رغبة المغربية في الزواج من أجنبي تصطدم بعدم اعتراف القانون

يرفض القانون المغربي كما هو حال غالبية الدول العربية، زواج المغربية من أجنبي مختلف في الديانة، لكن هذا الرفض لم يقف عائقا أمام الكثير من الفتيات اللواتي أقدمن على الخطوة دون اعتراف القانون، لكن المطالب المجتمعية تتزايد لتعديل القانون وفقا لتطورات الحياة.

تقبل العديد من الفتيات المغربيات على الزواج من رجل أجنبي مقيم خارج البلاد، رغم اختلاف الدين الذي يقف عائقا أمام الاعتراف قانونيا بهذا الزواج في المغرب، في ظاهرة باتت تحتاج إلى إيجاد صيغة قانونية تضمن حقوق المغربيات لاسيما عند وجود أطفال.

وتختلف أسباب هذا الزواج باختلاف الفتيات، وتتراوح بين الطموح في تحسين الوضعية المادية والاجتماعية والامتيازات التي يضمنها عند الإقامة في بلد أجنبي وتجنب ضغوط الحياة القاسية خلال الهجرة وتحمل الغربة، ولو كان السبيل إلى ذلك غض الطرف عما ينصه القانون المغربي الذي يعتبر هذا الارتباط باطلا ما لم يعتنق الزوج الإسلام.

وليست الأمور المادية هي السبب الوحيد وراء قرار الفتيات الاقتران بزوج ليس من نفس الديانة الإسلامية، بل في الكثير من الأحيان تتدخل العاطفة بشكل حاسم في القرار، حتى لو اعترضت العائلة والقانون، فيما كشفت بعض الحالات أنهن دفعن إلى الزواج المختلط ضد رغبتهن، امتثالا لضغوط من الأب أو الأم.

وقد ارتفع مؤخرا جدل حاد حول موضوع منع المغربيات من الزواج بغير المسلمين حتى داخل أوساط المهاجرين المغاربة بالخارج، وهناك من يقول إن الموضوع أصبح يشكل فعلا فرصة لبعض الأوساط المعادية للإسلام للنيل من المغرب، وأن نموذج الإسلام المعتدل الذي ما فتئ المغرب يروج له أصبح محط تشكيك.

محمد عبدالوهاب رفيقي: يجب طرح موضوع زواج المرأة بغير المسلم للنقاش المجتمعي قصد مراجعته وإعادة النظر فيه
محمد عبدالوهاب رفيقي: يجب طرح موضوع زواج المرأة بغير المسلم للنقاش المجتمعي قصد مراجعته وإعادة النظر فيه

ولتوثيق الزواج من أجنبي في المغرب يجب أن يقدم المغربي الراغب في الزواج من أجنبية والتي يشترط أن تكون كتابية (أي معتنقة للإسلام أو المسيحية أو اليهودية) تصريحا بالديانة التي تعتنقها خطيبته أو نسخة من عقد اعتناقها للإسلام، وبالنسبة للمغربية الراغبة في الزواج من أجنبي عليها تقديم نسخة من عقد اعتناق خطيبها للإسلام أو ما يفيد إسلامه إن كان من دولة مسلمة، ولا يسمح بتوثيق زواجها من أجنبي إلا في حال اعتناقه لديانتها الإسلام.

ويطالب الكثيرون أن يكون القانون مستجيبا للتطورات والواقع الذي يعيشه الناس، ويقول محمد عبدالوهاب رفيقي الباحث المختص في الدراسات الإسلامية، إن المرأة المسلمة في مثل هذه الحالة تتزوج إن أرادت بغير المسلم، ولا تحتاج بذلك إلا للتحايل على هذا القانون بإجراء بعض الشكليات التي لا تؤثر في العمق بقدر ما تسمح بتجاوز المساطر القانونية فقط، وبالتالي فهذا الواقع المفروض اليوم لا بد للقانون أن يتفاعل معه بالإيجاب، ووجب أن يكون متناسقا ومتلائما معه حتى نعيش بعيدا عن مثل هذه الازدواجية.

وهناك عدد من الحالات التي يشهر فيها أجانب إسلامهم ولكن لا يكفي أن يذهب الاجنبي إلى المسجد ويصوم رمضان لقبول عقد القران في القانون المغربي فالمحكمة تطلب شهادة بإسلامه تسلم له من الجهة المعنية في بلده الأصلي لتسمح بتوثيق الزواج.

ولأن نفس المدونة سمحت للمغاربة المهاجرين الراغبين في الزواج من أجانب بتوثيق زواجهم لدى قنصليات المغرب في بلد الإقامة شريطة توفر جميع الوثائق، فإن عددا من المغاربة لجأوا إلى القنصليات لهذا الغرض. وتوجهت مهندسة مغربية مقيمة في إيطاليا إلى القضاء الإيطالي حتى يأذن لها بالزواج بأب ابنتها، بعدما اشترطت المصالح الإدارية التابعة للقنصلية العامة للمملكة بمدينة بولونيا اعتناق الزوج للإسلام. واستطاعت أن تحصل على قرار قضائي لصالحها يسمح لها بالزواج بالزوج الإيطالي.

وأخبرت المهندسة المغربية موظفي القنصلية بأنها سترفض الزواج بشخص يختار الدين فقط لأنه يريد الزواج، فالدين قضية شخصية لا يجب أن ترتبط بأهداف معينة مهما كانت طبيعتها، وأبدت استنكارها أن يكون الغرض هو تكوين مجموعة من المنافقين.

وفي هذا الصدد، أكدت البرلمانية السابقة بغرفة النواب الإيطالية سعاد السباع، أنها صاحبة القانون الذي أعطى الحق للمهاجرة المغربية في بيزارو باللجوء إلى القضاء، بتقدمها بمقترح قانون عام 2009 أثناء تواجدها بالبرلمان، يعطي الحق للقضاء في التدخل لحماية الأشخاص ذوي الأصول الأجنبية في حالة إذا ما كانت قوانين بلدانهم لا تحترم المواثيق والمعاهدات الدولية.

وصرحت خديجة الطالبة بكلية العلوم التقنية بفاس ، “أنا الآن أركز في الدراسة والتحصيل لأجل ضمان مستقبل عملي ولا أفكر في الزواج، وفي وقت آخر إذا أتيحت لي فرصة الارتباط برجل أجنبي فلن أعير اهتماما لمعتقده الديني، ما يهمني هو أن يكون هناك تكافؤ في العواطف والدخل المادي”.

وفي المقابل توجد الكثير من العائلات المغربية التي لا تحبذ تزويج بناتها من أجنبي غير مسلم وذلك للحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للعائلة والأبناء والأحفاد وتعتبر أن الزواج المختلط بمثابة تهديد لهويتها.

لكن هناك من عبرن  عن ندمهن من قرار الزواج من بني بلدهن لأنهن اصطدمن بواقع قاس بعدما اضطررن إلى الخروج بحثا عن شغل كون الزوج لا يريد العمل ومشكلاته كثيرة، وتمنين لو اخترن الزواج من أجنبي ولو غير مسلم مثل بعض صديقاتهن اللاتي تزوجن زواجا مختلطا وهن الآن أحسن حالا.

ويعتبر آخرون أنه بعيدا عن الأمور القانونية والتشريعية، فزواج المغربية من أجنبي ليس قرارا إيجابيا في البعض من الحالات لاختلافات ثقافية ومزاجية ودينية، وفي هذا الإطار يقول عبدالفتاح بهجاجي رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجل، إن سلبيات الزواج في الخارج أكثر بكثير من إيجابياته فإذا كانت المرأة راغبة في التعلم والاندماج فإنها لن تجد مشكلات كثيرة، وإذا فشلت في الاندماج والتكيف بسرعة فستكون السلبيات كثيرة، إذ ستتأثر نفسيا وستشعر بالوحدة والانعزال وصعوبة التعايش وفي حال تم الانفصال فسيصبح الأبناء هم الضحايا، لهذا تصبح نسبة نجاح الزواج من أجنبي أقل من نسبة نجاح الزواج بمغربي يقطن بالخارج.

وكشفت دراسة لمؤسسة “فاميلي أو بتميز” المتخصصة في شؤون الأسرة والحياة الزوجية أن ثمانية ملايين امرأة مغربية من دون زواج، وأن نسبة تأخر الزواج في صفوف المغربيات تصل إلى 60 بالمئة.

وقالت مريم (27 سنة) “أمام نسبة العنوسة الكبيرة فأنا لا أعترض على الزواج من أجنبي كوني أحترم حرية المعتقد الديني، وأدافع عن عدم التمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وما دام الرجل يحترمني كامرأة فلا بأس من الاختلاف الديني”.

عائلات مغربية: الزواج المختلط مثابة تهديد للهوية
 المجتمع المغربي يطالب السلطات التشريعية بأن تستجيب لتطورات الواقع واحتياجات المواطنين

واعتبرت مريم أن هناك تناقضا بين منع المرأة من الزواج بمسيحي أو بوذي والسماح للرجل بالزواج بغير المسلمة.

من جهته، شدد محمد عبدالوهاب رفيقي الباحث المختص في الدراسات الإسلامية على ضرورة طرح موضوع زواج المرأة بغير المسلم للنقاش المجتمعي قصد مراجعته وإعادة النظر فيه.

وأضاف أنه لا بد أن تشترك في ذلك كل الأطراف المعنية بالأمر، ولفت رفيقي إلى أن القرار التونسي الأخير المتعلق بإلغاء التشريع الذي يمنع زواج المرأة التونسية المسلمة من غير المسلم، جريء وشجاع، وحري بالمغرب أن يسير على خطاه.

وهناك من يدعو إلى إلغاء المادة 39 من مدونة الأسرة وهي القانون الذي ينظم أحوال الأسرة في المغرب، والتي تحدد الموانع المؤقتة للزواج في المسلمة بالنسبة لغير المسلم، والمسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية، ويوافق بوزكري الريحاني القنصل العام للمملكة بميلانو على مراجعة المادة 39 من مدونة الأسرة أو التوصل إلى مخرج قانوني يرفع الحرج عن المصالح القنصلية التي يبقى عليها واجب الخضوع لقوانين المملكة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: