الاستنجاد بالإبراهيمي لتأمين مرحلة ما بعد بوتفليقة

لا يبدو أن خارطة طريق الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة قد نجحت في إقناع الجزائريين بقدرتها على إخراج البلاد من أزمتها، كما أن الرهان على رمزية الأخضر الإبراهيمي وسمعته الدولية لتأمين انتقال سلس يراعي مصالح الأطراف المختلفة بالسلطة لا يبدو مغريا في ضوء ردود الفعل المتتالية في الشارع وبين المثقفين والسياسيين.

واتهمت أوساط جزائرية السلطة بالرهان على الحرس القديم في احتواء الاحتجاجات وامتصاص الغضب الشعبي، بدل الانفتاح على الكفاءات الجزائرية المختلفة، ما أثار موجة من الاستياء والغضب لدى الشارع، الذي شرع في الاستعداد لمليونية جديدة الجمعة القادم.

وتقول إن الحرس القديم، وأيا كانت سمعة رموزه أو خبرتهم، ليس سوى واجهة لمؤسسة الجيش التي تقف وراء خارطة طريق بوتفليقة، وقد أبدت ليونة في التعاطي مع الاحتجاجات وسمحت بلحاق دوائر وقيادات محسوبة عليها بالتظاهرات ونيل ثقة المحتجين، في سياق ترتيبات مسبقة لاستيعاب التحولات، في مشهد شبيه بالدور الذي لعبه الجيش في الانتقال الذي تلا ثورة 25 يناير 2011 في مصر.

وذكرت مصادر سياسية أن من المتوقع أن يلعب الجيش الجزائري دورا خلف الكواليس خلال الفترة الانتقالية وأنه يدرس حاليا عددا من المدنيين المرشحين للرئاسة ولمناصب كبيرة أخرى. ومن بين هؤلاء المحامي والناشط البارز مصطفى بوشاشي الذي حظي بنسبة متابعة واسعة على موقع فيسبوك أثناء الاحتجاجات.

وأبدى ناشطون في الحراك الشعبي وقوى سياسية معارضة في الجزائر، مخاوفهم من التفاف السلطة على مطالب الشارع، عبر إشرافها على مؤتمر وطني يفضي إلى دستور وانتخابات جديدة، بسبب غياب الضمانات السياسية والعملية، والأجندة الزمنية المحددة لضمان انتقال سياسي حقيقي.

واستحضر الناشط السياسي ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي كريم طابو، تجربة ندوات سياسية سابقة في تسعينات القرن الماضي، نظمتها السلطة من أجل تمرير أجندتها آنذاك، وحذر من مغبة السعي للتحايل على المطالب الشعبية المرفوعة منذ حوالي شهر.

الرهان على الإبراهيمي
الرهان على الإبراهيمي

واستعان بوتفليقة بوزير الخارجية الأسبق الأخضر الإبراهيمي لإقناع الحراك الشعبي بعرضه السياسي، وبضمان تسويقه الدبلوماسي لدى الرأي العام الدولي.

وأجمعت ردود الفعل لدى ناشطي الحراك الشعبي والقوى السياسية المعارضة، على اعتبار العرض، الذي تقدمت به السلطة، للخروج من المأزق السياسي عبر تأجيل الانتخابات وتنظيم مؤتمر وطني وإقالة حكومة أحمد أويحيى، محاولة للالتفاف على المطالب، ومناورة من السلطة لإنقاذ نفسها وليس لإنقاذ الجزائر.

وقال محللون ونشطاء إن إلغاء الولاية الرئاسية الخامسة، استبدل بولاية رابعة لأجل غير معلوم، وباختراق جديد للدستور، باعتبار أن قرار التأجيل لا يتم إلا في حالة الحرب، وأن استخلاف وزير الداخلية نورالدين بدوي، لأحمد أويحيى، في منصب رئيس الوزراء هو تبادل للأدوار والمواقع فقط.

وألمحوا إلى أن القوى غير الدستورية (محيط الرئاسة)، ما زالت تناور لإرباك الحراك الشعبي وخلق خلافات داخله بالوعود أو باستجلاب وجوه قديمة تكرس نفوذ قيادات الجيش التي شاركت في حرب الاستقلال عن فرنسا بين عامي 1954 و1962 والتي تسيطر على بلد يعاني من ارتفاع معدل البطالة وسوء الخدمات وتفشي الفساد.

واعتبر هيو روبرتس الخبير في شؤون شمال أفريقيا أن “الحكومة كثيرا ما شجعت تطرف الاحتجاجات الشعبية في الماضي كوسيلة للتفرقة والحكم وهي تعرف كل التحركات”.

وذكرت مصادر سياسية أن اتصالات تجرى في الوقت الراهن مع مجموعة من قدامى المحاربين البارزين الذين قد يشاركون في التغيير السياسي ومنهم جميلة بوحيرد وزهرة ظريف بيطاط.

ويقول محللون إن السلطة تحاول استنساخ التجربة التونسية في الاستعانة بالحرس القديم، حيث نجحت الجارة الشرقية في تأمين المرحلة الانتقالية بالرهان على الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي.

لكنهم يحذرون من أنه لا يمكن إسقاط التجربة التونسية على الجزائر، وأن السلطة ذهبت في الطريق الخطأ، باعتمادها على رموزها لإدارة المرحلة الانتقالية، فالأخضر الإبراهيمي المحسوب على الطبقة الأرستقراطية، ورمطان لعمامرة، الدبلوماسي البعيد عن الشعب، لا يحظيان بشعبية في الجزائر، ولا يمكنهما حلحلة الأزمة المتشابكة.

ورغم محاولة السلطة الاستثمار بواسطة أذرعها الإعلامية، في خروج المئات من الجزائريين بالعاصمة، للتعبير عن فرحتهم بإسقاط الولاية الخامسة، وتسويقه للرأي العام في صورة الترحيب بالعرض السياسي للسلطة فور الإعلان عنه، إلا أن الدعوات إلى مليونية جديدة الجمعة القادم لم تتأخر في شبكات التواصل الاجتماعي.

وأثبتت المظاهرات التي عاشتها العاصمة وبعض المدن الجزائرية، الثلاثاء، أن سقف المطالب في ارتفاع، وأن الحراك الذي بدأ برفض العهدة الخامسة، صار يطالب برحيل السلطة، ويرفض محاولات الالتفاف أو المناورة بتمديد الولاية الرابعة، وتلميع واجهة النظام.

وشكل استخلاف وزير الداخلية الحالي نورالدين بدوي، لأحمد أويحيى، في منصب رئيس الوزراء، أحد أخطاء السلطة في معالجة الوضع، نظرا لارتباط بدوي بتراكمات القمع لنشطاء سياسيين ونقابيين وعناصر من المجتمع المدني، فضلا عن سوء إدارته للاستحقاقات الانتخابية السابقة، حيث كان أويحيى، نفسه أول المنددين بما أسماه بـ”تزوير الإدارة للانتخابات”.

وأفرزت حملة التعبئة على شبكات التواصل الاجتماعي، لما سمي بجمعة الرحيل، مطالب سياسية أكثر وضوحا تزيد من متاعب السلطة في تمرير خارطة طريق تدير بموجبها المرحلة الانتقالية، من خلال رفض أي وجوه محسوبة للسلطة، والإصرار على مرحلة انتقالية تشرف عليها شخصيات مستقلة ومحايدة ولا تملك أي طموح سياسي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: