خطة “ماتي”: طموح إيطالي لإعادة رسم العلاقات مع إفريقيا والحد من الهجرة غير النظامية
طرحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، خلال قمة عقدت في روما الجمعة 21 يونيو بحضور رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، “خطة ماتي” كاستراتيجية شاملة تهدف إلى معالجة جذور الهجرة غير القانونية القادمة من إفريقيا نحو أوروبا، وذلك عبر دعم التنمية الاقتصادية في الدول الإفريقية وتوسيع النفوذ الإيطالي في القارة. ورغم الترحيب الأوروبي والدولي النسبي بالخطة، إلا أن مراقبين يشككون في قدرتها الواقعية على تحقيق أهدافها المعلنة.
ما هي خطة “ماتي”؟
الخطة سُميت تيمناً بإنريكو ماتي، مؤسس شركة الطاقة الإيطالية العملاقة “إيني”، المعروف بسياساته التي أعطت الدول المنتجة للنفط نصيباً أكبر في عقود الاستغلال. تستند خطة “ماتي” على نفس النهج، عبر السعي لإقامة شراكات اقتصادية عادلة وغير استعمارية مع إفريقيا.
ووفقاً لما أعلنته الحكومة الإيطالية، فستتم تعبئة حوالي 5.5 مليار يورو لتنفيذ مشاريع تنموية في 14 دولة إفريقية، تتركز على قطاعات الطاقة والمواد الخام والمياه والصحة والتعليم. غير أن تقريراً رسمياً نُشر في نوفمبر الماضي كشف أن أقل من ملياري يورو قد تم تخصيصها فعلياً لمشاريع محددة حتى الآن، الأمر الذي يثير تساؤلات حول جدية التمويل ووتيرة التنفيذ.
دور أوروبي وجيوسياسي
الخطة تحظى بدعم من المفوضية الأوروبية وتندرج ضمن استراتيجية “البوابة العالمية” التي أطلقتها بروكسل في عام 2021، كبديل أوروبي لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية. وتُعتبر خطة “ماتي” مساهمة إيطالية بارزة في هذه الاستراتيجية، التي يُقدر حجم استثماراتها الإجمالي في إفريقيا بنحو 150 مليار يورو.
على الصعيد الجيوسياسي، ترى روما في الخطة فرصة لتعزيز حضورها في القارة، خصوصاً في ظل تراجع النفوذ الفرنسي في عدة دول إفريقية. كما تسعى إيطاليا، التي باتت تعتمد أكثر فأكثر على الغاز الجزائري بعد الحرب في أوكرانيا، إلى تعزيز شراكاتها في مجال الطاقة مع الدول الإفريقية.
طموحات تفوق الإمكانيات؟
رغم الزخم السياسي والإعلامي الذي يرافق خطة “ماتي”، يرى محللون أن التوقعات المرتبطة بها قد تكون مفرطة. فوفقاً لجيوفاني كاربوني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميلانو، فإن “التمويلات المتاحة لا تكفي لتحقيق الأهداف المعلنة”، مشيراً إلى ضرورة مراقبة تنفيذ المشاريع بشكل دقيق لتفادي الفشل.
وأضاف كاربوني أن “الربط بين التنمية الاقتصادية والحد من الهجرة غير النظامية ليس آلياً”، وأن التحديات على الأرض — مثل ضعف البنى التحتية، الديون، الفساد، والنزاعات — قد تعيق تأثير هذه المشاريع على المدى القصير.
مواقف إفريقية حذرة
ورغم الترحيب الظاهري من بعض الحكومات الإفريقية، إلا أن الحذر لا يزال سيد الموقف. فقد حذر رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد من أن “إفريقيا لا تستطيع الاستمرار في الاعتماد على وعود غالباً ما يتم الإخلال بها”. كما أشار الرئيس الكيني ويليام روتو، الذي وصف الخطة بـ”الطموحة”، إلى أن “الاستثمار وحده لا يكفي”، في ظل العقبات التي تواجهها الاقتصادات الإفريقية، لا سيما أعباء الديون.
الجدير بالذكر أن الخطة تستثني دولاً ذات ثقل سياسي واقتصادي في إفريقيا مثل إثيوبيا، ليبيا، السنغال وساحل العاج، ما يطرح علامات استفهام حول معايير اختيار الدول المستهدفة.
القطاع الخاص الإيطالي شريك محوري
تشارك شركات إيطالية كبرى في تنفيذ الخطة، منها “إيني” في مجال الطاقة، و”تيرنا” في شبكات الكهرباء، بالإضافة إلى مجموعات زراعية وصناعية أخرى. وتشمل بعض المشاريع المعلنة تمويل خط سكة حديد بين زامبيا وأنغولا، واستثمار 65 مليون يورو في إنتاج الوقود الحيوي بكينيا.
هل تنجح روما في كسب رهان إفريقيا؟
تشكل خطة “ماتي” محاولة جادة من إيطاليا لإعادة رسم علاقتها بإفريقيا على أسس جديدة، تجمع بين الشراكة الاقتصادية والسيطرة على الهجرة. إلا أن نجاحها يتوقف على مدى التزام روما بتنفيذ وعودها، وعلى قدرتها على مواءمة طموحاتها مع الواقع المعقد في القارة. وبينما ترحب بروكسل بهذه المبادرة كجزء من استراتيجية أوروبية أوسع، يبقى السؤال الأهم: هل تنجح إيطاليا فعلاً في إقناع إفريقيا بأنها شريك موثوق، لا مجرد لاعب جديد بطموحات قديمة؟