العثماني: المغرب في صراع مع شبكات هجرة قوية عابرة للحدود لتهريب البشر والمخدرات والأسلحة

Oct 02, 2018

 تتخذ الاحتجاجات على مقتل الفتاة حياة بلقاسم برصاص البحرية الملكية المغربية أشكالًا متعددة، وتتوالى تصريحات المسؤولين الحكوميين وزعماء الأحزاب والمنظمات غير الحكومية، فيما لا يزال موقف المغرب الرسمي يلتزم الصمت في انتظار تصريح رسمي لوزير الداخلية أمام البرلمان.
وأطلقت البحرية الملكية المغربية النار، يوم الثلاثاء 25 شتنبر، على زورق كان يقل مهاجرين مغاربة نحو إسبانيا، بعدما رفض قائده، وهو إسباني ذو سوابق قضائية عديدة، الامتثال لأوامر الوحدة القتالية التابعة للبحرية الملكية، ما خلف مقتل «حياة بلقاسم» وجرح ثلاثة آخرين من مواطنيها، واعتقال صاحب المركب واثنين من مساعديه، وكلهم يحملون الجنسية الإسبانية. وأعلنت السلطات المغربية فتح تحقيق في الحادث الذي لم تعلن حتى الآن نتائجه.
ونقل عن مسؤول أمني رفض ذكر اسمه أن الشبان الذين كانوا على متن الزورق كانوا يتغطون، ما حال دون رؤية رجال الدرك لهم، وأن الرصاص أطلق على الزورق بعد محاولة قائده الإسباني المراوغة والإفلات.

العودة إلى أوروبا

وغادر (معاد. أ)، أحد المصابين الثلاثة في الحادث، المستشفى في حالة اعتقال قبل عرضه على النيابة العامة بمحكمة الاستئناف في تطوان بعد 3 أيام قضاها في المستشفى متأثرًا بجروح خلفتها شظايا الرصاص الذي واجهت به البحرية الملكية القارب، الثلاثاء الماضي، بسواحل المضيق، وغادر معاد المستشفى في حالة اعتقال، مباشرة نحو سرية الدرك الملكي في تطوان، حيث خضع لفترة الحراسة النظرية، رفقة حوالي 14 شخصًا لهم علاقة بالملف نفسه.
وكان معاد، الذي يقطن في مدينة شفشاون، والبالغ من العمر 34 سنة، يعيش في إسبانيا، وتم ترحيله إلى المغرب بين سنتي 2011 و2012 بسبب مشاكل قانونية واجهته هناك، ليعود إلى مدينته ويعمل بشكل متقطع في مجال السياحة، قبل أن يقرر العودة مجددًا إلى أوروبا، عبر قوارب الموت.
يأتي ذلك في الوقت الذي ما يزال فيه المصابان الآخران يتلقيان العلاج في المستشفى، وسط تكتم شديد عن حالتهما الصحية، ووسط مراقبة أمنية مشددة، ويتعلق الأمر بـ(حمزة. ب)، البالغ من العمر 25 سنة والمنحدر من مدينة تطوان، إذ خضع لعمليتين جراحيتين على مستوى اليد والصدر. أما المصاب الثالث، وهو (عبد الحبيب. ص) البالغ من العمر 26 سنة، فلا يزال يخضع للمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا في الرباط، إذ تمت إحالته على قسم الإنعاش، بعدما أخضع للفحوصات الضرورية، وتبقى إصابته الأكثر خطورة.
وأثار حادث مقتل الطالبة في كلية الحقوق بمارتيل القريبة من تطوان استياء عامًا وردود فعل عارمة على المواقع الاجتماعية، ومطالب بمعاقبة المسؤولين عن الحادث. وشهدت مدينة تطوان التي تنحدر منها الطالبة الجامعية حياة بلقاسم (22 سنة) مسيرات ومظاهر احتجاجية منذ الإعلان يوم الثلاثاء الماضي عن مقتل الفتاة التي كانت على متن زورق سريع محاولة للوصول رفقة 25 شابًا إلى الشواطئ الإسبانية.
ورفع المحتجون الذين شكل التراس فريق المغرب التطواني شعارات منددة بمقتل حياة، «الشعب يريد إسقاط الجنسية»، و»حياة مقتولة والدولة المسؤولة»، مطالبين بمحاسبة المتسبّبين في وفاة الطالبة المغربية، وللتنديد بالوضع الذي يدفع الشباب المغربي إلى ركوب قوارب الموت، خاصة من منطقة الشمال.
وأظهرت صور نشرتها مواقع محلية عشرات المحتجين يحملون أعلامًا إسبانية ويرفعون شعارات يافطات «باي باي يا بلادي، إسبانيا تنادي»، «وداعًا بلادي، إسبانيا تنادي»، و«الشعب يريد من قتل حياة»، و«الشعب يريد الحرية فابور (الهجرة السرية بالمجان)»، إلى جانب شعار رُدّد باستمرار هو «بيبا إسبانيا»، أي «تعيش إسبانيا».
وقالت مصادر أمنية مغربية في تطوان إنه «جرى استدعاء عدد من الأشخاص لهم صلة بالأحداث التي شهدتها مدينة تطوان أمس»، مضيفًا أن «عناصر من الشرطة القضائية بصدد الاستماع إليهم».
وقالت تقارير أن التحقيقات الأولوية التي باشرتها الأجهزة الأمنية المغربية بتنسيق مع نظيراتها الإسبانية بخصوص موجة الهجرة المجانية-العلنية وملابسات حادث إطلاق النار من قبل عناصر البحرية الملكية على «الفانتوم»، الذي أودى بحياة الطالبة حياة وأسقط ثلاثة جرحى؛ كشفت أن منظمة إجرامية مافيوزية هي التي تقف وراء حملة التهجير هاته للشباب المغربي على متن قوارب موت سريعة تتوفر على ثلاثة محركات قوية في الخارج تستعمل في الأصل لتهريب المخدرات من شمال المغرب إلى الجنوب الإسباني، وأن الشبكة نفسها تقف وراء «الفانتوم» الذي أطلقت عليه البحرية المغربية الرصاص.
وقالت إن «الأجهزة الأمنية في البلدين تسابق الزمن من أجل تحديد هوية رؤوس الشبكة، بهدف الوصول إلى تفكيك بنية الشبكة بشكل كامل، قبل أن تتمكن من فرض هذا النوع الجديد من الهجرة السرية على أرض الواقع» بعد التأكد من أن الشبكات لديها «ارتباطات بعالم الاتجار في المخدرات، وأنه تم اللجوء لهذا النوع من «البزنيز» من أجل الحصول على مبالغ مالية كبيرة، نظرًا إلى سرعة هذه القوارب التي تسمح بالقيام بالعديد من الرحلات في اليوم. على الأقل هذه هي نواياهم». وتضيف أن الشبكة المافيوزية تنشط بالضبط في منطقة الجزيرة الخضراء وشمال المغرب ومنظمة بما يكفي. كما أنه لا توجد رحالات مجانية، بل في الحقيقة تقوم الشبكة بالتهريب مقابل 10000 درهم لكل مرشح، أما الرحلات المجانية فهي مجرد حملة تسويقية لاستقطاب المزيد من الشباب.

مخدرات

وقالت التقارير إن أفراد البحرية الملكية كانوا يعتقدون أن الأمر يتعلق بفانتوم محمل بالمخدرات، نظرًا لأن المهاجرين انحنوا واختبأوا، ما صعب مأمورية تمييزهم من مسافة معينة عن حزمات الحشيش التي اعتاد المهربون شحنها في تلك القوارب. كما أن الربان الإسباني الرئيس رفع من سرعة القارب الذي يتوفر على محركات إضافية في الخارج، رغم تحذيرات البحرية الملكية.
وعبر سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، مساء السبت، عن حزنه وألمه العميق نتيجة وفاة الشابة حياة، وقال «ألمٌ لنا جميعًا وفاة تلك الفتاة» ودعا في لقاء حزبي إلى استمرار التحقيق «لكي نعرف ماذا وقع وكيف»، إذ «تقع بين الفينة والأخرى أحداث مؤسفة لا بد من أن نتوقف عندها»، و»آلمنا جميعًا وفاة الشابة حياة، لا بد أن أكون متألمًا، ولا يمكنني كرئيس حكومة أن أقبل أن يتضرر أي مغربي».
وقال إن المغرب ضحية للهجرة السرية، و»في صراع مع شبكات التهجير، إنها شبكات قوية عابرة للحدود، لها تمويلات ضخمة من تهريب المخدرات والبشر والأسلحة، هذا مشكل كبير، والبلد يمكن أن نكون معبرًا لأنشطة غير قانونية»، وأضاف: «المغرب في حرب مع شبكات التهريب أساسًا، وغضب المواطنين يجب أن يكون ضد شبكات التهريب التي تبيع الوهم للمغاربة»، وتساءل «لماذا ينقلون المغاربة مجاناً؟»، وقال: «حين أغلقت عليهم منافذ أخرى، يريدون إرباك الوطن والمواطنين»، وأن المغرب سيواجه الهجرة السرية بحزم، وقال إن «المغرب لن يسمح بأن يكون مَعبرًا لأنشطة غير قانونية، وقد تمكنّا من تفكيك شبكات الهجرة التي ألقي عليها القبض وإنقاذ آلاف المهاجرين في الآونة الأخيرة، وهناك جهد كبير بذلته السلطات الأمنية على جميع المستويات للحد من هذه الظاهرة»، وإن «غَضَب المواطنين يجب أن يصب على هؤلاء»، ولم يُخف العثماني مسؤولية حكومته في ما يجري، مبرزًا أنها منكبة على «إنجاز مشاريع ذات بعد كبير، حيث وضعنا أولويات واضحة، وهي التعليم والصحة والتشغيل والحماية الاجتماعية، ودعم التنافسية الاقتصادية والمساعدة على التصنيع، ومحاربة الفساد».
وقال مصطفى الرميد، وزير حقوق الإنسان، إن السلاح لم يوجه للفتاة حياة بلقاسم، وإنما وجه إلى قائد الزورق الذي يحمل الجنسية الإسبانية، وأوضح الرميد الذي كان يتحدث في برنامج تلفزيوني على قناة «ميدي 1 تي في» شبه الرسمية، مساء السبت، أن «السلاح لم يوجه إلى مهاجرين ، السلاح وجه لشخص أجنبي يقوم بخرق المجال البحري الوطني، ذهابًا وإيابًا، لمرات عديدة، وأصبح محل تداول في كثير من المجالات، وأصبح الموضوع يثير استفهامات، هل لدينا في المغرب قوات أمنية؟ هل لدينا قوات مسلحة قادرة على أن تردع هذا الغازي؟».

انسداد الأفق

وكشف الرميد أنه، كوزير لحقوق الإنسان، أجرى اتصالات مع المسؤولين، وتم التأكيد له «على أن الأمر يتعلق بزورق سريع جدًا، وسرعته تفوق المألوف من الزوارق، تحدى المجال البحري المغربي مرارًا، وكان لا بد من مواجهته»، قبل أن يضيف «والذي يؤكده المسؤولون هو أن الشخص الذي استعمل السلاح لم ير الضحية»، وقال: «هل كانت هذه القوات ترى المرحومة حياة أو من هم معها ووجهت لها الرصاص؟».
وقال: «هذا شخص (قائد الزورق) يتحدانا كمغاربة، وكيدير (يفعل) في مجالنا البحري ما يشاء، يدخل ويخرج، إذن هنا السؤال: هل كان من حق القوات المعنية أن تواجه فعل هذا الشخص بالحزم الضروري أم لا؟ لا يمكن لمغربي أن يقول: ماخصش (لا يجب) يكون الحزم».
وقالت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، إنها تتألم لحادث مقتل الطالبة حياة بلقاسم، وإن ما أدى بحياة وبغيرها من الشباب إلى التفكير في مغادرة المغرب هو «انسداد الأفق»، وأن المغرب في حاجة إلى انفراج سياسي، قائلة: «بلادنا في حاجة إلى انفراج سياسي، وتعاقد سياسي جديد وقوي بين القوى السياسية والمؤسسة الملكية لبناء الملكية البرلمانية، ودولة الحق والقانون، وتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة»، وقالت إن المغرب لم يعرف قط انتخابات نزيهة، ولذلك فلا وجود للديمقراطية في المغرب، وإنما هناك «ديمقراطية الواجهة».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: