نموذج التدين المغربي مرجعية تدعم الاستقرار والسلم الأهليين

المغاربة يندمجون في نموذج من التدين عبر تاريخهم يشترك فيه ما هو طقوسي مرتبط بمناسبات دينية معينة واعتنائهم بسلوك يستمد أسسه من مبادئ أولية في التصوف.
الاثنين 2018/07/30
التدين المغربي صار نموذجا للاعتدال

أعطت المجتمعات العربية والإسلامية في أغلبها نمطا سلبيا ومشوشا لمفهوم التديّن، وكان ذلك نتيجة التأثيرات المتعددة إعلاميا واجتماعيا، والمرتبطة أساسا بما يتم ترويجه بشكل دوغمائي حول علاقة المسلم بالتطرف والعنف، ورغم ذلك يحظى التديّن الإسلامي السني بمكانة مهمة في حياة المغاربة وعلى رأسهم الشباب، ما جعل الباحثين يتعمقون في هذا الواقع والظروف المحيطة به في علاقته بالنموذج الديني المتبع في المغرب.

عرف واقع التديّن المغربي تنوعا في العقود الأخيرة دون أن يؤثر في البنية الاجتماعية والهوية الدينية ومرجعية الثوابت التي درج عليها المغاربة بشكل عام، وفي هذا الصدد تم رصد استمرار تصاعُد الإقبال على التديّن وسَط المجتمع المغربي في السنتين الماضيتين 2016 و2017، إقبال أكده تقرير أخير نشره المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة الخميس 27 يوليو الجاري، مستندا في حُكمه على مجموعة من التمظهرات الدينية تتجلى في الإقبال الديني خاصة في شهر رمضان، وعلى مدارس التعليم العتيق، ورفع عدد المقبلين وتوسيع طاقتها الاستيعابية والاهتمام المتزايد بالمساجد ودور القرآن.

وفي ذات التقرير يعتبر تشييد المساجد والعناية بها من المؤشرات الدالة على تنامي حركية التدين عند المغاربة، وكذا حركيّة المصلين في الإقبال عليها، وإسهامها في التأطير الديني، بالإضافة إلى تزايد الاهتمام بالمساجد سواء من قبل الفاعل الديني الرسمي أو المدني حيث تزايد حضورها في اهتمامات المتدين المغربي، حيث وصل عددها إلى حوالي 50 ألف مسجد، منها فتح 200 مسجد جديد، وذلك بـأصل 200 مسجد في السنة.

وسجل التقرير الصادر عن المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة ارتفاع مؤشرات التدين بشكل كبير في المجتمع المغربي خلال شهر رمضان، الأمر الذي تؤكده عدد من الإجراءات والأعمال على المستوى الرسمي أو المدني، كما سجلت المساجد المُصليات أرقاما قياسية في الإقبال على صلاة التراويح والتهجد في مختلف المدن والقرى، وأبرزت أرقام التقرير ارتفاع مؤشرات التدين خلال هذا الشهر، حيث أشارت إلى أن “150 ألفا ختموا القرآن خلف الإمام عمر القزابري في ليلة القدر لسنة 2016”.

وفي علاقة الشباب المغربي بهذا المستوى من التدين اعتبر محمد الهلالي، مدير المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، في ندوة صحافية الخميس 27 يوليو الجاري، أن الشباب يعبرون عن تعاطيهم الإيجابي مع الدين ومع حضوره في الفضاء العمومي من خلال الدستور أو القوانين الأخرى، ومن خلال العمل الحكومي والتشريعي وفي تأطير الحياة الأسرية في ظل الاستقرار السياسي.

ويتبع المغاربة منذ قرون خلت المذهب المالكي في الفقه والعقيدة الأشعرية، وإلى جانب التصوف تجمعهم سلطة الإمامة الكبرى. وفي هذا الإطار يرى البروفيسور روحان أمبي، أستاذ كرسي بجامعة “أنتا ديوب” بدكار ورئيس “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة – فرع السنغال”، أن النموذج الديني المغربي في ظل الثوابت الثلاثة، عقيدة وفقها وتصوفا، محروسة بإمارة المؤمنين التي تضمن الحماية والحصانة لهذا النموذج الديني المعتدل والذي بوّأ المغرب مكانة كبيرة دوليا وقاريا.

إسلام مغربي ينشد السلم والتعايش
إسلام مغربي ينشد السلم والتعايش

وأضاف روحان أمبي أن هذا النموذج جعل المغرب يستقبل ثلة من الطـلبة المنحدرين من الدول الأفريقية إلى جانب طـلبات واردة من دول أوروبية قصد تكوينـهم داخل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات لِتَلَقِّـي المبادئ الدينية وفق منهج معتدل وسطي يحقق السلامة والسلم والأمن والأمان.

كما طرح عبدالله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إمكانية نقل النموذج المغربي في التدين إلى دول أخرى، معتبرا أنه نموذج قابل للتطبيق في دول غربية إن كانت هناك معرفة حقيقية بالدين واستحضار الاجتهاد والحس النقدي بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع، وأيضا باستحضار شخصيات مفكرين وفلاسفة مسلمين لهم مصداقية ومكانة في الفكر الغربي العقلاني مثل ابن خلدون وابن رشد وابن عربي والشريف الإدريسي.

وفي سياق ذي صلة قال امحمد الهلالي، مدير المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، إن “النماذج الدينية المستوردة من الشرق أو الغرب يمكن أن تكون عنصرا من عناصر تفكيك النموذج المغربي”، متوقفا عند بعض الحملات التي قادتها الجهات التنصيرية في مدن الشمال (الناظور وتطوان)، ومسجلا في السياق نفسه خروج بعض المتنصرين المغاربة للعلن في إطار برنامج تلفزيوني إلكتروني بالعامية المغربية يحمل اسم “مغربي ومسيحي”.

واندمج المغاربة في نموذج من التدين عبر تاريخهم اشترك فيه ما هو طقوسي مرتبط بمناسبات دينية معينة واعتنائهم بسلوك تعبّدي ومعاملاتي يستمد أسسه من مبادئ أولية في التصوف تدعو إلى تزكية الروح والاهتمام بالفقراء والمحتاجين كسلوك اجتماعي ضروري لترجمة نصوص من القرآن والحديث دون إكراه الغير على نموذج معين أو تكفيرهم كما يحدث مع مَن انخرطوا في نمط من التدين الحركي والجهادي.

وقد توقف مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، عند النموذج المغربي في التدين الذي وصفه بالمفيد ويجب أن نفسح له المجال في التعليم، لتحصين الشباب من السقوط في التطرف، موضحا أنه لا يمكن أن ترجو غلة شيء لم تزرعه، والزراعة هنا هي التمكين لهذا النموذج. وأضاف “يجب ألا نعبث بالزمن وأن نكون جادين وصادقين”. وأكد بنحمزة على أن النموذج المغربي في التدين “يتسم بالرصانة والناس أصبحوا يأتون إليه، وكأنهم ملوا من النزاعات وخافوا على مستقبلهم ولم يعودوا يسمحون بالمجازفات”.

والواضح بحسب مجموعة من الباحثين في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية، أن إمارة المؤمنين كمؤسسة دينية وسياسية تعد ضامنة لحرية المعتقد في المغرب لكافة المجموعات الدينية، باعتماد خصائص ومميزات الوسطية والاعتدال في المذهب المالكي، إلى جانب أهمية العقيدة الأشعرية التي تمنع تكفير الآخر وتعترف بأهل الذمة كبعض مكونات للمجتمع الإسلامي، إضافة إلى التصوف السني الذي يشكل منطقة عازلة تجتمع فيها جميع المعتقدات ويسود فيها السلم والحب من دون تأثير لمعتقد على آخر.

ومن وجهة نظر الباحث في الجماعات الإسلامية والفكر الديني إدريس الكنبوري، فإن هناك نوعا من سوء الفهم في ما يتعلق بمسمّى التدين المغربي أو الإسلام المغربي، فهذه التسمية استشراقية روجها الفرنسيون في المغرب إبان الاستعمار، وهي ترتكز على رؤية أنثروبولوجية للتدين في المغرب بشكل يفصله عن الإسلام بالمعنى المعياري العام.

التصوف السني يشكل منطقة عازلة تجتمع فيها جميع المعتقدات ويسود فيها السلم والحب من دون تأثير لمعتقد على آخر

وانتشر هذا المفهوم حسب الباحث الكنبوري، لدى الكثيرين الذين اعتقدوا بأن الإسلام الأنثروبولوجي أكبر من الإسلام المعياري في المغرب، وهذا غير صحيح، ثم إن هناك مشكلة في تحديد المقصود بالإسلام المغربي، هل القضية قضية ثقافة محلية أو ثقافات محلية أم قضية أعراف محلية أم قضية مذهب هو المذهب المالكي.

وهنا يقول محمد درقاوي، عضو المجلس العلمي المحلي لوادي الذهب، إن إمارة المؤمنين ووحدة المذهب المالكي بالمغرب صارا ثقافة اجتماعية تشكلت أولا عبر التفاعل الفقهي في مجال التدين مما أعطى خصوصية حضارية للأمة المغربية، بحيث أسهم إلى حد بعيد في تشكيل النفسية الاجتماعية في المجال الديني والاجتماعي العام للمواطن المغربي، مشددا على أن اختيار المغاربة للمذهب المالكي كان عبارة عن قرار تاريخي حاسم اتخذه المغاربة اقتناعا منهم بأنه أصلح المذاهب الفقهية لإقامة نظام قانوني وقضائي شامل ملائم للعقلية المغربية الواقعية.

وفي مؤتمر دولي عقدته بواشنطن وزارة الخارجية الأميركية من 24 إلى 26 يوليو الجاري، أبرز وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة أن الملك محمد السادس جعل، بصفته أميرا للمؤمنين، من النموذج الديني المغربي رافعة حقيقية وقوة إقناع (قوة ناعمة)، مضيفا أن مؤسسة إمارة المؤمنين التي تميز المملكة المغربية ليست حصرا على المواطنين المغاربة المسلمين بل تشمل كافة المغاربة بصرف النظر عن معتقدهم وضامن لحرية العبادة.

وحتى تكتمل الرؤية في مجال التدين المغربي، لفت عضو المجلس العلمي المحلي لوادي الذهب، أن المغرب يتميز بفضل الدور المركزي لمؤسسة إمارة المؤمنين، والاستراتيجية التي وضعها الملك محمد السادس بمقاربته الشاملة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، وبانتهاجه الاعتدال بجميع مناحي الحياة والتشبث بقيم العيش المشترك، في إطار رؤية متكاملة تروم تعزيز المكتسبات الديمقراطية في المملكة ووضع البلد على سكة البلدان الصاعدة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: