رئيس الحكومة يستبق الاستحقاقات المقبلة بقص أجنحة المشاغبين داخل حزبه

ظهرت بوضوح الرسائل التي حاول سعدالدين العثماني رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية بثها لخصومه ومعارضيه من داخل حزبه، خلال خطاب ألقاه نهاية الأسبوع في لقاء جمعه بقيادات وقواعد من العدالة والتنمية، بهدف ضمان موقع مريح في مواجهة الاستحقاقات القادمة وعلى رأسها التعديل الحكومي المرتقب.

يركز سعدالدين العثماني رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية جهوده من أجل قص أجنحة المعارضين له داخل حزبه في مسعى لتجنيبه الدخول في صراع مع استراتيجية الدولة في عدد من القرارات من أبرزها  التعليم. وتضمن خطاب العثماني الأخيرة رسائل موجهة بالأساس إلى تيار الأمين العام السابق للحزب عبدالإله بن كيران الذي يعمل على إحياء النزعة الشعبوية من خلال معارضة توجهات الحزب في عهد العثماني.

وحث سعدالدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية،  قيادة وقواعد الحزب على عدم الالتفات إلى الأقلية التي تريد تثبيط عزيمة المشتغلين بحماس وتضحية.

وقال العثماني، في لقاء جمعه مع أعضاء العدالة والتنمية في الخارج نهاية الأسبوع، إن “الحزب لا ينزعج إطلاقا من الآراء المختلفة، لكن شريطة التزامها بالأدب وأخلاقيات الحوار والعمل السياسي” في مسعى لتجنب اتهامه بالإقصاء.

رشيد لزرق: الزعيم يصدر الأوامر حتى لو تعارض ذلك مع قيم الديمقراطية
رشيد لزرق: الزعيم يصدر الأوامر حتى لو تعارض ذلك مع قيم الديمقراطية

وحصر العثماني عدد المشوشين في عشرين فردا مقابل 40 ألف شخص، واصفا ذلك العدد الضئيل من الأعضاء “بالأصوات النشاز” داخل الحزب التي لا يمكن الالتفات إليها. وشدد على “ضرورة التحلي بالحكمة والرشد وأن يكون الحزب جزءا من الحل وليس المشكلة”، مضيفا أن “تنظيمنا هنا من أجل تحمل المسؤولية وليس الشغب، والمواقف عليها أن تكون ناضجة”.

ويقول مراقبون إن العثماني يعمل على قص أجنحة المعارضين داخل حزبه حتى لا يصطدم مشروعه السياسي مع استراتيجية الدولة.

وأكد رشيد لزرق المحلل السياسي والخبير في القانون الدستوري، لـ”العرب”، أن الصراع الدائر حاليا داخل حزب العدالة والتنمية لا يتعلق بتجديد النخب التي تتولى المسؤوليات داخله لأن هذا الأمر يفرض تجديد الأفكار والمشاريع والقيام بالمراجعات اللازمة والنقد الذاتي البناء وفصل المجال الدعوي عن الفضاء الحزبي، وهو ما لا نلمسه في ما يسمى بالنخب الشابة داخل العدالة والتنمية.

وكان الحزب قد أطلق العام الماضي حوارا داخليا بهدف تجاوز مرحلة التشنج والصراع التي نتج عنها إعفاء عبدالإله بن كيران من تشكيل الحكومة وعدم تجديد ولايته لرئاسة الحزب.

وأوضح العثماني أن الحوار الذي أطلق على مستويات مختلفة محلية ووطنية “مر بظروف جيدة”، مضيفا “إننا اقتربنا من قراءة جماعية مشتركة لما جرى وما نحن فيه وما ننتظره في المستقبل”.

وربط عدد من المراقبين تصريحات العثماني بما ينتظره في التعديل الحكومي المقبل من عمل للبحث عن كفاءات جديدة داخل حزبه، لهذا فهو يعمل من الآن على ضبط أي توجه داخل الحزب قد يعرقل استعداداته وخططه للمرحلة خصوصا وأنه من المحتمل أن يتم الاستغناء عن بعض الوزراء المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية.

لكن لزرق أكد عدم وجود كفاءات اقتصادية بارزة داخل حزب العدالة والتنمية تحمل برنامجا اقتصاديا أو حقوقية مؤمنة بحقوق الإنسان وحرية المعتقد ولا قيادي متخلص من الأساطير المؤسسة للجماعة الأم. وأشار إلى أن الديمقراطية الداخلية أفرزت ارتباطا عاطفيا بشخصيات قيادية تحت مبرر انتصار “الزعيم” الذي يحق له إصدار الأوامر والنواهي، حتى ولو جاء ذلك ضد قيم وروح الديمقراطية وعارض الحريات والحقوق.

وهذا ما وقع لجناح بن كيران داخل حزب العدالة والتنمية، وفق لزرق الذي اختزل الديمقراطية في التمديد لشخص بن كيران مرجعا ذلك إلى جملة من الأسباب منها غياب مفهوم الديمقراطية المرتبطة بالمؤسسات وحصر مفهوم التعاقد في الولاء الأعمى للزعيم، وهو ما يجعل أي رأي مخالف لرأي الزعيم خيانة عظمى، وهذا المفهوم هو ما حاول بن كيران تكريسه في لاوعي شباب حزب العدالة والتنمية.

وأوضح العثماني أن العدالة والتنمية يتخذ القرارات الضرورية على حساب ما تقتضيه أنظمته الداخلية مشددا على أن حزبه يتسم “بالنضج والمسؤولية لذلك ينبغي أن تكون مواقفه وردود فعله ناضجة وتساعد أن نسير نحو الأمام لكي نكون جزءا من الحل في الأزمات التي تطرح وليس جزءا من المشكلة”، وذلك في إشارة من العثماني إلى وضع حد لتدخلات بن كيران في توجيه اختيارات الحزب كما حاول في مسألة قانون التعليم.

من جهة أخرى، يرفض العثماني تعديل الفصل 47 من الدستور واصفا المطالبين بذلك بأنهم يائسون من منافسة حزب العدالة والتنمية وبدل أن يتوجهوا إلى المواطنين والعمل السياسي الجاد يطالبون بتغيير نمط الاقتراع ويريدون إغلاق الأبواب في وجه العدالة والتنمية.

وكانت أصوات قيادات البعض من الأحزاب السياسية قد تعالت للمطالبة بتعديل الفصل 47 من الدستور، حيث يقوم الملك بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول في الانتخابات التشريعية.

Thumbnail

ويرى مراقبون في هذه الخطوة حدا من حضور حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة لولايتين متتاليتين، ويبرر أصحاب التعديل بأن التعددية الحزبية بالمغرب تحول دون وجود حزبين فقط يهيمنان على الحكومة وهو ما يدعو إلى التعديل.

وقال العثماني إن هناك من لا ينظر إلى تأسيس حزب سياسي على أساس أنه تنظيم له أفكار ورؤيا بل فقط وسيلة لخوض انتخابات 2021، التي سيشتد التنافس فيها وأحيانا تستعمل فيها وسائل غير منطقية وغير قانونية ضد العدالة والتنمية، قائلا “نحن واعون بهذا ونعرفه، مثل من يتكلم باستمرار على خطر الولاية الثالثة، ولا ينظر إلى خطر الفقر والبطالة”.

ويعتقد مراقبون أن العثماني خاطب قواعد وقيادات حزبه مهاجما خصومه السياسيين وعينه على الانتخابات المقبلة، وهو ما يناقض تصريحات لقياديين داخل العدالة والتنمية بأن الأهم عند الحزب ليس الانتخابات في حد ذاتها بل خدمة المواطن. وأشار العثماني إلى وجود فئة من الطبقة السياسية لا تتوفر على نضج كاف، وهذا يشكل تحديا لأعضاء العدالة والتنمية.

ونظرا إلى أن هاجس وحدة حزب العدالة والتنمية بدأ يقض مضجع قياداته وحتى لا يستغل الخصوم خرجات البعض وعلى رأسهم بن كيران، الذي هاجم مؤخرا قياديا بالتجمع الوطني للأحرار واصفا إياه بـ”الحقير”، فقد حث العثماني الجميع على أن يحافظوا على توازنهم وأن يردوا على خصومهم “بالأمور المعقولة والمنطقية والأخلاقية الراقية”.

وأضاف العثماني “سنبقى هكذا وأسلوبنا المتحضر الهادئ سيهزم جميع الأساليب الأخرى المرعونة”، مشترطا حفاظ أعضاء الحزب على وحدتهم وتماسكهم وقوتهم الداخلية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: