موريتانيا وتوازن الحياد الفاعل: بين السيادة الوطنية والدور الإقليمي في نزاع الصحراء
بوشعيب البازي
أعلنت الحكومة الموريتانية تمسكها بموقفها الثابت من نزاع الصحراء المغربية بالتزام “الحياد الفاعل”، وغلق معبر “البريكة” الحدودي لحماية سيادتها، وسط تأكيد على عمق علاقاتها بالمغرب، ودورها المحوري في الدفع نحو حل توافقي يخدم الاستقرار الإقليمي.
أكد وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، الناطق باسم الحكومة الموريتانية، الحسين ولد مدو، أن موقف بلاده من قضية الصحراء المغربية يتميز بـ”الحياد الفاعل”، مشيرًا إلى أن “نواكشوط تبذل جهودًا حثيثة لدفع طرفي النزاع، المغرب وجبهة بوليساريو، نحو حل توافقي يرضي الطرفين ويحرر المنطقة المغاربية من حالة الجمود التي سببها هذا النزاع الممتد منذ عقود.”
ويأتي ذلك في ظل المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة والمتعلقة بملف الصحراء المغربية والعلاقات مع المغرب.
وأوضح ولد مدو في مقابلة مع قناة “فرانس 24”، أن “بلاده ليست على الحياد بالمفهوم السلبي، بل تضطلع بدور نشط في تقريب وجهات النظر، لأن التوصل إلى حل يخدم مصلحة الجميع، ويحرر المنطقة المغاربية من حالة الجمود التي سببها هذا النزاع الممتد منذ عقود،” وفق تعبيره، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة تعوّل على الدور الذي تلعبه موريتانيا في هذا السياق، بوصفها طرفًا موثوقًا به من جميع الجهات، وتتمتع بعلاقات متوازنة مع مختلف الفاعلين في الملف.
في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة المغرب العربي والساحل، أكدت الحكومة الموريتانية مجددًا تمسكها بموقفها الثابت من نزاع الصحراء المغربية، والذي يجمع بين الحياد الفاعل والسيادة غير القابلة للتنازل، وسط إشارات واضحة إلى تطور نوعي في تموقع نواكشوط ضمن هذا الملف الشائك.
الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، الحسين ولد مدو، شدد في مقابلة تلفزيونية على أن بلاده لا تكتفي بموقف حياد سلبي، بل تمارس “دبلوماسية نشطة” هدفها الدفع نحو حل سلمي، يخدم الاستقرار الإقليمي ويحرر المنطقة من حالة الجمود السياسي التي يعمقها النزاع الممتد منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو.
تصريحات ولد مدو جاءت لتواكب تصعيدًا لافتًا في التوترات الأمنية عند الحدود الشرقية للبلاد، وخصوصًا في منطقة “البريكة” التي قررت موريتانيا إغلاقها حفاظًا على أمنها الوطني، ورفضًا لأي محاولات لاستغلال أراضيها كمنصة للهجمات أو الابتزاز السياسي.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب الصحفي بوشعيب البازي أن قرار نواكشوط يعكس تحولًا استراتيجيًا في التعاطي مع ملف الصحراء، قائلاً:
“موريتانيا باتت اليوم أقرب إلى تبنّي موقف واقعي ينسجم مع التطورات الميدانية والاقتصادية في الجنوب المغربي. الحياد لم يعد مبررًا لتجاهل معطيات السيادة المغربية على الصحراء، بل أصبح إطارًا يسمح لموريتانيا بلعب دور الوسيط النزيه مع الحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية الحيوية.”
خطوات ميدانية تكشف ما بين السطور
تحليل تصريحات المسؤولين الموريتانيين، يُظهر انفتاحًا على خطاب براغماتي، يعترف ضمنيًا بمشروعية الوجود المغربي في الأقاليم الجنوبية، خاصة بعد التنسيق المتكرر بين الجيشين المغربي والموريتاني في منطقة الكركرات، الذي اعتُبر من قبل عدد من المراقبين تحولًا عمليًا في العلاقة الثنائية.
محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أوضح أن نواكشوط “ترفض أي ابتزاز من البوليساريو أو داعميها في الداخل”، مشيرًا إلى أن تعزيز الوجود العسكري الموريتاني في الشمال يمثل رسالة واضحة ضد استغلال الأراضي الموريتانية في أي أنشطة معادية للمغرب.
وأضاف عبد الفتاح أن المشاريع الاقتصادية المشتركة، وعلى رأسها “المبادرة الأطلسية” وربط شمال موريتانيا بالأقاليم الجنوبية عبر معبر جديد بين السمارة وبئر مغرين، تمثل دليلاً على توجه استراتيجي لتكريس التكامل الاقتصادي وتحييد المناطق الحدودية عن أجندات الفوضى التي تغذيها جماعات مسلحة في منطقة الساحل.
معبر البريكة… سيادة لا مساومة فيها
الرد الموريتاني على مطالب البوليساريو بفتح معبر “البريكة” كان حاسمًا. فبعد محاولة وفد الجبهة إقناع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانيبإعادة فتح الممر، ردّت نواكشوط بإجراءات عسكرية صارمة تمثلت في تعزيز الانتشار الأمني، بما في ذلك نشر طائرات مسيرة للمراقبة.
تصريح ولد مدو بأن “الإجراء لا يحمل أبعادًا سياسية” لم يمنع المحللين من ربطه بالسياق الإقليمي الأوسع، حيث تسعى موريتانيا إلى تحصين حدودها أمام امتدادات التهريب والإرهاب العابر للحدود، في ظل غياب سلطة مركزية فاعلة في بعض جاراتها، خاصة مالي.
الرباط ونواكشوط: شراكة ما فوق النزاع
من الناحية الاقتصادية، تتعزز العلاقات المغربية الموريتانية باطراد، إذ تُعتبر المملكة أول مزود إفريقي لنواكشوط، بما يتجاوز 70% من وارداتها المغاربية. ويمثل معبر الكركرات شريانًا تجاريًا لا غنى عنه للبلدين، وخاصة في قطاعي الزراعة والخدمات اللوجستية.
ويرى بوشعيب البازي أن:
“موريتانيا تعي أن مستقبلها الاقتصادي والأمني مرتبط بمحيط مستقر. ومن هنا، فهي تُوازن بين خطاب الحياد الفاعل ودينامية الشراكة مع المغرب، دون الانجرار إلى محاور أو اصطفافات تُضعف موقفها السيادي.”
مخاوف إقليمية وتحديات متزايدة
التحولات في منطقة الساحل، وخاصة في مالي بعد تحوّل دور مجموعة فاغنر إلى ما يُعرف بـ”الفيلق الروسي”، تثير قلق نواكشوط التي تجد نفسها في قلب بيئة أمنية متقلبة. وبينما تسعى الحكومة الموريتانية إلى تعزيز تعاونها مع مختلف الأطراف الدولية، فهي في الوقت ذاته ترفض بشكل قاطع وجود أي قوات أجنبية على أراضيها.
وقد أكد ولد مدو أن “موريتانيا تتابع ما يجري حولها عن كثب، وتحتفظ بسيادتها الكاملة”، رافضًا ما وصفه بـ”الشائعات المغرضة” التي تهدف إلى التشويش على قراراتها السيادية.
بين خطاب “الحياد الفاعل” وتمسكها بسيادتها على كامل ترابها، ترسم موريتانيا معالم سياسة واقعية تجاه نزاع الصحراء المغربية. سياسة لا تنفصل عن محيطها الإقليمي، لكنها في الوقت ذاته ترفض التبعية أو الانجرار إلى نزاعات الآخرين. وفي هذا المشهد، تبرز نواكشوط كلاعب حذر، يسعى إلى ضمان أمنه، والحفاظ على شراكاته، والمساهمة، كلما أمكن، في الدفع نحو حل سياسي توافقي طال انتظاره.