الموجة الثانية للربيع العربي إفراز طبيعي لعدم استيعاب انتفاضات 2011

يعيش العالم العربي على وقع تحوّلات سياسية -على شاكلة ما حصل عقب ثورات الربيع العربي 2011- وكان آخرها استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الجزائر، كل هذه التطورات باتت توصف بأنها موجة ثانية من الربيع العربي، ما يستدعي الوقوف عند مآلاتها ومستقبلها، كل هذه الإشكاليات المطروحة ناقشتها “العرب” مع بول سالم رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط.

يصف عدد من الخبراء ما تعيشه الجزائر والسودان بأنه الموجة الثانية للربيع العربي الذي شهدته دول في المنطقة قبل ثماني سنوات ومازالت تعيش على وقع تداعياته، بين مجتمعات مازالت ترفع ذات الشعارات المطالبة بالشغل والكرامة، كما في تونس ومصر، ومجتمعات دخلت مرحلة أكثر خطورة من الحرب الأهلية، على غرار ليبيا واليمن وسوريا.

ويتحدث بول سالم رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط عن الموجة الجديدة للربيع العربي، مشيرا، في لقاء مع “العرب” بمقر المركز في واشنطن، إلى أنها تستلزم تغيرا تكتيكيا في طرق استيعابها من قبل النظامين في الجزائر والسودان، وحتى الأنظمة في دول عربية أخرى ومنها تونس ومصر.

وقال “هناك حاجة ماسة للتأكيد على أن الطرق التقليدية للاستيعاب والمقاومة لم تعد مُجدية، بل إنها قد تؤدي إلى نتائج كارثية، وثورة المعلومات واتساع الكتل الشبابية في الكثير من الدول العربية أسهما في انطلاق انتفاضات الربيع، وأن الموجة الثانية إرهاص طبيعي لما جرى في العام 2011 ولم يتم استيعابه من نظم أفلتت من عدوى الحراك الشعبي وقتها لأسباب خاصة”.

ويعدّ بول سالم أحد خبراء مراكز الأبحاث المتخصصين في التغيير السياسي في العالم العربي والشرق الأوسط، وله كُتب ودراسات سياسية متنوعة أبرزها صعود وهبوط الإسلام السياسي وأوامر منكسرة.. أسباب وظروف الانتفاضات العربية، ومن الفوضى إلى التعاون.. نحو التوافق الإقليمي في الشرق الأوسط. وعمل مديرا مؤسسا لمركز كارنيغي في بيروت خلال الفترة من 2006 إلى 2013.

دوافع الاحتجاجات

شرح بول سالم قراءته لما حدث من حراك في السودان والجزائر قائلا “هو نتاج طبيعي لتصاعد شرائح الشباب الذي يعاني من نقص توليد فرص العمل، كما يعاني من ضيق في الأفق السياسي في ظل وجود ثورة تكنولوجية مذهلة”. وتابع أن “حالة الغضب في الشارع الجزائري أكثر وضوحا مما هي عليه في السودان الذي له طبيعة خاصة”.

وفي تصوره، فإن بعض الأنظمة العربية، ومن بينها النظام الجزائري، لم تستوعب ما حدث في العام 2011 وحاولت مواجهة مطالب وطموحات الشباب بالأساليب نفسها التي كان يتم استخدامها خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ويتم ذلك تحت دعوى أن هناك أنظمة كبرى قادرة على فرض الاستقرار بسياسات مشابهة مثلما يجري في نموذج الصين وروسيا.

بول سالم: التيار الديني في الجزائر ليست لديه فرص كبيرة للوصول إلى الحكم، مثلما حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011
بول سالم: التيار الديني في الجزائر ليست لديه فرص كبيرة للوصول إلى الحكم، مثلما حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011

ورأى أن التيار الديني في الجزائر ليست لديه فرص كبيرة للوصول إلى الحكم، مثلما حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، لأنه ليست لذلك التيار أحزاب سياسية قوية قائمة ومرتبطة بالشارع، والدستور الجزائري الحالي يمنع بشكل قاطع إنشاء أي أحزاب على أسس دينية، كما أن الجانب الأكبر من الإسلاميين والمتعاطفين معهم ينتمون إلى جبهة الإنقاذ، المحظورة قانونا منذ تدخل الجيش بشكل مباشر في الحياة السياسية مطلع التسعينات من القرن الماضي.

وقال “إذا لم تؤمّن الدولة الجزائرية والمسؤولون فيها الانتقال السلس من النظام السياسي التقليدي إلى نظام جديد أكثر تحررا لديه قدرة واضحة على استيعاب مشاركة أوسع للفئات المختلفة من الشباب والوصول إلى صيغة تعددية مقبولة، فإن الأوضاع سوف تسوء وتتطور إلى كارثة حقيقية”.

وتابع مشيرا إلى أن “انفلات الأمور مرة أخرى يُعمّق الجراح السابقة ويستدعي صراعات دموية كل من فيها خاسر، والشعب نفسه هو الخاسر الأكبر”. وأوضح أن هناك بارقة أمل في الأزمة تتمثل في محاولات بعض أطراف في الدولة الجزائرية التفاعل مع مطالب الشارع، والترحيب بها وإبداء نوع من التفهم لها في محاولة جادة للإمساك بزمام الأمور، عقب الإعلان عن استقالة بوتفليقة رسميا.

الموقف الأميركي

كان لافتا، غياب ردة فعل أميركية سريعة مما يجري في الجزائر، واكتفاء واشنطن ببيانات بروتوكولية صادرة عن وزارة الخارجية. وشرح سالم هذا الموقف قائلا إن “الجزائر ليست من بين أولويات السياسة الأميركية، ولم يكن هناك اهتمام كبير بما يجري، لكن هناك توجه عام لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب، ويمكن للمتابعين ملاحظته، يميل إلى رفض الثورة أو التغيير، ويتم تشجيع النظام السياسي على إيجاد مقترحات مقبولة لحل الأزمة، وبخلاف ذلك لا توجد سياسة أميركية واضحة تجاه ما يحدث في الجزائر.

وأشار إلى أن الوصول إلى حالة استقرار تتفق مع التوجهات العامة للإدارة الأميركية الحالية، التي تعتبر أن لديها مهام وقضايا أكثر إلحاحا وارتباطا بمصالح الولايات المتحدة ينبغي الانشغال بها خلال الفترة المقبلة.

تشمل أولويات الإدارة الأميركية الكثير من القضايا الداخلية والخارجية الأكثر إلحاحا والتي تجعلها غير مهتمة بانتفاضة الشعب الجزائري، ومن بين تلك القضايا الإعداد للانتخابات الرئاسية القادمة، والحرب مع الصين وصفقة القرن وإيران.

وأوضح بول سالم أن المعركة الانتخابية المقبلة في نوفمبر 2020 بدأت من الآن، ويظلّ احتمال فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية قائما، ما لم يظهر مرشح قوي من الحزب الديمقراطي، ورغم طرح وسائل الإعلام الأميركية لأسماء عدد كبير من المرشحين المحتملين، إلا أنه لا يوجد بينهم شخص لافت يمكن الرهان عليه.

ويربط الخبراء في الشؤون الدولية المتغيرات التي تشهدها السياسات الخارجية الأميركية بنقطة مشتركة، وهي الصين. يؤكد على ذلك بول سالم رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط، الذي أكّد أن “تفوق بكين في تطوير الذكاء الاصطناعي يشكل هاجسا مستقبليا لدى الأميركيين”.

وقال سالم إن “مسؤولين بوزارة الدفاع أبلغوا باحثين في مركز دراسات الشرق الأوسط أن الهم الأول لهم هو الصين ثم الصين ثم الصين، ويصل الأمر إلى عدم الاكتراث بالاقتصاد الروسي، الذي يصفونه بأنه صغير”.

وأضاف “الصين لديها عدد سكان كبير وتتمتع باقتصاد قوي ولديها قدرات تكنولوجية متقدمة وبصفة خاصة في الج 5 ، التي سوف تسود العالم في السنوات المقبلة. كذلك فإن تفوق بكين في تطوير الذكاء الاصطناعي يشكل هاجسا مستقبليا لدى الأميركيين”.

كوشنير يسوّق عمليا للتوجه الإسرائيلي
كوشنير يسوّق عمليا للتوجه الإسرائيلي

عربيا، تتركز اهتمامات الولايات المتحدة بشكل رئيسي على صفقة القرن، التي يراها بول سالم حقيقية ودعائية في الوقت نفسه. وقال “يوجد تصور لدى إدارة ترامب لحل القضية، لكنه لا يمثل جديدا بالنسبة للفلسطينيين، فالفكرة المطروحة، والتي تتسرب عبر بعض الساسة ووسائل الإعلام تنتهي إلى حل الدولة الواحدة وهي إسرائيل، وإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في غزة وبعض مناطق الضفة الغربية، مع تقديم مساعدات مالية ضخمة إليهم تسهم في إنشاء مشروعات تنموية كبيرة”.

ولفت بول سالم إلى أن جاريد كوشنير، مستشار الرئيس ترامب وعرّاب صفقة القرن، ليس لديه وعي سياسي يمكن التعويل عليه، وهو يتحدث فقط إلى إسرائيل ويسوّق عمليا للتوجه الإسرائيلي.

وأشار إلى أن كل ذلك سيرفضه الفلسطينيون، ليقوم ترامب بعد ذلك باتهامهم بأنهم غير راغبين في السلام، ولم يقبلوا التفاوض من أجل تسوية القضية، كما أن ترامب لن يتراجع عن قراره بشأن الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، وأنه يعتبر الأمر منتهيا وغير قابل للتفاوض.

كذلك، فإن الملف الإيراني من الملفات البارزة لدى الإدارة الأميركية، ورغم توقيع عقوبات قاسية على إيران إلا أن الوضع الميداني مازال ناعما، فالولايات المتحدة لم تقم بالضغط العسكري على طهران في سوريا حتى تحقق الهدف الأساسي من العقوبات وهو إبعاد النفوذ الإيراني عن المنطقة، وبالتالي اتخذت العلاقات الأميركية الإيرانية عنوان “لا حرب ولا مفاوضات”، بل إن إعلان الانسحاب العسكري الأميركي من سوريا واحتمال الانسحاب من أفغانستان سوف يتركان فرصة لطهران لتعزيز تواجدها بالمنطقة.

وأشار بول سالم إلى أن هذه الاهتمامات تفسر موقف الولايات المتحدة من الأحداث في الجزائر. وشرح الموقف الأميركي من الانتفاضة الجزائرية الأخيرة، لكنه استطرد موضحا أن “هناك توجها عاما لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب، ويمكن للمتابعين ملاحظته، يميل إلى رفض الثورة أو التغيير، ويتم تشجيع النظام السياسي على إيجاد مقترحات مقبولة لحل الأزمة، وبخلاف ذلك لا توجد سياسة أميركية واضحة تجاه ما يحدث في الجزائر”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: