أسباب العزوف عن الزواج والعنوسة بين الجالية المغربية ذات بعدين؛ أولهما موضوعي يتعلق بما يحيط بالشباب من ملابسات اجتماعية تتعلق بالقيم أو بالمادة و عدم الثقة و التباين بين الثقافتين المغربية و الأوروبية وثانيهما ذاتي يتعلق برؤية الشباب أنفسهم إلى العلاقات الزوجية.
يعاني شباب الجالية اليوم من عدة مشكلات تستعصي عن الحلّ، ولعلّ أبرزها عدم وضوح الرؤية في ما يخص ملامح المستقبل الذي يبقى ضبابيا ومعتّما بسبب التراكمات المتسارعة التي أفرزتها طفرة التطور العلمي والتقني في شتى مجالات الحياة. فبقدر ما كان لهذا التطوّر من مزايا نقلت الحياة البشرية من طور البداوة إلى طور التحضّر ومن الهدوء والسكينة إلى الحركة الدؤوبة، فإن له من السلبيات ما ينغّص عيش الإنسان في العصر الراهن والشباب بالخصوص الذين يسعون بما أوتوا من جهد ليؤثثوا حياتهم المستقبلية وليكونوا فاعلين بالقدر الذي يتطلبه مستوى العيش الذي يحلمون به.
ولعلّ من أبرز المعيقات التي تحول دون وصولهم إلى تحقيق أمانيهم، عدم قدرتهم على إنشاء عائلات وأسر يحافظون من خلالها على توازناتهم النفسية والمادية، ويساهمون في تواصل النسل البشري بإيجابية تخدم الأجيال القادمة.
فالعزوف عن الزواج والعنوسة بين أفراد الجالية ليستا ظاهرتين ناتجتين عن التطور الطبيعي للمجتمعات العربية وبالتحديد الجالية المغربية والتي لا تزال تحافظ بنسب متفاوتة على البعض من العلاقات التقليدية المترهّلة بين الرجل والمرأة، وإنما هما ظاهرتان فرضتا فرضا قسريا على الشباب من الجنسين في ظلّ ما يسمى بـ”استتباعات العولمة” الحديثة.
ومن الغرابة بمكان أن يسعى الشباب بمعية ومساعدة ذويهم، في إطارهم الأسري وفي المجتمعات الأوروبية ، إلى إثبات وجودهم وسط ما يجدونه من خضمّ من المشكلات والتحديات مختلفة الأبعاد الثقافية والنفسية والمادية، ولكنهم في أغلب الأحيان لا يحققون ما يصبون إليه من استقرار. ولعل أكثر المظاهر الاجتماعية لهذا الاستقرار هي القدرة على بناء أسرة متكاملة في الزمن والمكان المناسبين و خصوصا بين التحرر الذي تعرفه المجتمعات الأوروبية
كان أجدادنا وآباؤنا يتداولون قولا مأثورا “تزوجوا فقراء يغنكم الله” وهو في الحقيقة شرح للآية 32 من سورة النور والتي يقول فيها تعالى “وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم”.
وكانت فكرة الزواج في سن صغيرة معقولة ومناسبة جدّا حين كانت الحياة بسيطة ومتطلباتها في متناول الجميع، حيث كانت العائلة الكبيرة بفروعها العنقودية تعيش تحت سقف واحد ووفق نظام قيمي واقتصادي موحّد لا حقّ لأي فرد من أفرادها الخروج عنه أو الانزياح عن نواميسه أو مقاييسه، وفي الجانب الإيجابي من هذا الأمر أنه ييسر الزواج ويزيح العراقيل من أمام الشباب ذكورا وإناثا لتأثيث المجتمعات بأسر جديدة تحافظ على تماسكها، أما الجانب السلبي في الموضوع فإنه يكمن في تحكم الكبار في مصائر العائلات الجديدة سواء من حيث اختيار شريك الحياة أو من خلال عدم الاستقلالية النفسية والمادية.
الوضع العائلي والاجتماعي وحتى الحضاري بدول المهجر تغير كثيرا وتغيرت معه الرؤى والمواقف، فخاصية تفتت العائلة الكبيرة-الجامعة، وتنصل أسر الكبار من تحمل عائلات جديدة صلبها، وتوق الشباب إلى الانعتاق والاستقلالية و سهولة الارتباط و العيش تحت سقف واحد دون رابطة الزواج سواء بعلاقات غير شرعية أو زواج المتعة أو الفاتحة ،كلها عوامل تعسر الزواج وتجعله مشروعا مؤجلا إلى حين توفر الظروف المناسبة، وكلما تأخر حدوث الوضع المناسب كلما تأخر معه عقد الزواج.
ومن الأسباب الجوهرية أيضا للعزوف عن الزواج وتفشي ظاهرة العنوسة بين أفراد الجالية البعد المادي والاقتصادي، فعلى قدر ما كانت الشروط المادية لتكوين أسرة بسيطة وفي متناول الجميع وفق شعار “تزوجوا فقراء يغنكم الله”، فإنها تشعبت وكثرت وفق ما شهده العصر من تحولات مادية عميقة فرضتها منتجات العلم والتكنولوجيا الحديثة.
تبدأ العراقيل بالبحث عن عمل يوفر مداخيل قارة، وفي ظل التصاعد المستمر لمؤشرات البطالة في أوروبا ، فإن الحصول عليه في العقد الثالث من عمر الشاب يكاد يكون مستحيلا، قياسا بطول سنوات الدراسة من ناحية وطول سنوات انتظار الحصول على عمل من ناحية ثانية.
وتتوالى المعيقات، منها البحث عن الشريك المناسب وفق فلسفة الالتقاء الروحي والنفسي، ومنها ماراطونية البحث عن منزل أو بيت يكون مقرا لعش الزوجية الجديد وما يتطلبه ذلك من أثاث ولوازم، ومنها توفير المبلغ المطلوب لإقامة حفل الزفاف. توفير كل هذا يتطلب وقتا طويلا وجهدا مضاعفا وصبرا لا حدّ له، وعند شعور الشاب بعدم القدرة على الإيفاء بما تعهد به وما يتطلبه الأمر فإنه يقرر العدول عن الزواج، هربا من المسؤولية التي يرى أنه غير قادر على تحملها.
بالنسبة للفتيات من أبرز أسباب عنوستهن شروطهن المادية المجحفة التي يثقلن بها كاهل المتقدمين لخطبتهن، وأبرزها الحلي والبيت المستقل والأثاث وحفل الزفاف والسيارة وأمور أخرى عديدة منها الزواج من البلد الأصلي فالاغلبية يتوجهون للمغرب لاختيار الزوجة المناسبة التي ستكون في المستقبل القريب الخادمة و ربة البيت و العاملة بدون اَي شروط سوى تغيير المستوى المعيشي الذي كانت تعيشه بالمغرب ، الا أن العديد من النساء و الرجال فقدوا الثقة لاستغلال البعض منهم الزواج و اعتبروه قنطرة عبور لتسوية وثائق الإقامة وهناك أيضا أسباب تتعلق بالخيارات فهن لا يقبلن بالزواج من ضعفاء أو متوسطي الحال ويحاولن البحث المضني عن فارس الأحلام المنتظر ولا يفقن من سباتهن إلا ويكون الركب قد فات.
إذن فأسباب العزوف عن الزواج والعنوسة بين أفراد الجالية ذات بعدين؛ أولهما موضوعي يتعلق بما يحيط بالشباب من ملابسات اجتماعية تتعلق بالقيم أو بالمادة. وثانيهما ذاتي يتعلق برؤية الشباب أنفسهم إلى العلاقات الزوجية
Belbazi#