الإفراج عن الجنرالات وسط تصاعد الخلافات بين أجنحة السلطة الجزائرية

تضاربت القراءات في الجزائر، حول قرار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، القاضي بالإفراج المؤقت عن الجنرالات الخمسة والعقيد، بين من يعتبره خطوة للتهدئة بين أجنحة السلطة عشية الانتخابات الرئاسية، وبين من يعتبره انقلاب موازين جديدا، يمهد لقرارات أكثر أهمية خلال الأيام القليلة المقبلة.

ويزداد الوضع غموضا في هرم السلطة، بعد استعار النيران الصديقة بين أذرعها خلال الساعات الأخيرة، بعد التلاسن المتصاعد بين وزير العدل طيب لوح، وبين حزب رئيس الوزراء أحمد أويحيى (التجمع الوطني الديمقراطي)، الذي فاجأ الرأي العام والمتابعين وأعاد عملية ترتيب الأوراق إلى مربع الصفر.

وكان قرار صدر منذ أسابيع، تمت بموجبه إحالة خمسة جنرالات وعقيد، إلى السجن المؤقت بتهم الثراء الفاحش واستغلال وظيفة سامية، وتعلق الأمر بكل من سعيد باي، الحبيب شنتوف، بوجمعة بودواور، مناد نوبة وعبدالرزاق شريف، وهي الأسماء التي كانت توصف بـ”الوازنة” داخل المؤسسة العسكرية.

وبين السجن والإفراج تبقى الاستفهامات مطروحة حول الخلفيات والأسباب والجهات الواقفة وراء مثل هذه القرارات، وتوظيف ورقة الفساد وسوء التسيير في تصفية الحسابات السياسية والنفوذ بين جماعات الضغط داخل مؤسسات الدولة، وحول حقيقة الوضع داخل مراكز صنع القرار في البلاد.

وذكر مصدر متابع للتطورات الداخلية، أن “قرار الرئيس بوتفليقة، يوحي بالتداخل في الصلاحيات داخل مراكز القرار وتضارب المصالح والصراعات بين الأجنحة النافذة، وأن الخطوة أقرب إلى مناورات الاستقواء أكثر منها إلى التهدئة، لأنها لن تتوقف عند هذا المستوى، وستمهد لخطوات أخرى ستكون أكثر قوة وحسما للصراعات الداخلية”.

وأضاف أن “القرار جاء في صيغة أمر داخلي، بصفته رئيس الجمهورية ووزير الدفاع الوطني والقائد الأعلى للقوات المسلحة والقاضي الأول للبلاد، وإذ راعى الترتيبات القانونية الداخلية التي تتيح له ذلك في إطار الإفراج في الحالات الاستثنائية، فإنه لم يأت في شكل مرسوم رئاسي كما دأب على ذلك في المناسبات والأعياد الوطنية والدينية”.

وجاء قرار الإفراج بالموازاة مع الانتقادات الصريحة التي وجهها وزير العدل طيب لوح لرئيس الوزراء أحمد أويحيى، حول ما عرف في الجزائر بـ”حملة الأيادي النظيفة” خلال تسعينات القرن الماضي، التي شنها أحمد أويحيى، ضد إطارات وكوادر زج بهم في السجون آنذاك بتهم الفساد وسوء التسيير.

هجوم وزير العدل طيب لوح المحسوب على جناح الرئاسة، على أحمد أويحيى مقدمة للتخلص منه في أقرب فرصة

وقال وزير العدل في مدينة وهران بغرب البلاد “عهد الزج بالناس في السجون قد ولى، وأن القانون هو الذي يحكم الجميع”، وهي رسالة مثيرة ومبطنة لأحمد أويحيى، أشار من خلالها طيب لوح، إلى تشابه بين تلك الحملة وبين ظروف سجن الجنرالات الخمسة دون تسميتهم، الأمر الذي يؤكد حالة التداخل في صلاحية اتخاذ القرار، والتجاذب بين أركان السلطة.

ولم يتوان لوح في اتهام رئيس الوزراء بـ”تلغيم” سياسة رئيس البلاد، من خلال إقرار رسوم وضرائب لإثقال كاهل المواطنين، في إشارة إلى الرسوم التي أقرتها الحكومة في قانون المالية العام الماضي حول الوثائق البيومترية، والتي تدخل الرئيس بوتفليقة لإلغائها، شأنها شأن بعض الخيارات الاقتصادية الأخرى.

ولم يتأخر حزب رئيس الوزراء (التجمع الوطني الديمقراطي)، في الرد على تصريحات وزير العدل، وذكر أن “التطاول على الأمين العالم للحزب أحمد أويحيى، في قضية الإطارات المسجونة في تسعينات القرن الماضي، مجرد افتراءات وملف فارغ”.

وقال “بعض الأصوات تطاولت مرة أخرى ضد الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، بإشارة مرة أخرى إلى الملف الفارغ للإطارات المسجونة في التسعينات، ونظرا للتأويل والتهويل اللذين يغذيان في مثل هذه التصريحات التي لا تخفي نواياها على أي كان، نرى من المفيد أن نزود الرأي العام بالحقائق”. ويشكل التصعيد بين حزب أويحيى، ووزير العدل، بالتزامن مع قرار الإفراج عن الجنرالات الخمسة، تطورا لافتا داخل هرم السلطة، يتصل بمرحلة ترتيب الأوراق قبيل الإعلان الرسمي المنتظر عن ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، وحسم معركة المواقع خلال مرحلة ما بعد انتخابات أبريل القادم.

ويعيد السجال بين الطرفين الحديث عن موقع أحمد أويحيى، كضلع من أضلاع السلطة وأحد الفاعلين في محيط الرئاسة، خاصة بعد الانتقادات والشكوك التي طالته في وقت سابق من طرف قيادة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، حول طموحاته السياسية وسعيه لخلافة بوتفليقة.

ومن غير المستبعد أن يكون هجوم طيب لوح المحسوب على جناح الرئاسة، على أحمد أويحيى مقدمة للتخلص منه في أقرب منعرج.

في حين يرجح مراقبون أن يكون التصعيد بين حزب التجمع الوطني الديمقراطي ووزير العدل، معركة استباقية لتعديل حكومي وشيك يطيح بالكثير من الرؤوس والأوراق
المتآكلة.

ويرشح أن تمتد هذه المعركة إلى مسؤولين سامين في المؤسسة العسكرية والأمنية، كتتمة لخطوة الإفراج عن الجنرالات الخمسة، ويكون على رأس هؤلاء، قائد جهاز الدرك الجنرال الغالي بلقصير، ومنسق الأمن (الاستخبارات) الجنرال بشير طرطاق، وقائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، وهو السيناريو الذي يثبت أركان الولاية الخامسة بشكل مريح ومطمئن.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: