الأمازيغ يحتفلون بليلة يناير احتفاء بدخول السنة الفلاحية
الأمازيغ في المغرب يحتفلون بقدوم السنة الجديدة بالتقويم الأمازيغي، التي تخلد بدايتها اعتلاء الملك الأمازيغي شيشناق عرش مصر أيام الفراعنة.
وسط أجواء مميزة، يحتفل الأمازيغ في المغرب بعد أيام بحلول سنة 2967 بالتقويم الأمازيغي، التي تخلد بدايتها اعتلاء الملك الأمازيغي شيشناق عرش مصر أيام الفراعنة عام 950 قبل الميلاد.
ويحتفي الأمازيغ بقدوم السنة الجديدة بطقوس مختلفة في اللباس والطبخ والزراعة وتثبيت أواصر العلاقات الاجتماعية بالزيارات العائلية، استجابة لمغزى يناير الذي يجمع شمل أمازيغ المغرب العربي.
وترتبط السنة الأمازيغية بما يسمى “إيضناير”، أي ليلة يناير، وهي مناسبة لدخول الموسم الفلاحي، وتكون عادة من أجل طلب “اليُمن والتيسير” حتى تكون السنة الفلاحية جيدة، ويقدم الفلاحون لذلك “مجموعة من الديكة كقرابين”.
وأشهر طقوس هذا الاحتفال إشعال النار، لأنها في الثقافة الأمازيغية تمثل النور والأمل، وفي صباح يوم العيد 13 يناير تتزين النساء وكذلك الرجال، ويخرجون للاحتفال والنزهة في المروج والحدائق.
ويعتقد الأمازيغ أن من يحتفل بيناير سيحظى بسنة سعيدة وناجحة، ويختلف شكل الاحتفال من قبيلة إلى أخرى، ويبدو أنه حتى بعض القبائل المعربة تحتفل بالسنة الأمازيغية.
وتحكي الأسطورة قصة العجوز، وحسب المعتقدات الأمازيغية، فقد استهانت امرأة عجوز بقوى الطبيعة فاغترت بنفسها وسارت ترجع صمودها ضد الشتاء القاسي إلى قوتها ولم تشكر السماء، فغضب يناير وطلب من فبراير أن يقرضه يوما حتى يعاقب العجوز على جحودها، وإلى يومنا هذا يستحضر بعض الأمازيغ يوم العجوز ويعتبرونه يوم حيطة وحذر، ويفضل عدم الخروج للرعي مخافة من عاصفة شديدة. ووفق عدد من مثقفي المنظمات الأمازيغية (غير حكومية) فإن تقويم السنة الأمازيغية يرتبط بعام 950 قبل الميلاد، وهو عام انتصار الملك الأمازيغي شيشناق على فرعون مصر رمسيس الثاني، واعتلاء عرش مصر.
“شيشناق”، وبحسب الرواية الأمازيغية، تولى الحكم في ظل مملكة أمازيغية تمتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي غربا، وإلى أدغال أفريقيا جنوبا، وإلى حدود حوض البحر المتوسط شمالا.
وتحرص أسر الفلاحين على الاحتفال بهذه الليلة عبر تناول مأكولات تتوفر على عناصر غذائية مرتفعة الطاقة، فلا تخلو موائد الأمازيغ بالمغرب من أكلة “تاكلا”، وهي مزيج من الدقيق والماء والملح والزبدة والعسل، فيما يزرع العديد من الفلاحين شجر زيتون في أول أيام السنة الجديدة. وترمز “تاكلا” عند الأمازيغ إلى التآزر والتضامن لكونها تقدم في إناء دائري مشترك، ومتقاسمة بين أفراد الأسرة، كما تعبر عن مواساة الطبيعة في ألمها تلك الليلة التي ستتمخض عنها سنة جديدة.
وتعتمد الأكلة الأمازيغية بالأساس على الغلال الزراعية التي ينتجها الفلاح الأمازيغي البسيط في مزارعه، كما تعكس ارتباط الإنسان الأمازيغي بأرضه
وتعتمد الأكلة الأمازيغية بالأساس على الغلال الزراعية التي ينتجها الفلاح الأمازيغي البسيط في مزارعه، كما تعكس ارتباط الإنسان الأمازيغي بأرضه، بحسب عدد من الباحثين. وخلال لحظات تقديمها تنطلق أجواء المرح والرقص على نغمات الفرق المحلية الأمازيغية في حفلات عامة، وبموسيقى مماثلة حينما تقدم في المنازل والبيوت مع الأسر والعائلات، كما تكون فرصة لتقديم أكلة تاكلا للتغني بأشعار من التراث الأمازيغي ابتهاجا بالمناسبة.
والقصة الخرافية الجميلة تقول إن العجوز تمر في الليل على كل البيوت وتراقب إذا أكل الأطفال، ولا أحد ينام جائعا حتى يأتيهم عامٌ وافر بالخير. وفي تقاليد الأمازيغ بالاحتفال بيناير حتى النملة والطير في الشجر لهما نصيب من الطعام حتى لا يجوعا طيلة الشتاء، وتقوم نساء القرية بترك الطعام أمام غار النمل وفوق التلال رغم قساوة الطبيعة التي تتميز بها مناطق المغرب العربي.
ويقول الحسين آيت باحسين الباحث المختص في الثقافة الأمازيغية، “يطلق على ‘تاكلا’ في مناطق أخرى من المغرب ‘تاروايت’”، شارحا أن هذا الاسم الأخير اشتق من فعل “روي” الذي يعني بالأمازيغية “حرِّك”، لأنه ينبغي تحريك الوجبة باستمرار أثناء طبخها، والتي تسمى عند الناطقين بالعربية “العصيدة”. وتقول الحاجة خدوج إنجارن (70 عاما) إن “أكلة تاكلا يتم تحضيرها بمشاركة طاقم يتكون من نسوة العائلة”، و”تضم التاكلا في مكوناتها مقدارا من دقيق الشعير أو الذرة المطحونة بحسب عدد الأفراد، يضاف إليه القليل من الزيت وقبضة ملح ليمزج الكل في صحن مع إضافة ثلاثة أضعاف مقدار الذرة أو الشعير من الماء”.
وتضيف الحاجة خدوج “يوضع الكل في قدر فوق النار، ويحرك باستمرار إلى أن يمتصّ الدقيق الماء كله ويصير كتلة رخوة، ثم توضع في الإناء الذي ستقدم فيه”، مضيفة أنه “يتم طهيها في قدر على نار هادئة وتحرك بعصا سميكة إلى أن تصير كتلة رخوة جاهزة للأكل”.
وتفرغ أكلة التاكلا بعد الطهي في إناء يحمل اسم “تاقصريت”، وهو إناء ذو شكل دائري، غالبا ما يكون مصنوعا من خشب العرعار أو غيره من أنواع الخشب الجيدة، ويصنع أيضا من الطين أو من معدن خاص بأواني الأكل المختلفة.
ويشكل في وسط الأكلة الأمازيغية حوض صغير أو حفرة صغيرة، يسكب فيها زيت الزيتون أو زيت الأركان لسقي التاكلا أثناء تناولها ساخنة إما باليد أو بالملعقة.
ويعتبر الباحث آيت باحسين أن رمزية تاكلا ودلالاتها تتجلى في “تربية النشء على تدبير الندرة أو القلة، خاصة أنها ترتبط بمناسبة رأس السنة الزراعية التي تأتي بعد فصل الخريف وفي أشد أوقات فصل الشتاء برودة، حيث الندرة في كل شيء لدى الفلاح الأمازيغي الذي يودع ما تبقى لديه من حبوب تحت الأرض لمواصلة عملية استنباتها”.
ومع توالي السنين، تفنن الأهالي في تقديم هذه الأكلة الأمازيغية وعصرنتها، بإضافة منتجات البيئة المحلية من قبيل البيض وتزيينها بحبات اللوز البلدي، ووشمها بحروف الكتابة الأمازيغية.
كما تكتب عليها عبارات أمازيغية تجسد الابتهاج والفرح بمناسبة “إضناير” (رأس السنة الأمازيغية) وتردد عبارات “أسكاس أماينو إيغودان” أي “سنة أمازيغية جديدة وسعيدة”.
وإذا كان الأمازيغ يستحضرون أكلة تاكلا في مناسبات الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة على وجه الخصوص، فإنها تحضر وتقدم في موسم الحرث وخلال فترة الحصاد، وكلها دلالات تؤكد ارتباط السنة الأمازيغية بالسنة الزراعية وبالأرض وغلالها وبالإنسان الأمازيغي وتاريخه.
عامة، لا تقتصر مطالب الأمازيغ ومظاهر احتفالهم برأس السنة الأمازيغية على المغرب، إذ تنتشر في بقية دول منطقة شمال أفريقيا وغربها، وفي موريتانيا ومالي والساحل، حيث يوجد الطوارق (من الأمازيغ)، إضافة إلى نيجيريا.