الصراع على السلطة عقبة أمام طي صفحة الماضي في الجزائر

لم تتمكن الجزائر عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، من طيّ صفحة الماضي والمرور إلى مرحلة جديدة تكون فيها الكلمة الفصل للإرادة الشعبية، فالمؤسسة العسكرية تتمسّك بوجوب إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 4 يوليو المقبل، فيما يرفض الحراك الشعبي والمعارضة هذا التمشي مطالبين بفترة انتقالية، لا يؤمنها رموز النظام السابق، ليصبح جدل الانتخابات الرئاسية بمثابة المحرّك الرئيسي لكل تطورات الساحة السياسية الجزائرية في الفترة الراهنة، بعد أن تحول إلى حلبة صراع حقيقية بين الأطراف المتنافسة على السلطة.

تعيش الجزائر ما يشبه حالة الانسداد في الأفق السياسي، بسبب تمسك السلطات بتنظيم الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو، ورفض الحراك الشعبي والمعارضة أي اقتراع تحت إشراف رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

هذا الجدل المستمر منذ تنحي بوتفليقة عن السلطة، ألقى بظلاله على المستقبل السياسي للبلاد الذي ظل في الوقت الحالي رهين تعنّت كل طرف بموقفه، فبينما يرى بعض المطلعين على سير الأحداث في الجزائر أن المخارج موجودة وأن كلمة جيش ستكون فاصلة وحاسمة، يعتبر البعض الآخر أن عقبة الانتخابات الرئاسية ستزيد في تعقيد الوضع والسير بالبلاد في نفق مجهول.

وتفاقم جدل انتخابات الرئاسة، بعدما جدد رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح الأسبوع الماضي الدعوة للفاعلين السياسيين في البلاد إلى حوار، للتوافق حول الشروط الكفيلة بضمان نزاهة الانتخابات الرئاسية.

وألحت المؤسسة العسكرية في مناسبات متتالية على الإسراع في الخروج من الأزمة عبر انتخاب رئيس شرعي يتولى تحقيق كافة “المطالب المشروعة للشعب الجزائري”.

وفي المقابل، يرفض الشارع وأحزاب المعارضة الذهاب إلى هذه الانتخابات بإشراف رموز نظام بوتفليقة عليها وغياب “آليات ضمان نزاهتها”، مطالبين بفترة انتقالية تقودها شخصيات توافقية قبل انتخاب الرئيس المقبل.

ويتخوف الحراك الشعبي من أن يكون إجراء الانتخابات الرئاسية في الموعد المذكور خدعة جديدة، وورقة أخيرة وهامة للقيام بتزويق النظام السابق وإعادة تأهيله لحكم البلاد بأسماء وأشكال جديدة.

تقدم الإجراءات

محمد أرزقي فراد: الانسداد الحاصل مرده "تعنت المؤسسة العسكرية"
محمد أرزقي فراد: الانسداد الحاصل مرده “تعنت المؤسسة العسكرية”

استدعى الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح في 9 أبريل الهيئة الناخبة تحسبا للرئاسيات المقبلة، وفقا للإجراءات المنصوص عليها في دستور البلاد.

وأنهت معظم بلديات الوطن عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية، بينما قاطعت حوالي 40 بلدية من أصل 1541 العملية، مؤكدة انخراطها في الحراك الشعبي.

وأعلنت وزارة الداخلية الأربعاء عن استلام 68 طلبا لراغبين في الترشح للرئاسيات استمارات اكتتاب التوقيعات الفردية، قبيل انتهاء المهلة الدستورية، لإيداع ملفات الترشح للمجلس الدستوري، والمقررة في 20 مايو الجاري.

وباستثناء اللواء المتقاعد علي غديري، ورئيس حزب التحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي، ترفض بقية الأسماء المشاركة في هذه الاستحقاقات.

وبحسب ما نقله التلفزيون الجزائري الرسمي، استقبل، الخميس، بن صالح رئيس الوزراء نورالدين بدوي، أين شدد على “توفير ظروف إنجاح الاستحقاقات المصيرية”.

في ظل تمسك مؤسسات الدولة بالمسار الدستوري للانتخابات المقررة في الرابع من يوليو المقبل، تصر الطبقة السياسية المعارضة وجزء واسع من الحراك الشعبي على تجاهل دعوة بن صالح للحوار وإجراء هذه الاستحقاقات.

ويتشبث المحتجون بمواصلة التظاهر في الشارع كل جمعة، تعبيرا عن رفضهم لتنظيم هذه الانتخابات في ظل بقاء بن صالح وبدوي في السلطة. ويعتبر المتظاهرون أن الرجلين من بقايا نظام بوتفليقة ولا “ثقة فيهما لتنظيم انتخابات نزيهة وديمقراطية”.

وعبرت قوى معارضة، منضوية تحت مسمى “تحالف قوى التغيير من أجل نصرة خيار الشعب”، عن “رفضها المطلق للحوار مع بن صالح وبدوي، باعتبار أنهما يفتقدان الشرعية الشعبية”.

ومن بين الوجوه المطروحة بقوة من قبل الشارع الجزائري المحتج للمشاركة في قيادة المرحلة الانتقالية، رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور الذي أكّد على وجوب ذهاب الجزائر نحو مرحلة انتقالية يتم فيها تركيز حكومة توافق وطني تقتصر مهامها السياسية على تسيير المرحلة وتصريف الأعمال، قصد تحقيق تغيير سياسي يراعي مطالب الشارع الجزائري.

وفي السياق نفسه، يقول المحلل والناشط السياسي محمد أرزقي فرّاد إن الانسداد الحاصل مرده “تعنت المؤسسة العسكرية، التي تصر على تنظيم الانتخابات طبقا للمادة 102 من الدستور، التي تكرس بقاء هذا النظام”.

ويشير فرّاد إلى أن “الجزائر تعيش ثورة، ومنطق الثورة يقتضي مرحلة انتقالية، تنهي بقايا النظام في الحكم وتضع لجنة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات”، معتبرا أن الذهاب إلى انتخابات بالآليات الحالية هو “انتحار”.

ويؤكد فرّاد أن مبادرات عديدة طرحت “بما فيها حل في إطار دستوري، من خلال تعيين شخصية توافقية على رأس المجلس الدستوري، تعوض بن صالح، الذي يقدم استقالته من رئاسة الدولة”. ويضيف “للأسف المؤسسة العسكرية متمسكة بمسار الدستوري الحالي”.

مواصلة الحراك

خالد شبلي: تأجيل الانتخابات هو الحل في حالة عدم استيفاء الشروط
خالد شبلي: تأجيل الانتخابات هو الحل في حالة عدم استيفاء الشروط

يرى النائب الأسبق عن حزب “جبهة القوى الاشتراكية” (يساري) أن “الحل يكمن في مواصلة الحراك الشعبي السلمي، حتى يقتنع الجيش بضرورة تغيير رئيس الدولة ورئيس الوزراء، ووضع آليات كفيلة بنزاهة الانتخابات”.

وترفض المؤسسة العسكرية الذهاب نحو مرحلة انتقالية خارج “الشرعية الدستورية”، وترى فيها مغامرة تفتح “باب الفوضى والخراب”، على البلاد.

وهذا الرفض الأخير اقتنصته وفق العديد من المراقبين مؤسسة الرئاسة المؤقتة ورئاسة الوزراء، للتشبث بإجراء الانتخابات الرئاسية في الموعد المقرر.

وتستند الرئاسة ورئاسة الوزراء لشرعنة مواقفها إلى دعم المؤسسة العسكرية، التي أكدت على لسان قائد أركانها الجنرال أحمد قايد صالح على ضرورة الذهاب إلى الموعد الانتخابي، وترحيل الملفات والاهتمامات المطروحة للرئيس الشرعي القادم ليعالجها.

ووجهت افتتاحية عدد شهر مايو، من مجلة “الجيش”، لسان حال المؤسسة العسكرية، انتقادات لاذعة لدعاة المرحلة الانتقالية. واتهمت أطرافا داخلية لم تسمها “بالضغط على الجيش من أجل الذهاب إلى مرحلة انتقالية على مقاسها، لتمرير أجندات عرابيهم، الذين يكنون الحقد والضغينة للجزائر وشعبها”.

وفي هذا الصدد، يقول السيناتور عن حزب جبهة التحرير الوطني (يترأسه بوتفليقة)، عبدالوهاب بن زعيم، إنه لا يرى في الجدل حول الرئاسيات “انسدادا”.

عبدالوهاب بن زعيم: لا أرى في الجدل الدائر حول الرئاسيات المقبلة انسدادا
عبدالوهاب بن زعيم: لا أرى في الجدل الدائر حول الرئاسيات المقبلة انسدادا

ويوضح بن زعيم أن “مؤسسات الجمهورية الحالية تعمل بالدستور الذي جاء ببن صالح رئيسا للدولة لمدة 90 يوما”، مضيفا “نحن في مسار انتخابي دستوري، والحوار والتشاور اللذان دعينا إليهما يخصان كيفية تشكيل هيئة مستقلة تضمن نزاهة الانتخابات”.

وبشأن عدم ترشح أسماء معروفة للاستحقاقات القادمة، يلفت بن زعيم إلى أن “هناك 68 راغبا في الترشح، والشارع يطالب بوجوه جديدة”، وقال إنه لا يثق في الوجوه المألوفة.

وأمام عدم إعلان شخصيات سياسية من الوزن الثقيل مشاركتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يظل احتمال التأجيل التقني واردا. إذ من الصعب على الراغبين في الترشح، ومعظمهم أشخاص غير معروفين، جمع العدد القانوني من التوقيعات (60 ألف استمارة موقعة).

ويرى الخبير في القانون الدستوري خالد شبلي، أنه “من المنطقي تأجيل الانتخابات في حالة عدم وجود مرشحين يستوفون الشروط القانونية”.

ويقول شبلي إن “هذه الحالة إذا حدثت ستكون جديدة، وستحتاج إلى فتوى دستورية”. ويرجع مقاطعة الشخصيات السياسية التي بإمكانها تكوين ملف سليم للترشح، إلى رفضها لبن صالح وبدوي، وتخوفها من تأجيل مفاجئ كما حدد في الانتخابات الأخيرة التي ألغاها الرئيس المستقيل.

ويعتبر المتحدث أن الانسداد ومهما بلغ لا يشكل خطرا، “فمع بلوغ مستوى معين من النضج السياسي وتصاعد التوافق، يمكن انتقاء خليفة لرئيس الدولة في إطار الدستور، وسيحكم لمدة 90 يوما أخرى”.

واللاّفت في كل خطابات الجيش التي تحدثت عن “انتخابات في أقرب وقت ممكن”، أنها لم تأت على ذكر موعد 4 يوليو المقبل، في تلميح إلى عدم الالتزام بهذا التاريخ الذي دعا إليه رئيس الدولة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: