تفاقم أزمة المدارس العمومية يهدد مستقبل التعليم في المغرب

خبراء يقرون بأن التعليم الخاص في تطوّر مستمر لكونه البديل الوحيد الذي يلتجئ إليه أولياء الأمور عوض التعليم العمومي الذي تتبنّاه الدولة في الكثير من الأقطار العربية.

تشير أغلب الإحصائيات التي تقدّمها معاهد الدراسات والبحوث حول بعض الدول العربية إلى تراجع مستمر للتعليم العمومي في مقابل تصاعد وتيرة التوجه نحو التعليم الخاص. فيما وصلت حالات “الاستهتار” بالتعليم العمومي حدّا لا يمكن تخيّله لدرجة أننا نرى في وسائل التواصل الاجتماعي، كيف يتعاون طلاب داخل الفصل على ضرب أحد أساتذتهم، فيما يتولّى أحدهم تصوير العملية بفيديو ونشره للتشفي من الأستاذ.

وبالرغم من أن الصبغة التجارية تظل لصيقة بالتعليم الخاص، لأن الهدف من إنشاء مدرسة خاصة يبقى الربح المادي في الأول والأخير، فإن الدروس الخصوصية تبقى أساس العملية التعليمية في المدارس الخاصة، حتى لو كان الطالب من المنتسبين إليها.

ولا تزال الأسر العربية تنفق الكثير من الأموال على الأساتذة الذين يتولّون تقديم دروس خاصة لأبنائهم وفي أحيان كثيرة يكون أستاذ المادة هو نفسه من يعطي الطالب دروسا خاصة بعد الدوام. ويساهم هذا بشكل غير مباشر في جعل “الغش مقبولا”، وذلك بتلقين الطالب خلال الدرس الخصوصي إجابات لأسئلة الامتحانات المحتملة. وبذلك تكون النتائج التي يحققها هؤلاء الطلاب معاكسة لفهمهم، وهي نتيجة لما تمّ تلقينه لهم من “إجابات لأسئلة الامتحانات فقط” ولا تعكس حقيقة فهمهم للمادة المقررة.

ويقرّ خبراء بأن التعليم الخاص في تطوّر مستمر، لا لكونه جيدا بل لأنّ البديل الوحيد والملاذ الذي يلتجئ إليه أولياء الأمور والطلاب عوض التعليم العمومي الذي تتبنّاه الدولة في الكثير من الأقطار العربية ويمر بمرحلة تدهور مستمر. وفي المغرب بلغت نسبة طلاب التعليم الخاص 23 بالمئة من عدد طلاب التعليم العمومي، ويمكن التعرّف على ضخامة هذا العدد عندما نكتشف أن العدد الإجمالي للطلاب خلال العام 2017 تجاوز 7 ملايين، بحسب نشرة أعدّتها وزارة التربية.

وترى أمينة البكري (35 سنة) ربة بيت أن التعليم العمومي في المغرب بوضعه الحالي لا يبشّر بخير لمستقبل ابنها، وتقول  “ليس المشكلة في النظام التعليمي الرديء وحده. فهناك مشكلة أخرى تتعاظم سنة بعد أخرى تتعلق بسلوك وأخلاق الطلاب في هذه المدارس”. وتضيف “الطالب الذي يأتي من البيت صفحة بيضاء يتعلّم خلال فترة قصيرة كل ما هو سيء، وضارّ بتربيته وأخلاقه فيها”.

وبحسب البكري، فإن المدرسة الخاصة ليست أفضل حالا، لكنها الحل المتاح أمامها للحفاظ على أخلاق قويمة لابنها. فهي، وفق تعبيرها، “تحفظه على الأقل من مصاحبة الأشرار، وحمايته من أخطار المنحرفين، كتناول حبوب الهلوسة وتدخين ‘الزطلة’ وغير ذلك من الأفعال التي يقوم بها بعض الطلاب”. وأكدت أن “ليس كل المدارس العمومية بهذا السوء، ولكن السيئة أكثر بكثير من الجيدة”.

عدم ملاءمة التعليم في البيت لعقليات الآباء في الدول العربية لأن هناك فكرة ما مرسّخة بداخلهم وهي ضرورة حصول ابنهم على شهادة معترف بها من قبل الدولة تؤهله لنيل وظيفة ما.
ولكن أم ياسين (30 سنة)، وهي تنتمي إلى قطاع التربية لديها حل آخر، حيث أكدت لإحدى صديقاتها، أنها تفكر جديا في الإشراف على تدريس ابنها وابنتها بالبيت بدلا من إرسالهما إلى مدرسة عمومية أو خاصة. فقد جرّبت كلا المدرستين ويئست تماما من جدوى التعليم فيهما. وتقول أم ياسين “كلاهما فاشل وعيوبه كثيرة. المدرسة العمومية التي درس بها ياسين (11 سنة) وسناء (10 سنوات) كان الأساتذة يقدّمون فيها معلومات خاطئة في الجغرافيا والرياضيات والفرنسية. عمدت لشرح المواد لهما وتصحيح أخطاء الأساتذة. وهذا جعلهما يصطدمان بأساتذتهما داخل الفصل بسبب تصحيحهما للأخطاء”. وتساءلت أم ياسين “لو لم أكن تربوية وكذلك أبوهما فما هو مصيرهما؟ بالتأكيد سيجريان اختبارات الباكالوريا بمعلومات نصفها خاطئ”. وأضافت لصديقتها أن “السبب في هذا يعود إلى أن 90 بالمئة من أساتذة المدارس العمومية لا يهتمون بتدريس طلابهم بقدر اهتمامهم بالدروس الخصوصية. ويمضون وقتهم في الفصول كيفما اتفق ودفاتر ملاحظات الطلاب مملوءة بالأخطاء وهذا أصدق دليل على ذلك”.

وحين وضعت أم ياسين ابنها وابنتها في مدرسة خاصة، قالت إنها اضطرت إلى أن تقوم بتدريسهما اللغة الفرنسية بنفسها، فيما تولى أبوهما تدريسهما الإنكليزية وبقية المواد في البيت. واضطرا في السنة الماضية إلى إكمال البرامج الدراسية لهما في البيت، لأنه قلما تجد مدرسة خاصة بالمغرب تكمل البرنامج الدراسي.

وحكت فاطمة زهير (9 سنوات)، وهي تلميذة  بإحدى المدارس الخاصة بالدار البيضاء، لعائلتها عن زيارات ميدانية قليلة مقررة من قبل المدرسة، ومن هذه الزيارات زيارة البريد العمومي لتعليمهم كيفية إرسال رسالة بالبريد العادي. فضحك جدها وأخبرها بأنه قام ذات يوم بهذه الزيارة حين كان طفلا في المدرسة العمومية قبل 50 سنة، فيما قالت أمها “الآن قلة قليلة من الناس تستخدم البريد العادي لإرسال رسائلها، فقد اعتادوا إرسال الرسائل النصية عبر الهاتف أو بالإيميل”.

وتجيب نجيبة (30 سنة) معلمة بالدار البيضاء “لا أظن هذا ولكن ما العمل؟ البرنامج الدراسي لم يتغيّر منذ زمن طويل”. وأكدت أنها كانت قد اقترحت بدورها عدة أماكن لزيارتها في تقريرها بداية السنة لنشاطات المدرسة، كالمتحف الوطني للفنون، ومسرح محمد الخامس، ومدرسة الفنون، وخزانة الكتب، ومزرعة في الريف، ومستشفى المستعجلات، ودار الإذاعة بالرباط، والقناة الثانية للتلفزيون، وأغلبها رفض، لأنها مكلفة ماليا.

وبدت مشكلة التعليم في المدارس الخاصة والعمومية عامة وتخصّ جلّ بلدان العالم والمغرب لا يمثل الاستثناء، حيث وجدت العديد من العائلات الأميركية بديلا للمدارس العمومية والخاصة بتعليم أبنائها في البيوت. ووصل عدد الطلاب الذين يدرسون في بيوتهم في أميركا إلى أكثر من ثلاثة ملايين طالب، بحسب منشور لوزارة التعليم الأميركية. وورد في بحث لمايكل كرو، وهو أكاديمي من جامعة أريزونا، أن الطلاب الذين تعلّموا في البيوت صاروا مؤهلين للمنافسة في الامتحانات النهائية مع طلاب المدارس الخاصة أو العمومية وتفوّقوا عليهم أيضا.

وتقوم فكرة هذا النوع من التعليم على أن يأخذ الأب أو الأم على عاتقه تلقين الطالب كامل البرنامج الدراسي في البيت، فيخلق ذلك جوا حميميا خاصا بين الطفل والمادة التي يدرسها، مما يجعله متفوّقا فيها.

ويشير سمير الفضلي، باحث اجتماعي في أحد بحوثه، إلى “عدم ملاءمة التعليم في البيت لعقليات الآباء في الدول العربية لأن هناك فكرة ما مرسّخة بداخلهم وهي ضرورة حصول ابنهم على شهادة معترف بها من قبل الدولة تؤهله لنيل وظيفة ما”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: