تنامي الإجرام بالمغرب …من حق جاليتنا المطالبة بالأمن و الأمان

الإرهاب الذي أود الحديث عنه هنا ليس إرهاب مجموعات ملتحية ترتدي جلابيب فوق الكعب ‏وتتسلح بسيوف مشحوذة لامعة. الإرهاب الذي أسرد معالمه هنا ليس إرهاب القاعدة أو إرهاب ‏السلفية الجهادية أو إرهاب جيش المهدي… هذا الإرهاب سال بشأنه في المغرب مداد غزير ولازال. ‏هذا النوع من الإرهاب أقام الأرض وأقعدها لأنه مغلف بغلاف البطالة و انعدام التربية .

هذا الشكل من الإرهاب لازالت أقلام الصحفيين المسخرين تكتب عنه وتلصق تبعاته ‏بالمجتمع و العائلة  أو على الأقل تحملها المسؤولية المعنوية. سندع هذا النوع من الإرهاب على ‏خطورته جانبا لنتحدث عن إرهاب أخطر أصبح متفشيا في المغرب، إرهاب يهدد المواطنين ‏المغاربة العاديين.‏

التشرميل” في الأصل مصطلح باللهجة المغربية يستخدم في الطبخ ويعني تتبيل اللحوم، وعادة تحضر هذه “التتبيلة” عند الجزار الذي يستخدم سكاكين كبيرة. وهذه السكاكين وأحيانا السيوف هي ما يميز أصحاب هذه الظاهرة الذين يسمون “المشرملين” (أي المُتبلين). ويتميزون أيضا بارتداء الأحذية الرياضية من العلامات العالمية مثل علامة Nike Air Max وركوب الدراجات النارية الكبيرة والساعات الفاخرة وقصات الشعر المقلدة لمشاهير لاعبي كرة القدم.

حتى أن بعضهم يذهبون أبعد من ذلك ولا يترددون في أن يعرضوا على فيس بوك غنائمهم التي يدعون أنهم سرقوها خلال النهار، مجوهرات وأوراق نقدية وغيرها. وتبدو ظاهرة “التشرميل” كأنها موضة، وقد ظهرت فجأة منذ أربعة أشهر في الدار البيضاء. يراها البعض ترفيهية وعلى صفحات فيس بوك المختلفة الموجودة عن التشرميل تظهر فتيات وفتيان وهم يعرضون أحذيتهم الرياضية أو ملابس كرة القدم الجديدة مثل أي مراهق عادي، لكنها خطرا حقيقيا على الآخرين الذين يرون فيها علاقة مباشرة بارتفاع معدلات الإجرام والانحراف في الدار البيضاء.

انعدام الأمن في الدار البيضاء كما في بقية المدن المغربية الكبرى ليس بالأمر الجديد. وهو لم يظهر مع أصحاب التشرميل فقط. فالاعتداءات الشخصية والسطو المسلح من المشكلات السائدة في البلد منذ سنوات عديدة. ولا عجب في ذلك بالنظر إلى الفوارق الاجتماعية التي تنخر في المجتمع.
في وطني الذي تركته خلف المحيط، كانت إلى وقت قريب الآمال في أن يحدث التوافق السياسي ‏وتكليف حكومة وطنية بتسيير الشأن العام، كانت هذه الآمال كبيرة في إحداث تغيير جدري في كل ‏المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كنا نأمل في أن يصبح المغرب النموذج لدولة ‏في طريق النمو تسير بخطى حديثة نحو الحداثة، النموذج لدولة تسخر جميع طاقاتها للخروج من ‏التخلف والفقر والأمية والبطالة. كنا نأمل بأن نجد المغرب حين نعود إليه بعد سنوات من الغربة ذاك ‏المغرب الذي ارتسمت معالمه دائما في مخيلتنا: مغرب الأمن والأمان، مغرب التلاحم والتضامن، ‏مغرب الخصوصيات الجميلة الذي ظل يعرف بها على مدى العصور. ‏
‏ لست من العدميين الذين يحكمون على الأشياء بسلبية مطلقة، فالعهد المحمدي السادس حقق فعلا ‏تقدما لا يستهان به في عدد من المجالات لا يتسع الوقت هنا لسردها. لكن ما قيمة كل ذلك حين يسلب ‏الأمن من المواطنين ويحسون بأنهم مهددون في كل خطوة يخطونها خارج بيوتهم أو حتى داخل ‏بيوتهم؟ ما قيمة كل ذلك حين ينتشر الرعب في أوساط المواطنين بسبب تفشي ظاهرة الاعتداء ‏بالسلاح الأبيض على الأبرياء من نساء وشيوخ لا قدرة لهم على المواجهة. وحتى إن كانوا قادرين ‏على المواجهة، من سيواجهون؟ منحرفين حشاشين يخضعون لتأثير المخدرات وأقراص (القرقوبي) ‏ويتسلحون بسكاكين وسيوف لا يترددون في إشهارها واستعمالها إن اقتضى الأمر ذلك حتى يفلتوا ‏بغنيمتهم التي يسرقونها. والغنيمة في الغالب هي محفظة نقود أو هاتف خلوي أو محفظة بها شيكات ‏وأوراق إدارية مهمة أو حلي من الذهب تتزين بها امرأة أو… ‏

الامر الذي أثر سلبا على جاليتنا بالخارج ، فمغاربة العالم اصبحوا يعيشون فلم رعب كلما اقتربت العطلة الصيفية ، لا يتكلمون الا على الجرائم  التي ارتكبت و ترتكب في واضح النهار بالمغرب ، فالشباب المغربي ظل الطريق بين أقراص الهلوسة و المخدرات  الى حد اصبح يعرض نفسه و عائلته و مجتمعه الى اخطار اجتماعية و سياسية و اقتصادية .

معظمهم اصبحوا يقضون عطلتهم الصيفية في اسبانيا او تركيا بدلا من وطنهم المغرب ، وطنهم الذي اصبحوا مهددين فيه بكل الوسائل ، أينما حل المهاجر المغربي يعتبر غنيمة لبعض المجرمين ، الذين باتوا يبحثون عن اَي طريقة لجلب المال .

أين هو جهاز أمننا من كل طموحاتنا وتطلعاتنا بمستقبل زاهر؟ أين هو جهاز أمننا من تشدق ‏مسئولينا بأن الأمان والطمأنينة تنتشر في كل جنبات ربوع الوطن؟ أين هو جهاز أمننا من إرهاب ‏المواطنين العاديين وسرقة أموالهم وأغراضهم في وضح النهار؟ ثم ما قيمة رصد الميزانيات وتغيير ‏وزراء الداخلية والعمال والقياد ورجال الأمن الكبار إن كان الأمن نفسه منعدما بين المواطنين؟ ‏
إنني لا أتحدث عن أحداث معزولة هنا أو هناك في المغرب. إنني أتحدث عن ظاهرة تفشت في ‏المدن المغربية، خصوصا الكبيرة منها كمدينة الدارالبيضاء. أتحدث عن التعرض للمواطنين في ‏وضح النهار وتهديدهم بالسلاح الأبيض وضربهم وجرحهم وسلبهم ما يحملونه في أيديهم. وحين ‏أقول إنها ظاهرة فإنني لا أبالغ، ففي العائلة الواحدة قد تجد أكثر من فرد من أفرادها تعرض لإرهاب ‏مباشر وسرقت منه أغراضه خلال الشهور القليلة الماضية. هذا كله ولا من يحرك ساكنا في جهاز ‏أمننا الذي يظهر أنه انشغل بإلقاء القبض على أصحاب اللحى وحراسة الملاهي الليلية والفنادق ‏الفاخرة وبيوت المسئولين الكبار وسفارات الدول العظمى وترك المواطن المغربي في مواجهة ‏المنحرفين أصحاب السوابق والمتعاطين للمخدرات التي أغرقوا بها البلد. ‏
أينكم يا وزراء التناوب؟ أين أصوات المنتخبين داخل قبة البرلمان؟ أين أقلام الصحفيين في ‏الجرائد الحزبية؟ أينكم لتنددوا بظاهرة خطيرة ستحصد الأخضر واليابس؟ ‏
ستقولون إن ظاهرة اعتداء المنحرفين على المواطنين العاديين ظاهرة معقدة ترتبط بما هو ‏اقتصادي واجتماعي وسياسي… إلخ. وككل مرة ستقولون لنا إن ما أفسد في أربعين عاما السابقة  يستلزم وقتا طويلا للخروج بالمغرب من الصدمة القلبية التي أصبح يعيشها. لكن ‏حراس أمنكم كانوا دائما أقوياء يضرب بهم المثل، وفي عهد الوزير السيئ الذكر إدريس البصري ‏كان البوليس المغربي أقوى بوليس في العالم المتخلف والعالم المتحضر على حد السواء. ‏
لو كان أمن المواطنين من أولويات همكم لقضيتم على هذه الظاهرة أو على الأقل انتبهتم إلى ‏شكاوى المواطنين التي قطعت المحيط لتصل إلينا هنا في ديار الغربة. لكن همكم هو ذر الرماد في ‏العيون عبر تزويق وتزيين الواجهات، أما الداخل فهو متعفن فاسد ينذر بتفشي الظواهر السيئة وإفساد ‏كل شيء. أفيقوا من غفلتكم يا من لا يهمهم من مناصبهم في جهاز الأمن سوى البذلة الرسمية ‏والسلطة لاستغلالها قصد تحقيق المصالح الشخصية. أفيقوا وتوقفوا عن ترديد عبارة: (بعدي ‏الطوفان). إن المسألة ترتبط بوطن ومواطنين يعيشون تحت راية دولة يجب أن يكون من أولويات ‏أولوياتها تثبيت الأمن والأمان والسلام. ‏

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: