الحراك الشعبي في الجزائر يستنجد بالجيش

يتجه حراك الانتقال السياسي في الجزائر إلى مأزق حقيقي، قياسا بحالة التصلب في المواقف بين الشارع المتظاهر والسلطة القائمة، وبعامل الثقة المفقودة بين الطرفين، فكل المؤسسات والوجوه لم تعد مقبولة من طرف الحراك الشعبي، ولم تبق إلا المؤسسة العسكرية كحكم على قدر من الحياد والقبول.
وأطلق ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي دعوات إلى قائد أركان الجيش، الجنرال أحمد قايد صالح، لأن يكون “قائدا صالحا”، في تلميح إلى أداء الجيش لدور معين في هذه المرحلة الحساسة، والأقرب أن يكون هذا التدخل على الشاكلة المصرية حين استلم المجلس العسكري الحكم مرحليا بعد ثورة 25 يناير وأشرف على مرحلة انتقالية أفضت إلى الانتخابات.
وشكل انحياز عناصر من الأمن والجيش للحراك الشعبي، في المسيرة المليونية التي شهدتها الجزائر العاصمة ومختلف مدن ومحافظات البلاد، وترديدها لنفس الشعارات التي صاح بها المتظاهرون، تطورا لافتا في انصهار المؤسسة مع الشارع، وفق توقعات عبر عنها ناشطون ومعارضون سياسيون.
ونشرت مواقع التواصل صورا عن انضمام عناصر من الشرطة والجيش بزي مدني وبزي مهني رسمي إلى المظاهرات الشعبية، وهو ما لوحظ في عدد من المدن كبجاية وبرج بوعريريج وتلمسان، واتضح جليا في احتفالات عناصر مكافحة الشغب خلال نهاية المسيرات بالعاصمة.
وتناغمت شعارات عديدة رفعها المتظاهرون في مختلف المدن الجزائرية، مع المفردات المتكررة في رسائل قائد المؤسسة العسكرية خلال الأيام الماضية، فـشعار “جيش شعب خاوة خاوة (إخوة، إخوة)”، الذي دوى في ساحات وشوارع العاصمة، سبقه قايد صالح بعبارات “التلاحم والانصهار، وافتخار الجيش بشعبه والشعب بجيشه”.
وأسس الموقف الذي أفرزته التطورات الميدانية لقبول الجيش كحكم بإمكانه مرافقة الجميع في تحقيق الانتقال السياسي في البلاد وإخراجها من المأزق المتصلب، بعد ما جهر الشارع برفض كل مساعي نظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لفتح قنوات اتصال، تمهيدا لمؤتمر وطني شامل.
وثمن المحلل السياسي توفيق بوقاعدة “الموقف الحيادي للمؤسسة العسكرية ولأداء مصالح الأمن تجاه المسيرات الاحتجاجية”، وشدد على أن الحلول الأمنية هي التي جرّت الثورات العربية إلى العنف والفوضى، وهو الأمر الذي أبقى المؤسسة على حدّ معين من القبول والثقة.

الشارع ورقة ضغط أسقطت خطابات السلطة
الشارع ورقة ضغط أسقطت خطابات السلطة

ويرى مراقبون أن السلطة السياسية فقدت ورقة الحل الأمني، مع المبدأ السلمي والهادئ الذي تبناه المتظاهرون منذ الـ22 من فبراير الماضي، وبات الخروج الجماعي للعائلات والأطفال والرضع والمسنين، حاجزا أخلاقيا لأي محاولة لقمع المتظاهرين، ما أكسب الشارع ورقة ضغط مهمة أسقطت خطابات السلطة.
وما زالت مسألة البديل محل تجاذب بين السلطة والشارع، ففيما دعا البعض إلى “ضرورة إعلان الحراك عن ممثليه ومؤطريه، ليكون الطرف المعلوم الذي يتم التحاور معه أو تسليمه مقاليد المرحلة”، شدد ناشطون ونخب ميدانية، على أن “الشارع سيبقى على هذه الوتيرة ومن دون رؤوس معينة في هذا الظرف، تفاديا لسيناريو الاختراق أو التفكيك أو الانفراد بهم”.
وذهب توفيق بوقاعدة إلى أن “حركية الشارع وتلاحمه قطعا الطريق على جميع الانتهازيين، ولا أحد بإمكانه الزعم بتمثيل الشارع، وما يثار هنا وهناك هو محاولات من بدائل السلطة لاختراق الشارع، وأن الصعوبات التي تعتري رئيس الوزراء الجديد نورالدين بدوي، في تشكيل الحكومة الجديدة، توحي برفض النخب للقفز على مطالب الرأي العام”.
وأفاد مصدر سياسي في تصريح له  بأن “السلطة تتهيأ لإطلاق حزمة جديدة من القرارات تفاعلا مع مليونية الجمعة، عبر رسالة جديدة منتظرة من طرف الرئيس بوتفليقة، قد تحمل مخرجا للمأزق الذي دخلت فيه البلاد، بسبب تعنت السلطة في إدارة ظهرها لمطالب التنحي والرحيل.
ونفت، أمس، رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، ما أشيع بشأن إمكانية دخولها في مشاورات أولية إلى جانب بعض الشخصيات السياسية، مع الدبلوماسي ووزير الخارجية الأسبق الأخضر الإبراهيمي، وأكدت أنها “لا يمكن أن تكون إلا ضمن الشعب الجزائري الذي صارح الجميع بمطالبه وأفكاره”.
ويتجه الوضع السياسي في الجزائر إلى المزيد من الانسداد، مع بداية العدّ التنازلي لنهاية العهدة الرئاسية الحالية للرئيس بوتفليقة، وبتصلب موقفي الشارع والسلطة، فالأول يدعو إلى التنحي والرحيل، والثاني يراهن على ربح المزيد من الوقت والمناورة من أجل اختراق الحراك الشعبي وتفكيكه.

الوضع السياسي في الجزائر يتجه إلى المزيد من الانسداد
الوضع السياسي في الجزائر يتجه إلى المزيد من الانسداد

وفي ظل الإصرار على تجديد التظاهر الشعبي في كل أسبوع، وتفعيل الاحتجاجات الفئوية والمهنية يوميا، ما زالت ثقة الأخيرة قائمة في حرسها القديم لحلحة الأزمة وتسويقها لدى العواصم العالمية المؤثرة، حيث ينتظر أن توفد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق رمطان لعمامرة، الثلاثاء المقبل إلى موسكو، لمقابلة المسؤولين الروس وشرح الوضع في بلاده.
وحظيت الوجوه المقدمة لإدارة المرحلة الانتقالية (نورالدين بدوي، رمطان لعمامرة والأخضر الإبراهيمي)، بحملة رفض شديدة في المسيرة المليونية، وصدحت أصوات المحتجين بتنحي ورحيل السلطة، مقابل إشادة لافتة بعلاقة الشعب والجيش وأجهزة الأمن، مما يتيح للعسكر أداء دور معين في هذه المرحلة.
ويرى محللون أن دخول مرحلة العدّ التنازلي للعهدة الرئاسية الدستورية للرئيس بوتفليقة، والتي تنتهي في الـ28 من أفريل القادم، يضيق هامش المناورة على السلطة، لأنها مجبرة على التوصل إلى مخرج مقبول للأزمة، قبل الدخول في مرحلة غير دستورية تجعل بوتفليقة، في موقف رئيس غير منتخب بعد أقل من ستة أسابيع.
ويطرح هؤلاء إمكانية اللجوء إلى تفعيل البند الـ102 من الدستور، لإثبات الشغور الرئاسي بسبب مرض الرئيس، والتوجه إلى تنظيم انتخابات رئاسية بعد ثلاثة أشهر، وإدارة المرحلة من طرف الرجل الثاني في الدولة (رئيس الغرفة الثانية للبرلمان عبدالقادر بن صالح)، مقابل وضع معالم مرحلة انتقالية تضطلع بمهام إرساء مجلس تأسيسي ودستور جديد وخروج آمن للسلطة.
ومع ذلك يبقى خيار إمساك الجيش بقيادة المرحلة من السيناريوهات القريبة نظير القبول الذي تحظى به المؤسسة العسكرية لدى الشارع، وقدرتها على ضمان الخروج الآمن للسلطة، فهي الحكم المحايد الوحيد المتاح الآن في مأزق الانتقال السياسي بالجزائر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: