الجامعات الجزائرية تفاقم الغضب على الولاية الخامسة

خرج طلبة الجامعات الجزائرية في مسيرات ترفض ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، وتدعو إلى رحيل السلطة القائمة، لتنضاف بذلك إلى مسلسل الحراك الاجتماعي السلمي المناهض للسلطة، والذي دخل أسبوعه الثاني، في حين لا يزال أركان النظام يلوحون بتجاهل صوت الشارع والتمسك بخيار الاستمرارية.

نظم عشرات الآلاف من طلبة الجامعات في العاصمة ومختلف المدن الجامعية مسيرات ضخمة الثلاثاء، احتجاجا على الأجندة السياسية للسلطة، في تمرير مرشحها خلال الانتخابات الرئاسية المقررة في الـ18 من أبريل القادم، حيث قطع المتظاهرون العشرات من الكيلومترات ورددوا شعارات رفض العهدة الخامسة ورحيل السلطة.

وفي تصريحات تحد للحراك الشعبي، أكد مدير الحملة الانتخابية لمرشح السلطة ورئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال الثلاثاء أن “الرئيس بوتفليقة سيودع في الثالث من مارس المقبل ملف ترشحه لدى المجلس الدستوري (المحكمة العليا)، وهو الذي يقرر بشأن ملفه”.

ولفت إلى أنه “لا أحد بإمكانه منع الرجل من حقه الدستوري”، في إشارة إلى الموقف الرافض لخيار الاستمرارية، وهو ما يشكل استفزازا جديدا يدفع الوضع إلى المزيد من الاستقطاب والاحتقان، لاسيما في ظل توسع دائرة الغضب الشعبي.

ومن العاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة، وباقي المدن الجامعية بما فيها الواقعة في جنوب البلاد، انطلق الآلاف من الطلبة للتعبير عن موقفهم السياسي من التطورات المتسارعة، والإقرار بالانخراط في الحراك الشعبي، الذي تعزز بدعم نوعي بعد الوقفة التي نظمها المحامون وأساتذة الجامعات، والالتحاق المنتظر للصحافيين  الخميس.

وفي مدينة قسنطينة نظم الطلبة المتظاهرون جنازة رمزية للرئيس بوتفليقة، حيث حملوا نعشا على الأكتاف وجابوا به مختلف شوارع المدينة، للدلالة على الموت السياسي للرجل، بسبب أوضاعه الصحية منذ العام 2013، واختطاف السلطة منه من طرف من يوصفون من طرف المعارضة بـ”القوى غير الدستورية”.

وفي أول تعليق يلمح إلى دعم قيادة المؤسسة العسكرية لخيار العهدة الخامسة، صرح الثلاثاء رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، في مقر الناحية العسكرية السادسة بتمنراست، بأنه “لا يعقل أن يتم دفع بعض الجزائريين نحو المجهول من خلال نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جر هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة بل غير مؤمنة العواقب.. مسالك لا تؤدي لخدمة مصلحة الجزائر ولا تحقيق مستقبلها المزدهر”.

ويأتي هذا الموقف ليطرح استفهامات جوهرية حول دور المؤسسة العسكرية وموقفها من الحراك الشعبي وتموقعها المنحاز لصالح السلطة، وعلى حساب إرادة الشعب في تغيير نظامه السياسي.

واستطاع الطلبة الحفاظ على الطابع السلمي والهادئ للمسيرات الاحتجاجية، أسوة بالمظاهرات السابقة، رغم مضايقات مصالح الأمن وبعض الاستفزازات التي نفذها بعض منتسبي النقابات الطلابية المدعومين من طرف أحزاب الموالاة، خلال اللحظات الأولى لبداية المسيرة في الجماعة المركزية بالجزائر العاصمة.

ووجد طلبة بعض الكليات، كما هو الشأن بالنسبة لمعهد الفنون الجميلة بالعاصمة، أنفسهم محاصرين من طرف قوات الأمن، ولم يسمح لهم بالخروج إلى الشوارع والالتحاق بزملائهم في وسط العاصمة، إلا أن ملامح التضامن بين المتظاهرين وعناصر الأمن كانت بارزة من خلال الشعارات المرددة من طرف الطلبة وليونة العناصر المذكورة.

ولفت متابعون للشأن السياسي الجزائري إلى أن المظاهرات الطلابية التي عاشتها الجزائر الثلاثاء، هي الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر المستقلة، وفاقت بكثير الحراك الجامعي في مطلع الثمانينات المساند للإسلاميين والربيع الأمازيغي، واستحضرت أجواء التحاق الطلبة الجزائريين في خمسينات القرن الماضي بثوار جيش التحرير الوطني.

وأسقط خروج طلبة جامعة تلمسان في أقصى الحدود الغربية للبلاد حاجز الانتماءات الجهوية التي كانت تصنف المدينة في خانة الوعاء الخلفي لرموز السلطة وعلى رأسهم الرئيس بوتفليقة، على اعتبار أن العشريتين الأخيرتين كرستا نخبا رسمية في الحكومة والمؤسسات الرسمية، ينحدرون من مسقط رأس الرجل.

وعبر الطلبة الذين خرجوا الثلاثاء، في مدينة تلمسان، عن تضامنهم مع الحراك الشعبي وتبنيهم للمطالب السياسية المرفوعة في مختلف ربوع البلاد، ودفاعهم عن الوحدة الوطنية والترابية، وليس عن الأشخاص والعائلات، في إشارة إلى الوزراء والمديرين والمسؤولين، الذين استحوذوا على مفاصل الدولة بدعم من عائلة بوتفليقة لأسباب جهوية بحتة.

قائد صالح يثير استفهامات حول دور المؤسسة العسكرية وموقفها من الحراك الشعبي وانحيازها لصالح السلطة

وكان تلاميذ ثانويات من مدينة أوقاس بمحافظة بجاية في شرق العاصمة، قد خرجوا الاثنين إلى الشوارع للتعبير عن رفض العهدة الخامسة، والدعوة لرحيل السلطة القائمة، وتحديدا قوى الموالاة السياسية والمالية، وهي الخطوة النوعية التي تعكس توسع دائرة الغضب الشعبي، رغم تحذيرات الحكومة مما أسمته بـ”توظيف التلاميذ في الصراعات السياسية والدفع بالبلاد إلى الانزلاق”.

وذكر الأستاذ الجامعي مكاوي لخضر أن “ما حدث الثلاثاء في الجامعات الجزائرية هو سابقة أولى في تاريخ الجامعة الجزائرية، بعدما أظهر الطلبة وعيا لافتا بمصير البلاد، وعبروا عن تجاوزهم لمخططات إفراغ الجامعة من محتواها كبيئة منتجة للأفكار والمشاريع النخبوية”.

وأضاف في تصريح لـه  أن “مظاهرات الثلاثاء أعادت للجامعة الجزائرية بريقها ودورها في المجتمع، بعدما أبعدت عمدا من مهامها في ريادة البلاد وصناعة وعي المجتمع، وتم تمييعها بواسطة تنظيمات ونقابات وهمية موالية للسلطة وللأحزاب الموالية لها، وهو ما تأكد اليوم من خلال الغياب الملحوظ لتلك التنظيمات التي كانت تزعم تمثيل الجامعة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: