الفصل 47 من الدستور يقسّم الأحزاب المغربية

انقسمت الأحزاب المغربية بين مؤيد لتعديل الفصل 47 من الدستور ومعارض له، بين من يرى أن الدعوات إلى تغيير تلك المادة تستهدف قطع الطريق على ترأس حزب العدالة والتنمية (إسلامي) للحكومة المقبلة أيضا، في حال تصدره للانتخابات، فيما يرى آخرون أن تعديل المادة 47 سيساهم في تعزيز التجربة الديمقراطية في المملكة.

وتعالت أصوات في الآونة الأخيرة تدعو إلى تعديل المادة 47 من الدستور في المغرب، والتي تتيح للملك تكليف شخصية من الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية بتشكيل الحكومة. ويريد هؤلاء السماح للملك بتعيين رئيس الحكومة من حزب آخر (غير المتصدر)، أو من تحالف أحزاب ربما يمتلك عددا من المقاعد أكثر من الحزب المتصدر.

وتفاعل سعدالدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، مع الدعوات إلى تعديل الفصل 47 من الدستور المغربي، واصفا إياها بمثابة “شهادة يأس” بالنسبة لأصحابها. وتساءل العثماني عما إذا كان المغرب قد حل جميع مشاكله ولم يتبق سوى الفصل 47 من الدستور، داعيا الواقفين وراءها إلى ممارسة العمل السياسي الجاد وإقناع المواطنين بالتصويت عليها في الانتخابات.

وبدوره اعتبر نبيل بنعبدالله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية وحليف لحكومة العثماني، أن الدعوات إلى تعديل الفصل 47 من الدستور التي يكون غرضها التعامل مع نتائج الانتخابات فقط مسألة غير سليمة ولا علاقة لها بمصلحة الوطن.

نبيل بنعبدالله: الدعوات إلى تعديل الفصل 47 من الدستور التي يكون غرضها التعامل مع نتائج الانتخابات فقط مسألة غير سليمة ولا علاقة لها بمصلحة الوطن.
نبيل بنعبدالله: الدعوات إلى تعديل الفصل 47 من الدستور التي يكون غرضها التعامل مع نتائج الانتخابات فقط مسألة غير سليمة ولا علاقة لها بمصلحة الوطن

ولا تبدو الأولوية في طرح هذا التعديل لتعزيز الممارسة الديمقراطية السليمة واستقلالية الأحزاب بقدر البحث عن مكاسب انتخابية. فأن يطفو على السطح هذا النوع من النقاش السياسي مرة أخرى فهذا يعني أننا أمام ما يمكن تسميته بـ”التهرب الدستوري”، قياسا بمفهوم “التهرب الضريبي”، فكما أن التهرب الضريبي غرضه البحث عن أي وسيلة لتفادي ضريبة بوسائل ومهارات متعددة غالبها غير مشروعة، فهناك أحزاب سياسية استخدمت “التهرب الدستوري” كآلية مضمونة عندما رفعت شعار تعديل الفصل 47 للتعبير عن طموح سياسي والوصول إلى رئاسة الحكومة بطريقة ذرائعية لم تفرزها ديمقراطية الصناديق.

وتنص المادة 47 على أنه “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”.

ويبدو التعديل الذي يطالب به السياسيون بمثابة تعطيل لمبدأ التنافس الحر على المقاعد داخل البرلمان التي تؤهل أحد التنظيمات السياسية لرئاسة الحكومة بعد اختيار التحالفات الممكنة حسب الظروف والضرورات التي تفرضها الحالة الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية للبلد، وهو ما تؤكده القراءة المتأنية لعناصر المادة 47 على اعتبار أن المتصدر للانتخابات سيكون عليه لزاما البحث عن تحالفاته من بين الأحزاب الأخرى كما ينص على ذلك الفصل 88 من الدستور.

وتكمن الغرابة في أن المطالبين بالتعديل الدستوري حاليا، كانوا إلى عهد قريب يؤيدونه وقد قدموا مذكرات للجنة الاستشارية الملكية المكلفة بصياغة الدستور لأجل تضمين هذا المكتسب ضمن بنوده، وهو ما كان عندما رسخها دستور 2011 إلى جانب خلق مؤسسة رئاسة الوزراء مع اختيار رئيسها من الحزب المتصدر للانتخاب التشريعية.

وهذا الانحراف من طرف أحزاب كانت تدافع عن التداول السلمي على السلطة، يجعلنا نتساءل مرة أخرى عن السبب وراء هذا الانزلاق السياسي؟

ونستنتج أن الضعف التنظيمي الداخلي للأحزاب وهشاشة التواصل السياسي اليومي مع مطالب وحاجيات المجتمع وتعطيل الآليات الديمقراطية لتسهيل وصول الشباب إلى المراكز القيادية داخل تلك الأحزاب، كلها عوامل تجعلها تشعر بأنها ضحية هوس الصناديق الانتخابية. بمعنى أن طموح تلك الأحزاب إلى قيادة الحكومة يمر عبر تعديل فصل دستوري له أهميته القصوى في ترسيخ ديمقراطية الاختيار الحر، وليس من خلال التباري على المقاعد واكتساب مشروعية انتخابية تفرز طاقات ونخبا تعبر عن نبض الشارع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: