الانتخابات الجزائرية وشبح الانزلاق إلى المجهول

يميل عدد من المحللين السياسيين الجزائريين إلى اعتبار التصريح الذي أدلى به وزير العدل الجزائري طيب لوح، والذي قال فيه إن جميع الانتخابات الوطنية ستجري في أوقاتها المحددة، بمثابة إشارة تمهد للحملة الانتخابية الرئاسية القادمة، غير أن قسما من هؤلاء المحللين لهم رأي مغاير بخصوص هذه القضية، ويرون أن تصريح هذا الوزير لا يمت إلى العفوية السياسية بصلة،

بل هو محسوب بدقة ويهدف من خلاله إلى تحقيق أهداف معينة منها تصوير الوضع في الجزائر على أنه طبيعي، وتقديم النظام الحاكم كعرَاب للدولة التي يشرّع البرلمان قوانينها، ويصفه أيضا بأنه متمسك بمبدأ الانتخابات كأسلوب لممارسة الشرعية الشعبية، وأنه في لن يتنازل عن ما يسمى في الثقافة السياسية الجزائرية النموذج الجزائري للتعددية الديمقراطية.

ولكن التحليل الدقيق لشفرات الخطاب السياسي الذي كرّسه النظام الجزائري على مدى سنوات طويلة يكشف لنا أن وزير العدل مدفوع من أطراف فاعلة في قصر الرئاسة من أجل التغطية على الأزمة العاصفة التي يمر بها البرلمان الجزائري (الغرفة السفلى) برئاسة القيادي المخضرم في حزب جبهة التحرير الوطني سعيد بوحجة.

إلى جانب ما تقدم فإن التجديد النصفي للغرفة العليا للبرلمان (مجلس الأمة) الذي أعلن عنه الوزير طيب لوح في اليوم المذكور آنفا ليس سوى سيناريو أولي له عدة مقاصد، منها القيام بسبر الآراء بطريقة غير مباشرة من أجل دراسة ردود الفعل على مستوى الجزائر العميقة ولدى ما يسمى بفصائل المعارضة، وذلك من أجل الكشف عن طبيعة وحجم الوعاء الانتخابي الذي يراهن عليه النظام في الانتخابات الرئاسية القادمة.

من الناحية العملية هناك اعتقاد سائد في الشارع الجزائري يؤكد أصحابه أن التجديد النصفي لمجلس الأمة، في هذا الظرف الحرج، هو ترجمة براغماتية لمخطط تم نسجه بإحكام من طرف أحزاب الموالاة والمدعوين بجماعة المناشدين الذين يهللون بهيستيريا لترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للعهدة الخامسة، لتصفية عدد من الوجوه في مجلس الأمة وفي مقدمتهم أولئك الذين أظهروا بعض التلكؤ في هضم فكرة العهدة الخامسة. النظام الجزائري يعرف أن هؤلاء لا يشكلون أي خطر عليه جراء افتقادهم إلى الترابط في ما بينهم، كما يعوزهم العمق الشعبي الذي يمكن أن يلتف حولهم، وفضلا عن ذلك فهم يتميزون بكونهم أقرب إلى براغماتيين فرديين متمركزين على مصالحهم الشخصية، وهو الأمر الذي أدى بهم إلى الفشل في تشكيل قوة منظمة داخل المشهد السياسي الوطني.

لا شك أن مخطط النظام الجزائري من وراء الإعلان عن ضرورة تنفيذ التجديد النصفي لمجلس الأمة يرمي إلى تمكين الرئيس بوتفليقة من ممارسة الحق الدستوري الذي يسمح له قانونيا باختيار وتعيين الثلث الرئاسي في هذا المجلس ليحلوا محل الأعضاء القدامى المستهلكين وشبه المعارضين، ولكي يستخدمهم في الانتخابات الرئاسية القادمة كما يشاء.

كيف يمكن أن تجري الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد في الوقت الذي لم يعلن فيه النظام الجزائري، حتى هذه اللحظة، عن مرشحه الرسمي للرئاسيات القادمة في شهر مارس 2019 الذي لا تفصلنا عنه إلا مدة قصيرة، ولم يتح أيضا الفرصة لأطياف امعارضة أن تختار مرشحيها للرئاسيات، وماذا يريد أن يحققه بواسطة هذا التأخير المتعمد؟

هناك عدة تأويلات بخصوص مشكل عدم الحسم في تحديد موعد الانتخابات، وهناك مثلا تأويل يرتكز على فرضية مفادها أن الهدف من تأخير الانتخابات الرئاسية هو انتظار تماثل الرئيس بوتفليقة للشفاء من مرضه لكي يكون ترشيحه للعهدة الخامسة مستساغا. وبالتوازي هناك تأويل يقوم على أن الموالين للرئيس بوتفليقة يقولون إن التأخير النسبي هو من أجل فاصل زمني يمكنه من استكمال الإصلاحات والتغييرات التي تحقق جزء منها مثل التغييرات التي هزت معاقل بعض كبار الشخصيات في المنظومة العسكرية والأمنية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: