشر باسم النقد.

ويضيف “لذلك، إذا أردنا أن نعرف ما يجري في الشعر المغربي، حقيقة، فالدراسات غير مفيدة، لأنها محكومة بالذوات، ولا موضوعية فيها، وهي نوع من التمجيد والإطراء، وإجبار النصوص والتجارب على قول ما ليس فيها، مثل الاستنطاق البوليسي الذي يجبر المتهم على إدانة نفسه، رغم براءته. وهذا لا علاقة له بما تسميه بالحداثة في سؤالك، بل هو تضليل للحداثة، مثل تضليل العدالة”.

وتأسيسا عليه فما يكتبه صلاح بوسريف، شعرا أو نصّا وعملا، هو ما يوجه النظر عندي، أو ما تسميه نقدا، فالنظرية ليست سابقة على النص، بل تمثل له، وهي استنباط، ووصف لما يجري في هذا النص أو العمل، ويستسرل مؤكدا أنه لا يمكن أن نأتي بنظرية ونشتغل عليها لنحولها إلى شعر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: