هجرة الكفاءات في العالم العربي.. نزيف ينذر بموت بطيء

الثلاثاء 2018/10/02

كفاءات عربية في الضفة الأخرى

أخطر ما يستنزف البلدان النامية هو هجرة الأدمغة والكفاءات العلمية، ذلك أن هذه الآفة من شأنها أن تزيد من الهوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير، وتصبح البلدان المصدرة للكفاءات تدور في فلك دائرة مغلقة فتستقطع من ثرواتها البشرية لتمنحها للبلدان المستقطبة لهذه الكفاءات.

يمكن تشبيه الكفاءات المهاجرة بنبتة الطرخون التي تسقيها وتهتم بها في حديقة منزلك فتنمو وتثمر لدى حديقة جارك، لذلك نعت المخيال الشعبي هذا النبات بـ”الخائن”.

إن هجرة الكفاءات هي، بحق، ضرب من الخيانة التي لا يمكن السكوت عليها، وينبغي تحميل المسؤولية لجميع الأطراف المتسببة في هذه الظاهرة، ذلك أنها بمثابة الوباء المتفشي، ويصعب إيقافه ما لم تعالج جميع أسبابه.

كل الدراسات التي أُعدت حول هذا الموضوع في منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط، دقت ناقوس الخطر. وتعتبر هجرة الأدمغة من أكبر التحديات وأهم المشاكل التي يجب أن يُوجد لها حل مناسب وناجع، لكن حدث عكس ذلك تماما إذ زادت نسبة هجرة الأدمغة بشكل يؤكد أنه لا قرارات حازمة اتخذت لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.

عوامل كثيرة طاردة للعقول العربية، ولا ينبغي التركيز فقط على الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، فالعوامل السياسية تعد في نظر الدارسين والمحللين، أساسية وفاعلة في هذه الظاهرة، ذلك أن منظومات فاسدة كثيرة في العالم العربي قد اتخذت إجراءات قمعية ضد العلماء والمفكرين والأكاديميين والمثقفين، من أجل طردهم تحت مظلة الهجرة
الطوعية.

وتعتبر المناخات الديمقراطية من أهم العوامل المشجعة على البقاء والعمل داخل البلاد لما توفره من إحساس بالأمان والانتماء للمجموعة الوطنية، وما يتطلبه ذلك من روح العطاء والتضحية رغم الإغراءات المالية في الخارج، لكن حالات الفساد والمحسوبيات من شأنها أن لا تشجع على العيش والاستثمار داخل البلاد.

 هذا النزوح المستمر للعلماء والخبرات من المنطقة العربية سوف يوسع الهوة الحضارية والعلمية بين العرب والدول الغربية أكثر فأكثر

وبين الزواغي أن الدول الخمس الأولى التي احتلت رأس الترتيب ضمن المؤشر المذكور، الذي تم إطلاقه سنة 2013 وهي سويسرا وسنغافورة والولايات المتحدة والنرويج والسويد، نجحت في إرساء نظم تربوية تستجيب لحاجيات السوق من خلال تطوير الكفاءات التقنية والتعاونية، وفي تطوير سياسات تشغيلية مرنة تضمن التغطية الاجتماعية، بالإضافة إلى انخراط الأطراف المتدخلة من حكومة ومؤسسات ونظم تربوية.

هذا النزوح المستمر للعلماء والخبرات من المنطقة العربية سوف يوسع الهوة الحضارية والعلمية بين العرب والدول الغربية أكثر فأكثر، ويؤدي إلى تراجع مستويات التنمية في المنطقة العربية، واستمرار استيراد الخبرات الأجنبية إلى البلدان العربية لسد النقص الحاصل، والتكلفة الاقتصادية المالية المرتفعة التي تُسدد لهم.

كما أن هجرة العقول العربية سوف تتسبب كذلك في انخفاض مستويات التعليم الجامعي نتيجة النقص في المؤهلات الأكاديمية والبحثية، وتؤثر في قدرة العرب على الربط بين المستويات التعليمية والحالة الثقافية من جهة، وبين متطلبات خطط التنمية من جهة أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: