هجرة الكفاءات في العالم العربي.. قوة اقتصادية للأوطان الأصلية

الثلاثاء 2018/10/02

كفاءات عربية في الدنمارك

 تأخذ نظرة المغرب  إلى قضية هجرة العقول إلى الخارج، أبعادا سلبية، دون اكتراث بالأبعاد الإيجابية لذلك، على صعيد المساهمة في التنمية ببلد المنشأ، وزيادة الواردات من العملات الأجنبية، والتسويق لسمعته  في الدول المتقدمة، والتعامل معها كسفراء للمغرب أو إحدى قواه الناعمة خارج الحدود.

لا يدرك أكثر المعارضين لفكرة هجرة الأدمغة من المغرب، أن فئة من هؤلاء العباقرة والنابغين نجحت فيما لم تستطع الحكومات فعله، على الصعيد العلمي والاقتصادي والبحثي والأكاديمي، ونقلت بلادها إلى مرحلة متقدمة من الفكر والوعي والثقافة وتغيير أولويات الأنظمة الحاكمة.

أزمة المغرب، أنها يتعامل مع هجرة الأدمغة باعتبارها كارثة مجتمعية وتربوية وعلمية، دون وضع خطة واقعية للاستفادة من هؤلاء، وحتى إن تحركت بعض الحكومات للتعاطي معهم، فإنها لا توفر بيئة خصبة لجني ثمار خبراتهم وعلاقاتهم ووضعهم الوظيفي والاجتماعي والاقتصادي في البلدان التي استقروا فيها.

الناظر إلى الفرق بين بعض البلدان العربية، والهند والصين على سبيل المثال، يتكشف حجم التعاطي الإيجابي مع فكرة هجرة العقول وانعكاساتها على التنمية، بعدما عمل البلدان على تشجيع توطين التقنية ونقل المعرفة من الدول المتقدمة صناعيا إليهما من خلال قناة اتصال أساسها العنصر البشري، ما ساعدهما في عملية نقل الخبرات وأحدث ما توصل إليه العلم الحديث وتوظيفه بشكل يفيد المجتمع والاقتصاد ويحقق التنمية المستدامة.

تتطلب الاستفادة المثالية من الطيور المهاجرة، أن تكون هناك قنوات اتصال مباشرة معهم أثناء تواجدهم في بلدان العالم المتقدم، والتفكير بمنطق معاصر من زاوية أن الهجرة تنمي قدراتهم وكفاءاتهم العقلية والعلمية، ما يجعلهم رصيدا إضافيا لوطنهم الأصلي في مجال الريادة الفكرية والتسويق المثالي له أمام العالم.

المغرب مطالب بالتعاطي مع هجرة الأدمغة والكفاءات كأحد العناصر الاستراتيجية للشراكة مع الغرب المتقدم

المتابع لبعض الحالات في إسهاماتها المباشرة وغير المباشرة في تغيير بلادها ونقلها إلى مرحلة متقدمة من الوعي والثقافة يدرك إيجابيات هجرة الأدمغة، وأكبر دليل على ذلك حصول بعض العلماء والأكاديميين العرب المهاجرين على جائزة نوبل للعلوم في تخصصات دقيقة، عجزت البلدان المتقدمة عن الوصول إليها. من هؤلاء، العالم المصري الراحل أحمد زويل، الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 لإنجازاته العلمية غير المسبوقة، في وقت كانت بلاده غير عابئة بفكرة البحث العلمي والاستثمار في العقول واحتواء النابغين، حتى عاد إليها بعد سنوات من الغربة، وبدأ نهضة علمية وبحثية بإنشاء جامعة زويل للمبتكرين في العلوم والتكنولوجيا، وعمل على تغيير ثقافة الحكومات المتعاقبة والمجتمع، تجاه البحث العلمي وأهميته في التنمية المستدامة.

تمثل هجرة الأدمغة أحد أهم العوامل التي تحرك التغيير الاجتماعي في المنطقة العربية، لأن احتكاك هؤلاء بعقليات وثقافات متقدمة، يمكن أن يساهم في تطوير فكر وثقافة مجتمعاتهم الأصلية بعيدا عن الارتكان للماضي وخشية التحرك خطوة واحدة نحو التفكير بشكل عصري يواكب التطورات العالمية.

ولأن بعض المجتمعات النامية وحتى العربية، تعاني مرارة الجهل والبيروقراطية والابتعاد عن متطلبات العصر، فإن الارتكان إلى نقل المعرفة والمهارات والخبرات والأفكار والثقافة المكتسبة للمهاجرين من الدول المتقدمة، أحد الحلول الاستراتيجية لمواجهة هذه الإشكالية، باعتبار أن خبرات أصحاب الأدمغة المهاجرة في نقل هذه المكتسبات لأوطانهم تفوق قدرات قنوات الاتصال الرسمية لبلد المنشأ.

بالنظر إلى العوائد الاقتصادية، على المغرب ، فإن تحويلات المهاجرين تمثل مصدرا مهما، يكاد يتخطى المساعدات الدولية وأحيانا يحل في المرتبة الثانية بعد الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، فضلا عن إسهاماتهم في تدعيم التنمية والحد من الفقر في بلدانهم الأصلية، ما يعني أن عوائد هجرة العقول أصبحت في مكانة مكملة للاستراتيجيات الوطنية.

كاد المغرب يواجه أزمة خانقة في توافر العملة الأجنبية، جراء التقلبات الاقتصادية والسياسية التي صاحبت الربيع العربي، وكانت تحويلات أبنائها المهاجرين بمثابة الملاذ الآمن لإنقاذها من خطر الدخول في دوامة انهيار عملتها المحلية، على غرار مصر إبان ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: