بفضل السياسة الرشيدة يتخطى المغرب التهديدات الأمنية

رغم الأوضاع السياسية غير المستقرة في أغلب بلدان العالم العربي ورغم المتغيرات الدولية التي عصفت بهذه المنطقة برز المغرب كاستثناء ونموذج في منطقة مضطربة بفضل اعتماد الملك محمد السادس سياسة رشيدة قادته إلى التميز وتخطي التهديدات الأمنية وتجاوز المصاعب الاقتصادية، حيث اختار أن ينتهج سياسة جديدة منفتحة على أفريقيا وأوروبا داعمة للشراكة والتعاون السياسي والاقتصادي ما حفز الدول الكبرى على تكثيف التعاون معه للمميزات التي يحظى بها في الفضاء الأورومتوسطي.
أمام المتغيرات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة المطلة على البحر الأبيض المتوسط والتحديات الأمنية والاقتصادية والهوياتية المعقدة، انتبهت الدول الأوروبية إلى المغرب كدولة اختارت نموذجها السياسي والتنموي والأمني بمقاربة تراعي فيها متطلبات الاستقرار الداخلي وتتعاطى فيها مع العوامل والأجندات المتغيرة للسياسة الدولية.

وخلال رسالة وجهتها لرئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، لفتت السياسية الفرنسية من أصل مغربي رشيدة داتي إلى تميز المغرب في المنطقة المغاربية كما في المشرق، فهو بلد مستقر وشريك موثوق به في نفس الوقت، وهو ما يدفع للتساؤل عن المميزات التي يحظى بها المغرب في الفضاء الأورومتوسطي والتي تشجع الأوروبيين على تكثيف التعاون معه.

يقع المغرب في منطقة حوض البحر المتوسط التي يتميز فيها بموقعه الجيوستراتيجي والتي تحظى بأهمية قصوى على جميع الأصعدة العسكرية والأمنية والاقتصادية من قبل القوى المؤثرة بالعالم سواء أوروبا وأميركا أو روسيا والصين واليابان.

ويقول الشرقاوي الروداني الخبير المغربي في الدراسات الجيوستراتيجية في تدوينة له “إن مميزات المغرب في الفضاء المتوسطي تكمن في البعد الأمني بعدما أصبحت تلعب دورا كبيرا في استقرار الجهة الجنوبية من منطقة حوض البحر المتوسط، إلى جانب نجاح مقاربتها في ملفات الإرهاب والهجرة التي أصبحت تكتسي طابعا استراتيجيا بالنسبة للدول الأوروبية، ونظرا إلى أن المغرب أقرب منطقة لأوروبا في شمال أفريقيا فإنه يقوم بأدوار هامة في استتباب الاستقرار السياسي وإحباطه لخطط الجماعات الإرهابية المتطرفة”.

ونجد تفاعلا مع هذه النظرة في رسالة رشيدة داتي لرئيس المفوضية الأوروبية التي شددت فيها بقولها إنه “بفضل الإصلاحات العميقة والجريئة التي يقوم بها الملك محمد السادس، باستلهام رؤيته لمستقبلنا المشترك، وبدافع عزيمة راسخة، فإن المغرب اليوم هو النموذج التنموي الأكثر انسجاما مع القيم والمشروع الذي يحمله الاتحاد الأوروبي”، مشيرة إلى أنه “في المنطقة المغاربية كما في المشرق، يتميز المغرب كبلد مستقر وكشريك موثوق به في نفس الوقت”.

وساهمت التحولات الهيكلية التي تعرفها بنية الآليات الجيوثقافية والجيوأمنية بالمغرب والدور المهم الذي يقوم به هذا البلد على المستويات الأمنية والسياسية في منطقة حوض البحر المتوسط، وفق الروداني، في جعل المغرب دولة ذات تأثير استراتيجي مهم في تقريب وتسهيل العلاقات الأوروبية الأفريقية والأوروبية الخليجية.

سينعكس خط الأنبوب النفطي الذي سيربط نيجيريا بالمغرب إيجابا على أوروبا من خلال تثبيت أمنها الطاقي والاقتصادي
ومعلوم أن دول الضفة الشمالية من حوض البحر المتوسط تحاول ضبط أفواج المهاجرين من الضفة الجنوبية حيث هناك تأكيدات رسمية أوروبية تربط بين الهجرة والإرهاب الذي يمثل تهديدا وجوديا لمنطقة حوض المتوسط برمتها.

ويعتبر المغرب رائدا بين دول المنطقة في كيفية التعامل مع موضوع الهجرة غير الشرعية حيث اعتمد منذ العام 2014 عملية تسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين المقيمين فوق ترابه، وحسب وزيرة العدل الفرنسية السابقة فإن “الرباط قادرة على أن تكون شريكا للتحكم في تدفق الهجرة التي لا تزال مهمة بالنسبة إلى قارتنا”.

وأثنت التقارير الأخيرة للمنظمات الدولية في مجال حقوق الإنسان والمهاجرين على الدور الريادي للمغرب؛ إذ أوضحت هذه التقارير أهمية منظوماته المؤسساتية المتماشية مع القانون الدولي الإنساني والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان، كما أن المناخ الاستثماري والاقتصادي والتنافسية الحرة في مجال الأعمال مكنا المغرب من خلق آليات مهمة في التعاون شمال- جنوب وجنوب- جنوب.

ويمكن للمغرب أن يشكل همزة وصل بين أوروبا وأفريقيا، وشريكا فعالا، خاصة في مجال الحرب على الإرهاب والتطرف بما أنه في فضاء أورو متوسطي أفريقي في طور الانتقال وفق ما أكدته رشيدة داتي، وهذا ما يعكس حجم الاستثمارات المغربية في القارة الأفريقية خاصة في دول الساحل الأفريقي وأفريقيا جنوب الصحراء.

وفي هذا الخصوص يشير الشرقاوي إلى الدور الذي يقوم به الملك محمد السادس في أفريقيا والذي يجسد رغبته في تكريس تعاون متكامل ومتعدد الأبعاد ذي أهمية استراتيجية وخلق تحول مثمر في علاقات واقعية وذات مصداقية.

ويرى مراقبون أن دول الاتحاد الأوروبي تؤسس استراتيجياتها الدفاعية وترتب محاور علاقاتها الخارجية بمراعاة المتغيرات على ضفتي الحوض المتوسطي الشمالية والجنوبية، حيث تعتبر هذا الفضاء محوريا ومجالا حيويا تدافع عنه بقوة أمام أي تدخل سواء من الشرق أو من الغرب ونقصد هنا الولايات المتحدة الأميركية. ولهذا يسعى الاتحاد الأوروبي إلى احتواء أي أزمة عابرة تكون بين إحدى دول الاتحاد والمغرب.

غير أن هناك نقطة يحفها بعض الغموض عندما دعت رشيدة داتي رئيسة المفوضية الأوروبية إلى “التحرك بمسؤولية من خلال تعميق علاقات استراتيجية مع المغرب، قبل أن يبتعد عن هذا المصير الذي نريده مشتركا”، ويفسر الخبير المغربي هذا الفهم بأنه انعكاس لطبيعة الإرهاصات الثقافية والمجتمعية التي تعرفها دول جنوب حوض البحر المتوسط، حيث أن أغلبية الدول في شمال أفريقيا ودول جنوب الصحراء، ما عدا المغرب، تعيش وضعا حقوقيا وسياسيا يظهر غياب آليات ديمقراطية حقيقية، فالمغرب بفضل سياسة محمد السادس جعل من الاختيار الديمقراطي أحد الثوابت الوطنية وهو ما بوأه منزلة يحظى فيها باحترام كبير من طرف الدول الغربية.

يعد الدور الذي يقوم به محمد السادس في أفريقيا تكريسا لتعاون متكامل متعدد الأبعاد وذي أهمية استراتيجية ويؤسس لتحول وتعاون مثمر في العلاقات مع أفريقيا وأوروبا. ويعتبر الخبير المغربي أن خط الأنبوب النفطي الذي سيربط نيجيريا بالمغرب ستكون له انعكاسات جد إيجابية على أوروبا من خلال تثبيت أمنها الطاقي والاقتصادي واستقرار المنطقة برمتها.

ويبقى السؤال المطروح حول مكانة المغرب في الفضاء الأورومتوسطي التي تحتم على الأوروبيين تكثيف التعاون معه وهل يستدعي ذلك انفتاح المغرب على دول كروسيا والهند والصين، أم أن المغرب يحاول بناء مقارباته الاستراتيجية دون الانسياق إلى سياسات لا تخدم أمنه القومي على المدى المتوسط؟ ويجيب الخبير المغربي بالقول إن “هناك بعض الأطراف التي أتت في سياق تحولات ثقافية واجتماعية إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي ولا تملك المشترك المتوسطي الذي يلعب المغرب دورا كبيرا في تلاقح ثقافاته وسياساته، ما جعل هذه الأصوات العقلانية تنادي بعودة القطار إلى سكته”.

وأبرز التطور التاريخي للمغرب مكامن القوة الأساسية في المعادلات الجيوسياسية للمملكة في منطقة حوض البحر المتوسط حيث أصبحت قوة إقليمية قادرة على أن تساهم في الحفاظ على التعايش السلمي في المتوسط، لذلك يعتبر المغرب خط التأثير الجيوستراتيجي والجيوثقافي بين أفريقيا وأوروبا وهو ما سهل عمليا الحوار بين الضفـتين والأمـن في معبر مضـيق جبل طارق.

وبخصوص المنطلقات التي تجعل رشيدة داتي مرتكزة لاستحضار دور المغرب ضمن الأمن الأورومتوسطي خلص الشرقاوي الروداني إلى أن “المنطلقات موضوعية ومكانة رشيدة داتي في أحد الأحزاب السياسية المهمة تجعلها مطلعة على خبايا الأمور فهي مسؤولة حكومية سابقة ومقربة من القرار الفرنسي إلى جانب أنها كانت مكلفة بوزارة العدل مما يجعلها قريبة من ملفات أمنية حساسة كما أنها عضو في البرلمان الأوروبي وتشتغل في لجنة مهمتها تقييم السياسات الأوروبية مع دول الجوار”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: