تصدع زواج المرحلة بين التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية في المغرب

السبت 2018/09/01

بن كيران كانت له رؤيته التي تطابقت مع أهداف وغايات بن عبدالله

ما يحدث بين حزبي التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية هذه الأيام نتيجة حتمية لزواج قصري بين عقليتين وعاطفتين وتاريخين وطريقين متناقضين على طول الخط.

منذ سنوات اعترض الرفاق على توجهات واختيارات نبيل بن عبدالله الأمين العام للحزب الشيوعي كما كان يسمى، ولم يستسيغوا طبيعة التحالف الذي جمعه بعبدالإله بن كيران الأمين العام للحزب الإسلامي بعدما تصدر نتائج الانتخابات في العام 2012 وشكّل الحكومة التي استمرت إلى العام 2016.

وساق عبدالإله بن كيران العديد من المبررات والمسوغات الدينية والوعظية والإيمانية لإقناع قواعد وقيادات حزبه فامتثلوا بالسمع والطاعة وقبلوا عقد الزواج وهناك من دافع ولازال على حيثيات هذا العقد وضرورة الالتزام بكل بنوده حتى وإن تغيرت معطيات وجوده لأول مرة.

في المقابل لاقى الرفيق نبيل بن عبدالله العديد من الاعتراضات والمنازلات والاحتجاجات ضد اختياره ووقف بعض رفاقه في الحزب صفا لتقويض هذا العقد.

بعد فشل عبدالإله بن كيران في تشكيل الحكومة إثر انتخابات العام 2016، تحسر نبيل بن عبدالله على مغادرة بن كيران سفينة رئاسة الحكومة، وتأسف بعدما فشلت جهوده في إقناع جميع الأطراف للوصول إلى حل توافقي.

وأعرب عن قلقه إزاء دقة الوضع وصعوبة الاختيار، وكان فقط تفاعلا شكليا من شخص لا يريد العيش خارج بركة الحكومة، ومحاولة منه لإبراء الذمة أمام شريك لم يعد له دور في المشهد واستمر وكأن شيئا لم يقع ليتولى حقيبته مع حكومة العثماني.

في بداية مرحلة التحالف الذي وصف بالمرحلي والسياسي قالت قيادات الحزب إن المغرب بحاجة اليوم إلى حكومة قوية ناجعة تقف ضد الفساد والفاسدين والتي ستبعث رسائل طمأنة إلى الشعب بأنه سيعيش سنوات رغيدة مع هذا التحالف بين حزبين لا يهم توجههما الأيديولوجي.

لكن بعد الولاية الأولى لحكومة بن كيران استمر الفساد ضاربا أطنابه داخل جل المؤسسات والإدارات المغربية وزادت معاناة الفقراء والطبقة المتوسطة مع قرارات لا شعبية لحكومة يشارك فيها الحزب التقدمي، وبالتالي نكون أمام منجزات وأعمال ليست في مستوى تطلعات الشعب والجماهير الكادحة كما تصفها أدبيات الحزب الشيوعي سابقا.

الذين يرفعون شعار استهداف العدالة والتنمية وحرص جهات ما على تفكيك تحالفاته خصوصا مع التقدم والاشتراكية يرددون كلاما عاطفيا، ويتغاضون على قانون استكمال الدورة السياسية لمرحلة لم تعد كسابقتها قبل ثماني سنوات

الأخلاقيات في السياسة تتطلب رصيدا من الفهم العميق للمتغيرات وعقودا طويلة من الممارسة الديمقراطية وتجربة كبيرة في التدبير السياسي المسؤول، لكن ما لاحظناه أن رئيس التقدم والاشتراكية ساهم في إبعاد بعض أبناء الحزب البررة اختلفوا معه في منهجية تدبير المرحلة فكان مصيرهم خارج الهياكل واستقدام آخرين سيكون لهم الكلمة في المؤتمر الأخير لاستبقاء نبيل بن عبدالله أمينا عاما لولاية أخرى دون النزول من الحافلة وترك المقود لجيل من القيادات لها نصيبها من الثقافة السياسية والحزبية.

من الواضح أن حزب العدالة والتنمية لم يصدمه بيان دبجه المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية بعد إعفاء شرفات أفيلال من مهمتها الوزارية رسميا في 20 أغسطس الماضي، وكال فيه الاتهامات للعثماني بأنه خائن للثقة مهددا بأنه قد يخرج من الحكومة بعدما لم يستشره بشأن قرار الإعفاء.

لكن حزب العدالة والتنمية أكد على أهمية العلاقة التي وصفها بالخاصة والمميزة التي تجمع بينه وبين حزب التقدم والاشتراكية، وما يقتضيه ذلك من ضرورة الحرص على الاستمرار في مسار التعاون بينهما.

هكذا ردت الأمانة العامة للعدالة والتنمية ببرودة أعصاب على الحزب المصدوم بإعفاء وزيرة كانت على خلاف مع الإسلامي عبدالقادر أعمارة وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء.

تقلص حجم التقدم والاشتراكية العددي داخل البرلمان ففشل في تشكيل فريق برلماني ولم يعد على ود كبير مع ما تبقى من العائلة اليسارية، وبالكاد يحصل على نتائج انتخابية تؤهله للحديث باسم الشعب، ولكنه مع ذلك يطالب بمناصب حكومية تفوق حضوره.

فلم ينجح حتى على مستوى الملفات التي كلف بتدبيرها في قطاعات الصحة والسكنى وسياسة المدينة فكان إعفاء بعض الوزراء منهم بن عبدالله بذاته ردا مباشرا من الدولة، وحتى شرفات أفيلال التي نقلت خلافها مع أعمارة إلى أعلى سلطة في البلاد كانت غير موفقة في مهامها إذ سجل المجلس الأعلى للحسابات اختلالات في طريقة تدبير أفيلال لبناء عدد من السدود.

الكثيرون من داخل وخارج التقدم والاشتراكية عابوا عليه استمراره في الحكومة بعد النتائج الهزيلة التي نالها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، نتائج لا تؤهله للاصطفاف إلى جانب الحزب الإسلامي داخل الحكومة والاستفراد بأربع حقائب وزارية، منها وزارة الإسكان والتعمير وإعداد التراب الوطني، وهو ما يؤكد أن العدالة والتنمية في عهد العثماني لم تخيّب آمال الحزب الصغير فتم احتضانه إلى الآن.

قبل وبعد حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء التي كانت تحت إشراف شرفات أفيلال لم يكلف أعضاء المكتب السياسي للحزب ولا اللجنة المركزية أنفسهم البحث في الكيفية التي يمكن معها دعم وزيرته للارتقاء بعملها في قطاع استراتيجي يمر بأزمة حقيقية لا يمكن رهنه لحسابات سياسية ضيقة لا تراعي مصالح بلد بأكمله، بدل إطلاق قنابل صوتية في كل اتجاه وتدبيج بيانات إنشائية في محاولة يائسة للفت الانتباه أو الضغط حتى تكون المرحلة المقبلة بردا وسلاما على الحزب التقدمي.

التحالف المصلحي بين العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية ليس كتابا منزلا وإنما هي رؤية سياسية تتغيّر بتغيّر الظروف والأحوال، ولا يمكن التباكي على حائط تحالفات من هذا القبيل لا يمكنها أن تكون استراتيجية بنسبة مئة في المئة نظرا إلى مرجعيتهما المختلفة. عبدالإله بن كيران كانت له رؤيته التي تطابقت مع أهداف وغايات نبيل بن عبدالله ومن دفع به إلى الالتحاق بالحكومة فتم خلق ذلك التوافق.

أما الذين يرفعون اليوم شعار استهداف العدالة والتنمية وحرص جهات ما على تفكيك كل تحالفاته خصوصا مع التقدم والاشتراكية يرددون كلاما عاطفيا وغير دقيق، ويتغاضون على قانون استكمال الدورة السياسية الطبيعية لمرحلة لم تعد كسابقتها قبل ثماني سنوات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: