الى أين تذهب اموال الفوسفاط ؟

إن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تعتبر إحدى قاطرات التنمية الاقتصادية بالمغرب.
اسم المكتب الشريف للفوسفاط ظل حاضرا، بشكل أو بآخر، في مختلف النقاشات المهتمة بنهب وهدر المال العام، علما أن الجميع أقر الآن بأن بلادنا عانت على امتداد أربعة عقود من نهب ممنهج للثروات الوطنية في ظل سيادة غياب المراقبة والإفلات من المساءلة. وقد مست هذه الظاهرة مختلف المؤسسات العمومية وشبه العمومية، ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لم تكن خارج الدائرة وإنما في وسطها، والملفت للنظر هو أنه لم يسبق الاهتمام الكافي بالكشف عما طالها من نهب وهدر للمال العام، وهي المؤسسة العمومية المتحكمة في أهم ثروة وطنية، التي عولت عليها البلاد لإرساء أسس التنمية منذ الحصول على الاستقلال في منتصف الخمسينيات.
ومما يستوجب الاهتمام بهذه الإشكالية أن المكتب الشريف للفوسفاط من أهم المؤسسات العمومية، ولأن المغرب في طور الانتقال من نظام دولتي إلى نظام ليبرالي مما يستوجب درجة عالية من الشفافية.
واهتمامنا بإشكالية نهب وهدر المال بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط يتأسس، ليس على الرغبة في التشهير كما قد يتهمنا البعض بذلك، وإنما يتأسس على اعتبار أن نهب وهدر المال العام والسطو عليه وتهريبه هو، أولا وقبل كل شيء انتهاك لحقوق الإنسان، مما ترتب عنه من استشراء للفقر وانتشار البؤس الاجتماعي وحرمان أجيال من المغاربة من فرصة الاستفادة من نتائج التنمية، هذا علاوة على أن نهب وهدر المال العام هو من الجرائم الاقتصادية المخلة بتوازنات المجتمع، أدت ثمنها ولازالت تؤديه إلى حد الآن، شريحة واسعة من الشعب المغربي.

واعتبارا لكون مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تضطلع بمهمة تدبير أهم ثروة طبيعية وطنية في ملك الشعب تقوم بإدارتها الدولة، فإنه من حق المواطن أن يتساءل عن مآل الأموال المجنية منها ووجوه استعمالها وطرق صرفها. في هذا الإطار نفتح من خلال هذا ملف بعض جوانب إشكالية التدبير المالي بالمكتب الشريف للفوسفاط

لحد الآن مازال لم يكشف عن أرقام ثابتة حول حجم هدر المال العام بهذا المكتب، لكن حتى ولو كان من الممكن الوقوف على الجزء الكبير من الأموال المنهوبة والمهدورة، فإنه سيظل من الصعب التوصل إلى معطيات دقيقة، نظرا لأن عمليات النهب والهدر بالمكتب الشريف للفوسفاط تمت في ظروف غاب فيها أي نوع من المراقبة، وحتى لو تم الوقوف على بعضها سيبقى من الصعب بمكان تقدير حجمها إذا لم يفتح بشأنها تحقيق شفاف ونزيه؛ لهذا فإن كشف حقائق التبدير والنهب بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تتطلب أولا وقبل كل شيء إرادة سياسية، وهذا ما يأمله المواطن، ما دام أن هذه المؤسسة ظلت في منطقة بعيدة عن الأضواء بهذا الخصوص، خلافا للمؤسسات العمومية الأخرى، وذلك بالرغم من أنها من المؤسسات التي تنشر حساباتها سنويا.

هذا وقد سبق لأكثر من مصدر أن أكد نهب مبالغ هامة وتبذير أموال طائلة في الحفلات والأسفار والمناسبات والخدمات الصورية، ناهيك عن الأجور والتعويضات الخيالية التي يتوصل بها جملة من المسؤولين بالمكتب والتي تتعدى في الحد الأدنى 30 مليون سنتيما وقد يصل إحداها إلى 100 مليون سنتيما، كما سبق أن تم تقديم رقم 10 مليار درهم من طرف أكثر من جهة نهبت في فترة تاريخية معينة، علما أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تتصرف في ميزانية ضخمة، لا مثيل لها في أي مؤسسة عمومية أخرى، اعتبارا لاحتكار مكتبها الشريف تدبير أهم ثروة وطنية، وهذا في ظل غياب أي مراقبة.

تتحدث اليوم اخبارنا الجالية عن مشكلة نهب وهدر المال العام بكنف المكتب الشريف للفوسفاط، في مرحلة ما قبل مصطفى التراب، بل يطالب بعضها بتحقيق مبدأ الشفافية من أجل المحاسبة وتحديد المسؤوليات في تبديد جزء من الثروة الوطنية في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية الداخلية وارتفاع البطالة، ولاشك أن الرسالة غير المعلنة التي تريد هذه الأصوات إيصالها هي: أضحى من الضروري الآن فتح ملف الفساد بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط التي باتت فضائح بعض مسؤولية متناثرة هنا وهناك.

لقد استفاد من نهب وهدر المال الذي طال المكتب، ثلة من الأشخاص الذين كانوا يستفيدون أصلا في إطاره، من الأجور “الطيطانيكية” التي قدرت بالملايين ومن عدة امتيازات أخرى، كامتياز “البرستيج” الذي كان يكلف مالية المكتب أموالا طائلة، وساد هذا الوضع واستشرى في ظل غياب المراقبة، القبلية منها والبعدية، علما أن المكتب مؤسسة عمومية من المفروض أن تكون تحت مراقبة الدولة.

ومن المفارقات الغريبة، أنه بموازاة مع نهب وهدر المال العام داخل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط فإن المكتب يقوم بمبادرات اجتماعية، منها ما وضعها القائمون عليه تحت عنوان: “سياسة المواطنة المنتهجة من طرف المكتب”؛ ملايير نهبت وملايير تهدر سنويا، والمكتب يبادر بتوزيع بعض المواد الغذائية على أسر معوزة في بعض المناطق المجاورة للمدن الفوسفاطية، وتتكون هذه المواد من الدقيق والسكر والزيت والشاي، وبعدها تنشر بلاغات تختتم مرارا بعبارة: “وقد خلفت هذه الإعانات كسابقاتها ارتياحا وأثرا طيبا في نفوس المستفيدين وكافة السكان بشكل عام”.

لكن، لماذا الحديث الآن عن نهب وهدر المال العام بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط؟

إذا كانت سابقا قد أشارت أكثر من جهة إلى أن مبلغ 10 ملايير درهم كرقم لحجم الاختلاسات التي عرفتها المجموعة، فإنه في غضون شهر نوفمبر 2006، أكد أكثر من مصدر أنه تم تكليف شركات أجنبية للقيام بتدقيق حسابات المجموعة، وقيل آنذاك إن انجليزيين وفرنسيين تكلفوا بهذه المهمة، ومرد ذلك أنه تم كشف ثقب أسود نزفت منه الملايير على امتداد سنوات.

ومن النقط السوداء التي بدأت تتناسل بخصوصها عدة تساؤلات في هذا المضمار:
-   الصفقات المرتبطة ببيع الفوسفاط الخام والحامض الفوسفوري.
-  مصالح المشتريات الدولية والوطنية والمحلية.
-  الصفقات العالمية للصيانة وأشغال الصيانة الوطنية والمحلية.
-  عقود الخدمات المقدمة للمكتب من طرف الأوراش المحلية.
-  المصالح الاجتماعية على الصعيد المركزي والجهوي والمحلي.
وبهذا الخصوص كشفت بعض المصادر جملة من الخروقات الداعية للشكوك بأثمنة بيع الفوسفاط، لاسيما لإحدى الشركات الأمريكية التي يقوم عليها إطار مالي كبير سابق في المكتب حيث عمل به لمدة سنوات، ولم تقتصر القضية على تسجيل خروقات وتجاوزات همت مالية مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، وإنما تجاوزتها إلى هدر أموال عمومية لمؤسسات عمومية أخرى.

فهذه المؤسسة المحمية بقرار رسمي غير معلن، تعد من أكثر شركات الدولة تكديسا للعملة ، وموظفوها (الكبار أقصد) يتقاضون أجورا وعلاوات تصل في بعض الأحيان إلى 500 ألف درهم شهريا، ناهيك عن الامتيازات التي لا تعد و لا تحصى .. طبعا، إن الرقم الذي ذكرته يبدو مهولا و صادما لكن إدارة المكتب لم تكلف نفسها يوما عناء تكذيب أو تصحيح هذه المعلومة التي تم تداولها على أوسع نطاق بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

ثم إنه مع ما يلف موضوع مداخيل المكتب من غموض، و بالنظر إلى القيمة التي تحظى بها مادة الفوسفاط عالميا فمن البديهي أن يخصص كبار المكتب لأنفسهم هذه المبالغ المبالغ فيها.

ولكي نستوعب هذه الحقيقة الصادمة علينا أن ننقب من جهتنا عن قيمة الفوسفاط بين دول العالم ليتأكد لنا أن شركة المغاربة تجني سنويا الأموال الباهظة مقابل تصديره .

و للاضطلاع على أهمية المنتوج الذي تنقب عليه الـ (ocp) تعالو معي في هذه الجولة المختصرة جدا لنتعرف على قيمته و على ما يمكن أن يضمنه للمغرب من أمن غذائي و استقرار نفسي وتموقع ديبلوماسي ضاغط على المستوى الدولي.

فالمغرب هو أول مُنتِجٍ للفوسفاط، وثالث دولة مُصدّرة في العالم، متبوعا بالصّين ، ومن الفوسفاط، تستخرج أسمِدة الفوسفور الأساسية في التّغذية العالمية.. يقول الاستاذ محمد إفزارن في مقال نشر بالموقع الالكتروني “هيسبريس” إنه بدون فوسفور، لا فلاحة، ولا زراعة، ولا بشر، ولا حياة فالفُوسفور، المشتقُّ من الفُوسفاط، ضروري لنموّ الكائنات، منها النباتاتُ والحيوانات والإنسان..

ويؤكد ذات المصدر أنه تم مؤخرا عقد مؤتمرٌ عالمي حول أسمدةِ الفوسفور،أو ما سمي بإكسير الحياة لتوعية السياسيين، والرأي العام، بأهمّية هذه المادة الضروريةِ للحياة، وتمّ التأكيد على أن هذه الأسمدة يتزايدُ الطلبُ عليها في الأسواق العالمية، وأنّ العالمَ مُهدّدٌ بمجاعةٍ كُبرى ما بين 2030 و 2040 القادمة، إذا استمرّ التّبذيرُ الحالي في التوزيعِ العالمي لهذه الأسمدة الأساسية الفُوسفُورية.

معنى هذا أن هذه الثورة المغربية رغم ما نتلقاه من تطمينات رسمية تسير في اتجاه الاستنزاف دون أن ينعم المغاربة بعائدتها.

وبالاضافة الى ما يحتويه الفوسفاط من مكون الفوسفور تؤكد تقارير علمية في هذا الشأن أن الفوسفاط المغربي يضم في مكوناته معدن اليورانيوم، المادة الثمينة التي تستغل في الصناعة النووية، غير أن المغرب يصدِّر موارده الفوسفاطية في معظمها كمادة خام إلى الخارج، حيث يعاد تدويرها ومعالجتها، ما يقلل من استفادته من تلك الثروة.

وبالعودة إلى صلب الموضوع و الذي يتعلق بمداخيل “المؤسسة الشريفة” فإن الأرقام المتضاربة التي تتوارد علينا من حين لآخر تبرز حقيقة ساطعة مفادها أن هذا الشعب “محكور” في ثرواته وأن مداخيل المكتب الشريف للفوسفاط كفيلة بسد حاجيات المغرب في مجال البنيات التحتية و قادرة على سد رمق كل مغربي أنهكته الفاقة (على الأقل) .

فالمكتب الشريف للفوسفاط الباحث عن هذه الموارد، في كل من مدينة خريبكة وابن جرير واليوسفية و فاس بوكرع .. يحصل، حسب معطيات و تقارير صحفية مغربية، على ما يقارب 14,49 مليار دولار سنويا.

بل إن جريدةُ «نورثيرن مينر» الأمريكية المتخصّصة، كتبت السنة الماضية أن مداخيل المغرب من الفوسفاط، فقط في 6 أشهر، تفُوقُ 2,5 مليار دولار، و ما تُقدّمهُ الإدارةُ من معلوماتٍ للمغاربة عن أرباحِها قد يكونُ غيرَ صحيح، بسببِ تهرُّبِ المسؤولين المغاربة من إدراج ” الشركة الشريفة للفوسفاط ” بالبورصة، لتبقى الأرقامُ سرّية.

ولم يكن موضوع الفوسفاط المغربي حديث الجريدة الأمريكية فقط بل تساءل بعدها “ماثيو كيفيل”، وهو باحث في جامعة “لورونتان” الكندية، في مقال نشرته أسبوعية اقتصادية كندية – تساءل – مستغربا من التناقض بين مداخيل الفوسفاط و معاناة المغاربة من الفقر، ” بل الأدهى والأمر أن الفلاحين المغاربة لا يستطيعون اقتناء الفوسفاط لأراضيهم ” !!!

إن ما يزيد من ارتياب المغاربة حول مدخرات المكتب الشريف للفوسفاط هو تهرب إدارته من البوح بمداخيلها و نشرها علنا.. واقتصارها في مجمل خرجاتها على الخوض في نقاشات تتعلق بعمليات التعدين و الابتكار التكنولوجي والزراعة المستدامة.

و إذا صحت تقديرات جريدةُ ” نورثيرن مينر “، و أصررنا على استعمال الآلة الحاسبة فإن حق كل مغربي من مرجوعات ثرواتهم قد يقارب 40 درهم يوميا لكل مغربي، أي حوالي 1100 درهم شهريا.

في مقابل ذلك أظهرت أرقام رسمية،ارتفاع الدين العمومي المغربي بنسبة 4.8 في المائة، ليبلغ 827 مليار درهم، منها 312 مليار درهم كديون خارجية، ما يعني أن كل مغربي مدين خارجيا بأكثر من 9700 درهم إلى المؤسسات المالية والدول الأجنبية.

على مكتب الفوسفاط المغربي أن يمتلك الشجاعة الكافية ويكشف عن عائداته من إنتاج هذه المادة الحيوية، و يساهم بقدر من الوطنية في القضاء على البطالة بالمناطق التي ينقب فيها و يشغل كل المعطلين الذين جفت حناجرهم بالمطالب ، وإلا فإن ما يروج و يروج حول التلاعب والتدليس يكون قد أخذ منبتا له بين تلك الحقائق التي اندلعت في رؤوسنا كالطحالب حتى غطت عقولنا التي لا تقبل الاستبلاد

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: