شيوخ القبائل الصحراوية يتشبثون بالوحدة الترابية للمغرب
جدد شيوخ القبائل الصحراوية التأكيد على التزامهم الثابت بالوحدة الترابية للمملكة المغربية، معتبرين أن قضية الصحراء المغربية ليست مجرد ملف سياسي أو نزاع إقليمي، بل هي عنوان للوفاء التاريخي ومرتكز للهوية الوطنية.
الرباط – اعتبر شيوخ القبائل الصحراوية، خلال ندوة وطنية نظمت السبت بمدينة العيون تحت شعار “الصحراء المغربية: من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل”، أن قضية الصحراء المغربية عنوان للوفاء التاريخي ومرتكز للهوية الوطنية الجامعة، مجددين التأكيد على التزامهم الثابت بالوحدة الترابية للمملكة.
ويأتي ذلك في إطار الانسجام مع التوجيهات الملكية في تطوير نهج براغماتي فعال ودائم للدفاع عن الوحدة الترابية.
وأكد شيوخ القبائل الصحراوية أنهم ظلوا عبر العقود صمام أمان في وجه حملات التشويش والتضليل، وأن شهاداتهم أمام الهيئات الأممية ومواقفهم الراسخة في الميدان تعد امتدادا لنضال تاريخي عريق توارثته الأجيال دفاعا عن مغربية الأرض والإنسان.
عدد من المتدخلين أكدوا أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل الإطار الواقعي لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية
ورفض شيوخ القبائل أي محاولة للمساس بوحدة التراب الوطني، مؤكدين أن سكان الصحراء المغربية ظلوا في طليعة المدافعين عن السيادة المغربية، وأن التلاحم بين الدولة ومكونات المجتمع المحلي يشكل درعا منيعا في مواجهة كل المناورات، مع مواصلة اليقظة والانخراط الإيجابي في مواجهة التحديات، من خلال التعبئة الشعبية وتكثيف الترافع المؤسساتي، تأكيدا على أن “الصحراء المغربية ستظل كما كانت قضية وجود لا قضية حدود.” وشددوا على أن “الشيوخ سيظلون في قلب هذه المعركة الوطنية حتى تحقيق النصر الكامل.”
ونوه سيدي حسنا الإدريسي، الذي ألقى كلمة باسم مؤسسة الشيوخ، بمبادرة الحكم الذاتي التي تجسد حكمة الدولة المغربية في التعاطي مع النزاع المفتعل، والتي نالت اعترافا دوليا متزايدا بجديتها ومصداقيتها كإطار لحل سياسي نهائي ومتوافق عليه، معتبرا أن ما تحقق من مشاريع كبرى وبنيات تحتية متطورة بالأقاليم الجنوبية لا يعكس فقط الإرادة السياسية الواضحة للمملكة، بل كذلك التزاما إستراتيجيا بجعل الصحراء قطبا اقتصاديا قاريا، ومجالا لإشعاع النموذج التنموي المغربي.
ومن جهته أكد محمد ولد الرشيد رئيس مجلس المستشارين في افتتاح الندوة الوطنية على الدور الوطني البارز الذي اضطلعت به قبائل الصحراء المغربية وشيوخها على امتداد الأجيال، في تَجْسيدٍ لِصدقِ الولاء والاِنتماء، والتشبث الراسخ بالوحدة الوطنية والعرش العلوي المجيد، والشرعية الشعبية والديمقراطية التي اكتسبها المنتخبون، الذين تم اختيارهم بكل حرية، والتي تجعل منهم الممثلين الحقيقيين لسكان الصحراء المغربية.
وفي مداخلته في هذا اللقاء الذي نظمته مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة بمجلس المستشارين المكلفة بتقديم الاستشارة حول “القضية الوطنية الأولى: الوحدة الترابية للمملكة”، أكد حسن عبدالخالق، السفير المغربي السابق بالجزائر، أن المغرب، في ظل هذه التحديات، اختار منذ البداية نهج الحلول السلمية، وسعى إلى إيجاد مخرج سياسي توافقي لهذا النزاع المفتعل، غير أن إغلاق الحدود البرية من طرف الجزائر وإجهاض مشروع الاتحاد المغاربي، الذي كان ينتظر منه أن يشكل إطارا ملائما لتسوية القضية، عرقلا الجهود الإقليمية وأفشلا أحد أهم رهانات الاستقرار في المنطقة.
وسجل حسن عبدالخالق الذي هو عضو باللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، أن “المغرب عبر طرحه مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، قدم تصورا براغماتيا متقدما يحظى بمصداقية دولية متنامية، باعتباره حلا واقعيا ومتوافقا عليه، يضمن للسكان الصحراويين تدبير شؤونهم ضمن السيادة المغربية، وأن هذا الطرح قوبل برفض تام من الطرف الآخر الذي لجأ إلى الترويج لأفكار التقسيم وصياغة مخططات بديلة لا تحظى بأي مشروعية أو تأييد أممي.”
وأجمع عدد من المتدخلين وخبراء في العلاقات الدولية، في ندوة “الصحراء المغربية: من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل” التي احتضنتها مدينة العيون، على أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب تمثل الإطار الواقعي والعملي لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مؤكدين ضرورة مواصلة الترافع بشأنها إقليميا ودوليا باعتبارها حلا سياسيا متقدما يستجيب لتطلعات السكان المحليين ضمن سيادة المملكة ووحدتها الوطنية.
شيوخ القبائل يرفضون أي محاولة للمساس بوحدة التراب الوطني ويؤكدين على أن سكان الصحراء المغربية ظلوا في طليعة المدافعين عن السيادة المغربية
واعتبر الدكتور مولاي بوبكر حمداني، رئيس مركز التفكير الإستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية، أن المبادرة التي قدمتها المملكة سنة 2007 لا تنحصر في بعدها السياسي الظرفي، بل تشكل صرحا مؤسسا على منطلقات سيادية صلبة، تعزز التماسك الداخلي وتحاكي في هندستها عددا من النماذج الدولية الناجحة، مع تقديمها خصوصيات ابتكارية تتماشى مع الواقع التاريخي والاجتماعي للأقاليم الجنوبية.
وتنص المبادرة المغربية بشكل دقيق على توزيع متوازن للاختصاصات بين المركز والجهة، حيث تحتفظ الدولة بالصلاحيات السيادية الجوهرية، حسب مولاي بوبكر حمداني، في حين تمنح الجهة سلطات واسعة في تدبير الشأن المحلي والتنمية والموارد، مع إمكانية إحداث شرطة محلية، وإرساء مؤسسات منتخبة، وبرلمان جهوي يعكس التعددية القبلية والسوسيو-ثقافية؛ وهو ما يمنحها شرعية ديمقراطية وتنموية تتجاوز المفهوم التقليدي للحكم الذاتي.
وأوضح الدكتور الموساوي العجلاوي، أستاذ العلاقات الدولية، أن مبادرة الحكم الذاتي تطرح اليوم كعرض سياسي متكامل يحمل جميع مقومات التسوية الواقعية، ويمثل إطارا مرنا يضمن حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، لا يمكن أن يتحول إلى “مخطط” إلا في حال قبول الأطراف الأخرى؛ وهو ما يفسر إصرار المملكة على التفاوض ضمن مقاربة ترتكز على الجدّية والواقعية.
ولفت المتدخلون إلى أن النموذج التنموي المعتمد بالأقاليم الجنوبية للمملكة يشكل رافعة حقيقية لتحقيق العدالة المجالية، وإرساء تنمية مستدامة ترتكز على تكامل البنية التحتية وتعزيز الرأسمال البشري، مع أهمية تنزيل الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، وإرساء منظومة حوكمة ترابية تتقاطع فيها الكفاءة التدبيرية مع الفاعلية المؤسساتية.