ناصر بوريطة: دبلوماسية الصمت الهادئ والانتصارات المتراكمة في ملف الصحراء المغربية

بوشعيب البازي

في زمن تملأ فيه الضجيج السياسي والخرجات الفارغة مشهد الدبلوماسية في المنطقة، يبرز وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، كأحد أكثر الشخصيات تأثيرًا وفعالية في الدفاع عن القضايا السيادية للمملكة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية. بأسلوب بعيد عن الاستعراضات الإعلامية، وبمنهجية دؤوبة تجمع بين الذكاء الاستراتيجي والهدوء التكتيكي، استطاع بوريطة أن يحقق للمغرب ما لم تحققه سنوات من الخطاب العاطفي والتقليدي.

دبلوماسية النتائج لا التصريحات

منذ توليه حقيبة الخارجية سنة 2017، اختار بوريطة نهجًا مغايرًا يرتكز على الدبلوماسية الصامتة والفعّالة. فلا مؤتمرات استعراضية، ولا تصريحات نارية، بل تحركات مدروسة، واتصالات مستمرة، وبناء لتحالفات استراتيجية تُترجم إلى اعترافات متتالية بمغربية الصحراء، ودعم متنامٍ للمبادرة المغربية للحكم الذاتي.

وتتجلى أبرز ثمار هذا النهج في اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء سنة 2020، وهو تحول نوعي تاريخي لم يكن ليتحقق دون اشتغال هادئ وناجع خلف الكواليس. تبعه فتح أكثر من 30 قنصلية في مدينتي العيون والداخلة، من دول تمثل إفريقيا، الخليج، الكاريبي، وحتى أمريكا اللاتينية.

إعادة تشكيل الخارطة الدبلوماسية

بفضل عمل وزارة الخارجية تحت إشراف بوريطة، نجح المغرب في إعادة تشكيل تموقعه في المنظمات الدولية والإقليمية، خاصة داخل الاتحاد الإفريقي، حيث استطاع تقليص هامش المناورة الذي كانت تستغله الجزائر والبوليساريو لتمرير أطروحتها الانفصالية.

كما تمكنت الدبلوماسية المغربية من تحييد عدد من الدول المحورية في أمريكا اللاتينية وآسيا، والتي راجعت مواقفها السابقة تجاه النزاع المفتعل، واعتمدت موقفًا أكثر توازنًا أو داعمًا للوحدة الترابية للمملكة.

بوصلة التعاون جنوب-جنوب

بعيدًا عن التركيز الضيق على ملف الصحراء فقط، حرص بوريطة على تعزيز البعد الإفريقي في السياسة الخارجية للمغرب، من خلال اتفاقيات ثنائية واستثمارات استراتيجية عززت من مكانة الرباط كفاعل رئيسي في القارة.

وفي الوقت الذي تعاني فيه الدبلوماسية الجزائرية من عزلة إقليمية ودولية، يواصل المغرب تعزيز تحالفاته مع قوى مؤثرة مثل فرنسا، الولايات المتحدة، بريطانيا، إسرائيل، ودول مجلس التعاون الخليجي، دون تفريط في استقلالية قراره السياسي.

استحقاقات دبلوماسية في زمن الأزمات

هذا و حسب تقدير الكاتب الصحفي المتتبع لقضية الصحراء المغربية فإن« لناصر بوريطة، ليس فقط قدرته على مواجهة عواصف دبلوماسية غير مسبوقة، بل تفوقه في تحويل الأزمات إلى فرص استراتيجية. ففي عزّ جائحة كورونا، وفي ظل توترات سياسية حادة مع قوى أوروبية تقليدية، استطاع بوريطة أن يحافظ على ثبات المنظومة الدبلوماسية المغربية، بل وأن يوسع هامش تأثيرها الدولي.

لقد نجح، وبأدوات هادئة وذكية، في فرض مقترح الحكم الذاتي كمقاربة جادة وواقعية ضمن المرجعيات الرسمية للأمم المتحدة، وهو إنجاز نوعي لم يكن ممكنًا لولا منهجية اشتغال تنبني على التراكم لا التهريج.

أما على صعيد التموقع الدولي للبوليساريو، فقد شهدنا خلال فترة بوريطة تراجعًا واضحًا في حضور هذه الكيان داخل المنتديات والمحافل، نتيجة دبلوماسية مغربية هجومية حينًا واحتوائية حينًا آخر.

ولعل أحد أبرز مؤشرات نجاحه هو تفكيك المواقف الرمادية لبعض العواصم الأوروبية، كما حدث مع ألمانيا وإسبانيا، اللتين عادتا لتصحيح بوصلتهما عبر دعم صريح لمبادرة الحكم الذاتي.

إنه وزير يشتغل في الظل، لكن نتائج عمله تضيء خارطة المصالح العليا للمغرب بوضوح ناصع. »

رجل المرحلة… بصمت

قد لا يظهر ناصر بوريطة في وسائل الإعلام بنفس وتيرة وزراء آخرين، لكنه دون شك رجل المرحلة الدبلوماسية بامتياز. فهو يُفضل تراكم الإنجازات على تراكم العناوين، ويؤمن بأن قوة الدبلوماسية لا تُقاس بضجيجها، بل بنتائجها على الأرض.

وبينما يواصل خصوم المغرب اجترار خطابات الخمسينيات، يعمل بوريطة على ترسيخ مغربية الصحراء كأمر واقع مقبول دوليًا، ومسنود قانونيًا، ومرغوب سياسيًا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: