إيران وأميركا: تصعيد قد يخرج عن السيطرة

أثار إعلان الإدارة الأميركية فرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف مخاوف المراقبين من اقتراب البلدين من المواجهة العسكرية وإغلاق طريق الدبلوماسية لحل قضية الملف النووي الإيراني. ولكن الحقيقة أن تلك العقوبات ليست بداية للحرب بقدر ما هي استمرار لاستراتيجية تشديد العقوبات إلى أقصى قدر ممكن بصورة تدفع طهران للاستسلام.

لا تزال واشنطن غير راغبة بالحرب مع طهران بسبب عدم فاعليتها وتكلفتها الكبيرة وعواقبها الخطيرة. أوضحت تجربة الولايات المتحدة خلال العقود الثلاثة الماضية أن الحرب تكون فعّالة في تغيير النظام المعادي في حالة واحدة فقط، وهي الغزو العسكري الشامل. لا يمكن لحرب محدودة التكلفة تعتمد على القصف الجوي أن تغيّر النظام.

جرّبت الولايات المتحدة الحرب المحدودة مع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش حيث قصفت قواته على مدار أسابيع متواصلة إلى أن انتهت قائمة الأهداف العسكرية دون أي تغيير يذكر في سياسة ميلوشيفيتش. وكذلك الحال مع نظام صدام حسين إذ رغم القصف المتكرر للعراق لم تنجح واشنطن في تغيير النظام إلا عن طرق الغزو العسكري المباشر في العام 2003 بعد عامين فقط من غزو أفغانستان والإطاحة بنظام طالبان.

في كلا البلدين، غرقت الولايات المتحدة في حرب لا نهاية لها، ولم تتمكن من تأسيس نظام قوي موال لها، بل اقتصرت ثمار حربها المكلفة على حكومة هشة لا تستطيع التصدي لهجمات طالبان في أفغانستان وتحتاج لتواجد مستمر للقوات الأميركية، وحكومة موالية للنظام الإيراني في العراق.

ما يميز إيران عن الدول السابقة هو أنها تدير جيشا من الميليشيات خارج حدودها، في لبنان والعراق واليمن وسوريا وأفغانستان. ينتشر نحو مئة وخمسين ألفا من قوات الحرس الثوري الإيراني مباشرة في تلك البلدان. يزيد ذلك من تعقيد وتكلفة الحرب وتداعياتها ليس فقط على الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل بل على عدد من الدول العربية والمنطقة بصورة عامة.

وفضلا عن العواقب الأمنية والعسكرية، لا تبدو العواقب الاقتصادية أقل أهمية إذ ستتسبب أي حرب، مهما كانت محدودة، بإغلاق مضيق هرمز، حيث يمر عبره نحو 30 بالمئة من إنتاج النفط العالمي. وفوق كل ذلك، يوجد رفض شديد لدى الرأي العام الأميركي لتورط بلادهم في أي حرب جديدة بعد التجربة المريرة في العقدين الماضيين.

من الواضح عدم وجود قرار لدى الولايات المتحدة بشنّ الحرب على طهران وهو ما يلزمها بمواصلة تصعيد العقوبات وابتكار وسائل جديدة وقد تبدو “صبيانية”، كما وصفها الرئيس الإيراني حسن روحاني

هكذا، ورغم انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على طهران، بل ومواصلة تصعيد تلك العقوبات، طالما أكدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنها لا تريد الحرب مع إيران وأنها منفتحة على مواصلة الحوار دون شروط. وتقصد بذلك التفاوض مع طهران وهي رازحة تحت وطأة العقوبات، تماما كما فعلت إدارة أوباما من قبل.

وقد أعادت أميركا التأكيد على الطريق الدبلوماسي بعد استهداف جواد ظريف بالعقوبات، مؤكدة أن الخطوة لا تعني إغلاق الباب أمام محادثات نووية محتملة مع طهران، ذلك أن ظريف لا يعتبر أحد صانعي القرار داخل النظام الإيراني. هكذا، تأتي العقوبات على ظريف ضمن استراتيجية الاعتماد التام على العقوبات الاقتصادية كبديل عن الحرب. إذا أرادت أميركا تجنب الحرب، فعليها استخدام سلاح العقوبات بصورة غير مسبوقة بالتاريخ، وهو ما بدأ يحصل مع طهران اليوم ويتوقع أن يستمر.

ضمن هذا الإطار، يمكن فهم تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية في شهر أبريل الماضي ليكون القرار الأول من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة، إذ لم يسبق للأخيرة أن صنفت مؤسسة رسمية داخل نظام معاد لها بأنها إرهابية. كما استهدفت واشنطن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي بالعقوبات الشهر الماضي.

لكن احتمال الحرب يبقى قائما وليس ذلك بسبب الخطوات الأميركية بل بسبب استراتيجية إيران التي لخصها جواد ظريف، المستهدف بالعقوبات الجديدة، قبل نحو شهر بقوله: “لا يجب أن تظن أميركا أنها ستبقى آمنة”. تصريحات مماثلة من رجال النظام الإيراني والحرس الثوري هددت دول الخليج العربي. ألحقت إيران تصريحاتها بالأفعال، إذ خطّطت ونفّذت سلسلة من الهجمات على مواقع نفطية وناقلات نفط في دول الجوار وأسقطت طائرة استطلاع أميركية واحتجزت ناقلة نفط بريطانية. ومن المرجح أن تواصل إيران تحرشاتها العسكرية منخفضة المستوى تلك.

غير أنه من الواضح تماما عدم وجود قرار لدى الولايات المتحدة بشنّ الحرب على طهران وهو ما يلزمها بمواصلة تصعيد العقوبات وابتكار وسائل جديدة غير مسبوقة وقد تبدو “صبيانية”، كما وصفها الرئيس الإيراني حسن روحاني. وفضلا عن توظيف أنواع جديدة من العقوبات، استخدمت واشنطن الحرب الإلكترونية ردا على إسقاط إيران لطائرة الاستطلاع الأميركية من خلال هجوم إلكتروني استهدف تعطيل أنظمة القيادة والسيطرة الإيرانية.

هل يمنع ذلك الحرب بصورة قاطعة؟ طبعا لا. ذلك أن معظم الحروب في تاريخنا الحديث كانت قد بدأت بسبب حوادث غير مقصودة، أو بسبب تصعيدات محدودة غير مباشرة تسببت، كحجر الدومينو الأول والصغير، في سلسلة تصعيدات متتالية وصولا للانهيار.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: