كيف تحولت الانتخابات إلى عبث في الجزائر
كيف يمكن إقناع الناس في انتخابات و هم متأكدون أنها مجرد مسرحية موجهة أساسا للخارج، وأن مقاعد البرلمان ستوزع بين الحزبين الحاكمين، التجمع وجبهة التحرير الوطني وبعض الحزيبات الأخرى المفبركة من طرف السلطة ذاتها.
منذ أكثر من عشرين سنة والانتخابات البلدية والولائية والتشريعية والرئاسية في الجزائر، تجرى وتعلن نتائجها في موعدها ويحتج المحتجون وتستمر الحياة وكأن شيئا لم يكن وتبقى دار لقمان على حالها، بل تزداد سوءا على كل المستويات، من حيث استفحال الفساد والرشوة والبطالة وارتفاع الأسعار.
ومع مرور السنوات العجاف توصل معظم الجزائريين بالخبرة إلى أنه لا جدوى من انتخابات لا أثر إيجابيا لها على حياتهم اليومية.
وليس هذا فحسب بل كل من تحدث مع المواطنين والمواطنات وراقب ما يقال على مواقع التواصل الاجتماعي وتعرّف عن قرب على المناخ العام الذي دارت فيه الحملة الانتخابية المتعلقة باقتراع الـ4 من مايو من أجل تجديد أعضاء البرلمان الجزائري، يكتشف دون عناء أن هناك رفضا واسعا لهذه الانتخابات التشريعية وإرادة قوية ليس في العزوف والصمت والاحتجاج المحتشم على التزوير كما جرت العادة في الجزائر، وإنما بإشهار ورقة المقاطعة في وجه السلطة وأحزابها وحُزَيْباتها الموالية والأحزاب الإسلامية الإخوانية المشاركة، والتي باتت متهمة من قبل أغلبية المواطنين الجزائريين بقبول لعب دور الغبي الذي تحاول السلطة من خلاله تبييض وجهها وإضفاء مصداقية على انتخابات يرفضها المجتمع المدني وكل القوى الحيّة في البلد، مقابل الحصول على بعض فتات.
وقد وصل الحمق بقائمة من قوائم الحـزب الإخواني حركة مجتمع السلم المعروف اختصارا بـ“حمس” أن يستغل العديد من المترشحين فيها حتى الموتى وقبورهم في دعـايتهم الانتخـابية، إذ نشاهد على صورة الملصق الانتخابي الرسمي على اللوائح مجموعة المترشحين الإسـلاميين ملتفة حول قبر شهيد.
وعموما لقد قاطع الناس التجمعات الدعائية ومرت الحملة باهتة لم يتم فيها طرح مشكلات البلد، وإنما فرض المقاطعون على الحملة نغمتهم وراحت النقاشات تدور حول سؤالين لا ثالث لهما: لماذا المشاركة؟ ولماذا المقاطعة؟ بين الذين يرون أن لا فائدة ترجى من هذا الاستحقاق سوى إطالة عمر النظـام واستمرار التعفّن، وبين الذين جندتهم السلطة للدفاع عن الاستحقاق باعتباره أفضل الطرق لضمان الأمن والاستقرار في البلد كما يرددون دائما دون الوصول إلى إقناع أحد، بل لم يعد يتفاعل الشباب الجزائري مع اللغة الخشبية المستعملة سوى عن طريق الرد الساخر والتنكيت.
من أجل إقناع الجزائريين بالتصويت اختارت السلطات شعار “سمّع صوتك”، فحوّله الشبان والشابات إلى شعار مضاد “سمّعني صوت الرئيس نسمّعك صوتي”، إذ لم يخاطب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الشعب منذ مايو 2012.
أمام هذا العصيان السياسي والتحدي غير المسبوق وحدوث مهزلة انتخابية ، جنّ جنون بعض المسؤولين الحزبيين والحكوميين والموالين، وراحوا يتلفظون بألفاظ سوقية ويطرحون أفكارا غريبة نفرّت الناس أكثر، فهذا الوزير الأول عبدالمالك سلال يطلب من النساء في تجمع نسوي بشرق البلاد أن يجبرن أزواجهن على الذهاب لصناديق الاقتراع واستعمال العصا معهم إن رفضوا.
أما عمارة بن يونس، رئيس حـزب الحـركة الشعبية والوزير السابق، فقد اقترح بعد أن لاحظ عدم اكتراث الجزائريين بأن يكون الانتخاب إجباريا، ثم هدد في مرحلة ثانية المقاطعين للانتخابات بقوله الحرف الواحد “بعد الانتخابات، سيندم كل من لم يصوت”.
أما الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، فلم يحاول المراوغة البتة وخاطب الجزائريين قائلا “الدولة هي حزب جبهة التحرير وجبهة التحرير هي الدولة ونحن الـدولة وبرنامجنا برنـامج رئيس الجمهورية، وسنفوز أحب من أحب وكره من كره”.
كيف يمكن إقناع الناس بالمشاركة في انتخابات هم متأكدون أنها مجرد مسرحية موجهة أساسا للخارج، وأن مقاعد البرلمان ستوزع بين الحزبين الحاكمين، التجمع وجبهة التحرير الوطني وبعض الحزيْبات الأخرى المفبركة من طرف السلطة ذاتها؟ كيف يتم إقناع الناخبين بنزاهة الاقتراع وحياد الإدارة حينما يعترف الحزبان الحاكمان المذكوران بالتزوير الممنهج وحينما يقول رئيس التجمع الوطني على شاشة التلفزيون الرسمي إنه سبق أن شارك حزبه في تزوير الانتخابات من أجل مصلحة الجزائر، ويرد رئيس حزب جبهة التحرير الوطني أنه قبل أن يكون حزبه ضحية لذلك التزوير في مصلحة الجزائر أيضا؟
يبدو أن القطيعة قد حدثت وفشلت السلطة في الجزائر فشلا ذريعا في اختزال الديمقراطية والفعل السياسي الحرّ في مجرد تنظيم انتخابات شكلية؟